أعلن مجموعة من الشباب التونسيين عن تأسيس حزب سياسي جديد أطلقوا عليه اسم “آكال” أي الأرض باللغة البربرية أو الأمازيغية. ويتخذ الحزب من أمازيغية شمال أفريقيا مرجعية رئيسية لتصوراته، وهو ما يعتبره مراقبون محاولة للفت انتباه التونسيين الذين تعكس عدة مؤشرات تراجع اهتمامهم بالشأن السياسي. ويعد هذا الحزب ذو المرجعية الأمازيغية الأول من نوعه منذ حصول تونس على الاستقلال. يبلغ عدد الأحزاب السياسية في تونس 218. يصعب حصر الأمازيغ في تونس أو أي دولة أخرى في شمال أفريقيا نتيجة انصهارهم مع بقية الأجناس الأخرى، لكن سلطات تلك البلدان تحصرهم في عدد الناطقين الذين لا يمثلون سوى 2 بالمئة من الشعب في تونس. ويستقر هؤلاء في مناطق جنوب البلاد من بينها جربة ومطماطة وتطاوين. ويرفض شادي منصري الأمين العام لحزب “آكال” الطرح الذي يطالب بحصر الأمازيغ في عدد الناطقين. وقال لـ”العرب”، “طرحُنا لا يقوم على منطقة ناطقة وأخرى غير ناطقة. نحن نؤمن أن هناك مواطنا تونسيا مختلفا عن بقية الشعوب العربية، ومبدؤنا هو الهوية”. وأضاف “الشعب التونسي يتشابه مع سكان شمال أفريقيا، فلهجتنا خليط تهيمن عليه اللغة الأمازيغية”. ويثير هذا الطرح استغراب متتبعي الحراك الأمازيغي في شمال أفريقيا، إذ أن قيادات الأحزاب في الجزائر مثلا ينحدر اغلبهم من منطقة القبائل أو مدن أمازيغية. وهو نفس الشيء بالنسبة للأكراد في سوريا والعراق وتركيا. ولا تحظى مثل هذه التحركات بدعم بعض الأمازيغ الناطقين في تونس الذين ينظرون إليها بعين الريبة ويعتبرون أن تداول القضية الأمازيغية يجب أن يحصر في الناطقين بها. ولا يستبعد هؤلاء محاولة استغلال قضيتهم لتحقيق أغراض سياسية ومادية كالحصول على دعم بعض المنظمات الدولية المهتمة بحماية الأقليات والتراث. وبرزت خلال السنوات الماضية أعداد من الجمعيات والمنظمات المهتمة بالثقافة الأمازيغية يترأسها أشخاص لا علاقة لهم بالأمازيغ وتتحدث باسمهم وتروج في بعض الأحيان لأفكار ومواقف لا يتبناها الأمازيغ الناطقون بالضرورة كمعاداة العرب والأحزاب القومية العربية وغيرها. وتتداول تقارير إعلامية نقلا عن ناشطين في تلك الجمعيات اتهامات للنظام السابق بقمع الأمازيغ ومنعهم من التعريف بأنفسهم خشية على النسيج الاجتماعي. لكن البلاد لم تسجل خلال تلك العقود أي حراك أمازيغي. ويقول مراقبون للشأن السياسي التونسي إن الأمازيغية تحولت إلى نوع من الأيديولوجيا، حيث باستطاعة أي شخص تقديم نفسه على أنه أمازيغي فقط لاقتناعه بما تدعو إليه تلك الجمعيات التي يبدو أنها تخطط لنقل نشاطها من الثقافي إلى السياسي. وقال منصري “كنت ناشطا في إحدى الجمعيات الثقافية المعنية بالشأن الأمازيغي لكني اخترت رفقة زملائي تأسيس حزب إيمانا منّا بأن العمل السياسي هو الذي بإمكانه التغيير، وليس الثقافي”. وأضاف “تجاهل السلطات التونسية للمطالب الأمازيغية من دسترة اللغة وتعليمها في المؤسسات التربويّة وغيرها من المطالب على الرغم من توصيات الأمم المتحدّة، دفعنا للجوء إلى النضال السياسي”. وتواجه هذه المطالب بانتقادات من قبل بعض المتابعين الذين يقولون إنها ليست سوى أدوات للضغط على السلطة في ظل غياب رصيد علمي وأدبي يمكن من تدريس اللغة باستثناء بعض حروف “التفيناغ” التي ينسبها الباحثون إلى قبائل الطوارق. ورغم أن النشاط الثقافي الهادف للتعريف بالهوية الأمازيغية لم يبدأ إلا بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، إلا أن دستور الجمهورية الثانية تجاهل المطالب بترسيم اللغة والاعتراف بوجود أمازيغ كأقلية في البلاد.
مشاركة :