الرواية التفاعلية تلقي بظلالها على ملتقى القاهرة للإبداع الروائي

  • 5/8/2019
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

تتواصل فعاليات ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي "الرواية في عصر المعلومات" بقاعات المجلس الأعلى للثقافة، وفي جلسة رأسها د. نبيل حداد، تحدث الباحث بهاء الدين الطود عن "الرواية التفاعلية بين الرفض والقبول" وقال: ظلت صنعة كتابة الرواية العربية تثمر تجديدات شتى على على مستوى أنساق الكتابة الإبداعية، وعلى مستوى الحرص على تجديد القنوات الحاملة للأفكار والرؤى والصور التمثلات، واتضح أن العصر الراهن أضحى أكثر التصاقا بذات الكاتب الفردانية المنتشية بحميمياتها والمنفلتة من شرنقة القوالب الجاهزة في الكتابة، وفي التعبير، فكانت النتيجة تبلور سقف عام للتجديد بعيدا عن أصنام التنميط، وقريبا من روح العصر، ونفورا من تقليدانية الخطاب والأسلوب والصورة والتركيب وأدوات السرد، وفي هذا المخاض كان لا بد أن تتحقق ثورة إبداعية على مستوى الأدوات المستعملة وعلى مستوى لسانيات الخطاب المقحم لأدوات تعبيرية غير لفظية، لعل أهمها التعبير الأيقوني والاستثمار الجمالي والتوظيف الرمزي لمكتسبات الثورة التكنولوجية العميقة التي يعرفها العالم راهنا. وأكد الطود أن الأدب لم يستطع الإفلات من تأثير الثورة الإلكترونية التي نعيشها الآن، والتي استطاعت اقتحام عالم الأدب، فصرنا نقرأ نصوصا تستخدم فيها الإمكانيات الهائلة لتقنيات العصر من: صور فوتوغرافية، ورسوم متحركة، ومؤثرات سمعية وبصرية وروابط تشعبية .. الخ، وظهر ما يسمى بالرواية التفاعلية التي أصبحت الكلمة فيها جزءا من الكل، بعد أن كانت الرواية لا تعرف سوى التعبير عن الأفكار بالكلمة المكتوبة والمخيلة النشطة، والصورة التي تنحت صورها من معجم لغوي. ويتوقف بهاء الدين الطود عند تعريف سعيد يقطين للرواية التفاعلية بأنها نص متعدد العلاقات لا يقف فقط عند البعد اللفظي، فهو نص الصوت والصورة، وأنها لا يمكن أن تُنتج إلا من خلال الحاسوب. ويرى الباحث الطود أن للرواية الرقمية أنواعا عديدة منها: رواية الهايبرتكست، هي تلك الرواية التي تستخدم الروابط المتشعبة ومؤثرات المالتيميديا المختلفة، ويقوم بكتابتها شخص واحد يتحكم في مساراتها، فلا يشاركه في عملية الكتابة أحد، ويطلق عليها بعض النقاد "تفاعلية" لأنها تحتوي على أكثر من مسار رابط داخل النص، كما أنها تسمح للقارئ بالاختيار بين المسارات السردية المختلفة التي تحتويها. ومنها الرواية التفاعلية التي تستخدم الروابط المتشعبة أيضا، وبقية المؤثرات الرقمية الأخرى، مثلها مثل النوع الأول، لكنها تختلف عن الأولى في كون كاتبها أكثر من واحد، أي يشترك في كتابتها عدة مؤلفين، وقد تكون مفتوحة لمشاركة القراء في كتابتها. أما رواية الواقعية الرقمية، فهي تلك الرواية التي تستخدم الأشكال الجديدة التي أنتجها العصر الرقمي، لتعبر عن العصر الرقمي والمجتمع الذي أنتجه هذا العصر، وإنسان هذا العصر، الإنسان الرقمي الافتراضي. ويتحدث الباحث حمزة قريرة عن "الرواية التفاعلية العربية: إشكالية البناء وأزمة التلقي" فيقول إنه في خضم التطور الهائل لوسائل الاتصال والبرمجيات حاولت الأشكال السردية العربية مسايرة الجديد والتفاعل مع المستحدث من البرامج والوجود الدائم على الشبكة، مستفيدة من تجارب غربية في المجال، ومن كل ما تمنحه البرمجيات الحاسوبية في جعلها مسايرة للمتلقي العربي عبر شبكة الإنترنت. ويؤكد قريرة أن الرواية تعد أكثر هذه الأشكال السردية حضورا وقوة تأثيرا في المتلقي، فظهرت أولى المحاولات العربية في مجال الرواية التفاعلية / الرقمية عام 2001 وتمثلت في رواية "ظلال الواحد" لمحمد سناجلة التي تعد أول رواية رقمية في الوطن العربي. ويرى الباحث الجزائري أن بناء الرواية التفاعلية مرتبط بمتغيرات على الروائي إدراكها قبل الخوض في الكتابة أولها نوع البرمجيات التي تتيح له تقديم نصه بكل حمولته اللغوية وغير اللغوية، وإمكانات انفتاحه على المتلقي عبر إشراكه في العملية الإبداعية، كذلك متغير التحول من الورقي إلى الإلكتروني، فطبيعة الكتابة المختلفة تجعل نظام التصوير يختلف والأخيلة تتبدل، بل جمالية النص ومعاييرها تتبدّى بأشكال أخرى غير الورقية الثنائية البعد، كذلك دخول العلامات غير اللغوية فاعلا رئيسيا في الرواية التفاعلية يضيف إلى النص كثيرا، بل يعد مقوما مهما كاللغة في بنائها. وعن مستوى التلقي والتفاعل يرى حمزة قريرة أن الاستراتيجية النصية التي تنبني عليها الرواية التفاعلية لا تتوافق وأفق توقع المتلقي العربي، بل لا تتماشى في كثير من الأحيان مع الاستراتيجية الذهنية القبْلية التي بناها العربي حول قراءته للرواية، لهذا فالاستعداد الجمالي للتلقي غير موجود، مما أدى إلى العزوف عن تتبع مثل هذه الروايات وانحصارها في دائرة جد ضيقة تحوي الدارسين والمهتمين دون المتلقي العربي الحقيقي. وعلى ذلك يبرز قريرة عمق مسألة التلقي العربي للرواية التفاعلية، بل لمختلف الأشكال السردية الأخرى التي تحاول توطين نفسها في الساحة الروائية/السردية لكن بخطى باهتة المعالم. وعن "الرواية التفاعلية: عولمة النسق، وسلطة التلقي" يشارك الناقد د. شريف الجيار متخذا من رواية "المتشرد" لعبدالواحد ستيتو نموذجا، فيقول: استطاعت العولمة وتداعياتها التكنولوجية المعاصرة أن تطرح خطابا أدبيا هجينا، ونمطا إبداعيا مغامرا، يفيد من فنية الأدب، وعلمية الواقع الرقمي الجديد عبر ممارسة جمالية تجريبية، ونسق نصي مغاير يتجاوز المألوف والسائد، ويتمرد على المحدود والمؤطر، دون قطيعة معه، ويؤكد مشروعية منطقه الإبداعي المتطور، شعرا وسردا، عبر خطاب رقمي تفاعلي، وواقع افتراضي ينطلق من الحاسوب وبرامجه التي تعتمد على ثنائية (الصفر والواحد) ومسرحه الإنترنتي الذي يمزج المكتوب بالمسموع والمرئي، ويطرح تأثير ذلك على فعلي الإنتاج والتلقي، وقد عرفت هذه الأدبية التجريبية الجديدة بـ "الأدب التفاعلي الرقمي". وفق هذا السياق تأتي دراسة شريف الجيار لجماليات الرواية التفاعلية في وسيطها الرقمي، من خلال مقاربة رواية "المتشرد" للكاتب المغربي عبدالواحد ستيتو كنموذج تطبيقي، نكتشف من خلاله، واقعية الكتابة الروائية الرقمية التفاعلية، وانفتاحها التقني، وتعدد مساراتها في التلقي، والقضايا الاجتماعية التي تتناولها. ويطرح الجيار أسئلة تسهم في إثارة التفكير حول الرواية الرقمية والرواية التفاعلية من قبيل: هل يمكن أن تسهم النصوص التفاعلية مستقبلا في إيجاد اتجاه إبداعي رقمي، يمكن له أن يشكل مرحلة مفصلية مهمة في الأدبية العربية؟ وهل يمكن لها أيضا أن تغير وعي القارئ العربي (العادي والأكاديمي المتخصص) من حيث النظرة إلى فضاء الفيسبوك التفاعلي الذي يراه كثيرون بأنه فضاء استهلاكي، يشكل خطرا على الإبداع، وربما يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل استيتو يتخذ من فضاء الفيسبوك مشروعا إبداعيا، يسهم في تطوير الثقافة العربية (الإبداعية والقرائية) في مجتمع افتراضي أهم ما يميزه الانفتاح والتشابك مع الآخر. مثل هذه التساؤلات – كما يرى الجيار – تؤكد أن الرواية التفاعلية إضافة إلى جمالياتها التقنية التي استوحتها من الوسيط الرقمي، وأدت إلى تغيير جذري في مفهوم النص، تنطوي أيضا على أبعاد أيديولوجية خاصة، تختلف باختلاف الرؤى التأليفية وعلاقتها بالفضاء الرقمي. الباحث الكويتي فهد الهندال قال إن العالم اليوم يشهد تداخلا بين الواقع والافتراضي من خلال ثورة الكتولوجيا والمعلومات، وتأسيس وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، وما ارتبطت بها من علاقات تبادلية بين الكاتب والمتلقي في فضاء ثقافي/ أدبي مفتوح تحررت فيها الكلمة من سلطة النص الورقي، ومراحل الإنتاج المطبعي، وتتابع لحالة خلق النص ومشاركة المتلقي في مولده. ويرى الهندال أن الرواية التفاعلية جزء من التبادلية والقفز نحو أدب يقوم مقام الشراكة بين أفراد المجتمع في إعادة صياغة للسرد الحديث بصورة معاصرة مع الاستفادة وإعادة العلاقة البنائية لتقنيات الخطاب السردي، وهو ما يمكن أن نجده في اتساع مفهوم السرد، فثمة استعمالات عدة للسرد، تختلف من باحث إلى آخر، فيرى جيرالد برنس أن السرد هو إعادة لإنتاج أحداث وحالات، حقيقية أو خيالية، عن طريق سارد واحد، أو عدة ساردين، سواء كان شفهيا أو كتابة، أو إشارة أو صورة متحركة، أو أية مجموعة منظمة، ليضم تحت مصطلح السرد؛ الروايات والقصص القصيرة والأساطير والقصص الشعبية، إلى جانب السيرة الذاتية والملاحم والتاريخ والأغاني الشعبية القصصية وغيرها. ويوضح الهندال أن تودوروف استخدم مصطلح السرد بمعنى الحكاية، ويستعمل أيضا على كونه العمل التواصلي الذي به وفيه ينقل المرسل رسالة ذات مضمون قصصي إلى مرسل إليه، رديفا للكلام باعتباره وسيطا يحمل الرسالة المذكورة، ولكنه متخيل. أما جيرار جينيت، فيحدد السرد في علاقته بالحكي في الفصل الخاص بـ "الصوت السردي" عبر علاقات معينة، حيث ربطه بالمقام السردي، أي المنطوق السردي أو النشاط السردي الذي يتولى مهمته سارد، يسرد حكاية ويصوغ الخطاب الناقل لها، وهو ما سماه جينيت فعل السرد، وكأنه يميز بين فعل الكتابة الذي يكون عبر فاعله/الكاتب، وفعل السرد الذي ينجزه السارد. وتحدث الهندال عن العلاقة بين تطوير آليات الكتابة وتطوير آليات التلقي، وشبّه النص المتشعب في النصوص القديمة بالحواشي والشروح والإحالات والنص داخل النص. أما عنوان مشاركة د. محمود الضبع فقد كانت "الرواية التفاعلية في الميزان" وفيها قال: شاع الحديث عن الرواية التفاعلية منذ العقد الأول من الألفية الثالثة، وتم تعريفها على أنها النص الروائي متعدد المسارب الذي يعتمد على التكنولوجيا والأجهزة الرقمية في المقام الأول (هيبرتكست) بما يتضمنه من النظم المتعددة لتخزين الصيغ المختلفة من المعلومات والصور والنصوص والملفات الصوتية يحيث يمكن الضغط على أحدها للوصول عبره إلى تفريعة جديدة للنص، ومن ثم يمكن للمتلقي التدخل في إعادة صياغة النص أو توجيهه حسب طبيعة التلقي، بحيث تتعدد المسارب لكنها في نهاية الأمر تفضي إلى نص واحد. ويرى الضبع أنه منذ ظهورها لاقت الرواية التفاعلية اهتماما ورواجا، بحيث لم يعد في الإمكان دراسة تطورات الرواية في أي ملتقى أو محفل أو مؤتمر أو ندوة دون تخصيص محور للحديث عنها، وتقديم تصورات متعددة حولها. وأوضح محمود الضبع أن دراسته تسعى لرصد الممارسات الإبداعية والنقدية للرواية التفاعلية التي أفردت لها دراسات في كتب وأبحاث ومقالات بوصفها ظاهرة ستمثل مخرجا لمأزق الكتابة الروائية بين الاحتفاء بالحكاية أو البحث عن البديل المحتفي بالتقنيات الفنية على حساب الحكاية، أو الدخول بها إلى عوالم المعرفة والمعلوماتية مضمونيا أو فنيا. ويشير الضبع إلى أنه لم يحدث أن وقفت دراسة أمام تقييم منجز هذه الكتابة التفاعلية، لتنظر فيما أضافته من تطوير أو تعطيل للفن الروائي أو الخروج عن مقتضياته أو فيما أضافه منجزها من جماليات تلقي يمكن له أن يؤسس لراهن كتابة جديدة إن جاز استخدام التعبير، ولم تقف دراسة أمام التنظير النقدي الذي واكب ظهور الرواية التفاعلية وتنبأ بمستقبلها لمراجعة هذه الرؤى النقدية ومطابقتها على المنجز الفعلي للرواية. وتركز الدراسة على قراءة ظاهرة الرواية التفاعلية، وتحليل أبعادها والووقلية، وتحليل أبعادها والوقوف على منجزها ومحاولة توقع آفاق حضورها المستقبلي إبداعا ونقدا. وعن الرواية اللامتناهية الشبكية قراءة في تفاعلية الرواية الرقمية تحدث الباحث اليمني د. هاني الصلوي فقال: غير خاف على المتبع الباحث ما آل إليه البحث العلمي والنص الإبداعي في الغرب من تحول كثير من الذهنيات والرمزيات التي سادت في رؤى ونصوص وسرود ما بعد الحداثة إلى معطيات رقمية شبكية لا متناهية مع ما عرف في الغرب برؤى وسرود ما بعد الحداثة وفي الحقول الروائية من كل ذلك بالذات؛ لكن السؤال الذي يجب طرحه دائما حين نتباحث مع النص العربي نقديا وإبداعيا: هل ثمة انشغالات عربية توازي الأطروحات الغربية ناقلة أو مبدعة سياقات جديدة؟ وهل ما عرف أخيرا في الوطن العربي بالرواية الرقمية أو التفاعلية هو نص روائي لا متناه شبكيا، أي يعتمد بشكل أساسي على التغير الدائم في النص واللاخطية والتعدد واللانهائية ولا يمارس نصياته المتعددة إلا على الشبكة العنكبوتية، كما هو في أحدث الصياغات الغربية أم أن الرواية التفاعلية العربية، ومن ثم النص الرقمي العربي، مجرد تحويل للنصوص الورقية إلى نصوص حاسوبية لا يهم إن كان القارئ سيقرأها على الحاسوب أو سينشيء نسخة ورقية لقراءته، إن كان سيشاهدها على الحاسوب أو التليفون الذكي كما يشاهد فيلما قصيرا أو طويلا على التلفزيون أم سيمضي مع روابطها القليلة والمحددة سلفا. ويوضح الصلوي أنه انطلاقا من معطيات اللاتناهي الشبكي كما يظهر وتمارس سياقاتها في نصوص بعض المنظرين الغربيين، ومن الحركيات الدائمة التغيير على آفاق الإنترنت وفضاءاتها اليومية والمعرفية وحتمياتها العاصفة، سوف يقوم بدراسة بعض النماذج العربية، التي قسمها إلى نماذج تمارس النص الرقمي ونقده (محمد سناجلة مثلا) ونماذج تمارس النقد الرقمي مثل عبير سلامة وسعيد يقطين.

مشاركة :