يسعى فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، من خلال جولته الأوروبية إلى توفير غطاء سياسي للميليشيات وتنظيمات الإسلام السياسي، التي تصدعت صفوفها، على وقع ضربات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. وتأتي هذه الجولة في الوقت الذي كثّف فيه الجيش الليبي من عملياته العسكرية، وذلك في إطار معركة تحرير طرابلس، التي دخلت مرحلتها الثانية، كاشفة عن تورط جديد للمرتزقة الأجانب الذين استنجدت بهم حكومة السراج، حيث أسقطت الدفاعات الجوية للجيش الليبي، الثلاثاء، طائرة يقودها مُرتزق يحمل الجنسية البرتغالية. واختار السراج العاصمة الإيطالية روما لتكون محطته الأولى في هذه الجولة الأوروبية التي يُرافقه فيها عدد من أعضاء حكومته، يتقدمهم الإخواني فتحي باشاغا، الذي تحول إلى رقم فاعل بعد أن تمكّن من انتزاع حقيبتي الداخلية، وكذلك أيضا الدفاع بالنيابة، وذلك في تطور عكس مدى ارتهان السراج لسطوة الميليشيات، وخاصة منها الآتية من مصراتة التي لا تخفي ارتباطاتها بالمحور القطري-التركي-الإخواني. والتقى السراج صباح الثلاثاء، في قصر “كيجي” رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، وبحث معه مستجدات وتداعيات معركة طرابلس، حيث أشار المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق، إلى أن السراج “أشاد بموقف إيطاليا الذي كان واضحا في إدانة هجوم طرابلس”. وفيما اكتفى المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق، بمفردات دبلوماسية في مسعى لإضفاء المزيد من الغموض على المحادثات، أكد رئيس الوزراء الإيطالي في تصريحات للصحافيين في أعقاب اجتماعه مع السراج، أن هناك “حالة من الجمود، وأن السيناريو حرج، ويمكن أن يتطور إلى وضع أكثر حرجا من لحظة إلى أخرى”. ولم يوضح طبيعة هذا السيناريو، لكنه أشار في المقابل إلى أنه يسعى للقاء حفتر في القريب العاجل، قائلا “تحدثت مع الرئيس السراج، وأنا على ثقة من أنني سوف ألتقي بصورة مباشرة المشير حفتر قريبا”. ويرى مراقبون أن مثل هذه المواقف تُلقي بالمزيد من الضبابية حول الموقف الإيطالي تجاه ما يجري في ليبيا، خاصة بعد المؤيدات التي نشرها الجيش الليبي حول تورط إيطاليا في المعارك من خلال دعم ميليشيات مصراتة التي تُقاتل في العاصمة طرابلس.ودفعت تلك المؤيدات عبدالهادي الحويج، وزير الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة، إلى القول إن “إيطاليا تقف على الجانب الخطأ” بدعمها حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، الذي وصفه بـ”المرتهن للميليشيات”. وحذر الحويج، في حديث نشرته الثلاثاء صحيفة كورييرى ديلا سيرا الإيطالية، واستبق به لقاء السراج وكونتي، قائلا “انتبهوا، لا ينبغي عليكم التحالف مع الشيطان (…) الميليشيات هي نفسها التي تحمي وتسهل تهريب المهاجرين نحو سواحلكم، ومن بينهم متطرفون إسلاميون مستعدون لضربكم، وليس للسراج أي سلطة عليها”. ويعكس هذا التحذير توجس الجانب الليبي من نتائج هذه الجولة، رغم اليقين بأنها تأتي في الوقت الضائع، ورغم مُحاولات السراج توظيفها لإعطاء انطباع بأنه ليس خارج المشهد، في حين تشير كل الدلائل إلى أن حكومته باتت رهينة لدى تلك الميليشيات التي حوّلتها إلى أداة للتغطية على جرائمها. ويُشاطر هذه القراءة، رئيس الائتلاف الجمهوري الليبي، عزالدين عقيل، الذي قال في اتصال هاتفي مع “العرب”، إن جولة السراج الأوروبية التي تشمل إلى جانب إيطاليا، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، “تأتي في الوقت الضائع”، لأن المجتمع الدولي، والعواصم المعنية بهذه الجولة باستثناء روما “حسمت مواقفها بشأن ضرورة إنهاء فوضى الميليشيات في طرابلس”. واعتبر أن تلك الدول باتت ترى أن الجيش الليبي هو “حامي الثروات النفطية في البلاد، وهو المكافح للإرهاب بكل أشكاله، وفي المقابل باتت تنظر للسراج على أنه فقد سيطرته على الوضع، وأصبح أداة لدى الميليشيات، التي يُحاول الانتصار لها للحصول على جزء من الغنيمة”. لكن عقيل لم يستبعد في المقابل، إمكانية أن يختار السراج البقاء في أوروبا وعدم العودة إلى طرابلس، خاصة بعد التطورات الميدانية المُتسارعة في محيط العاصمة طرابلس التي أدخلت الميليشيات المُتطرفة في مأزق كبير رغم الدعم الذي تتلقاه من المحور القطري-التركي- الإخواني. ولفت إلى أن أسر الجيش الليبي لطيار برتغالي بعد إسقاط طائرته، سيُلقي بظلاله على جولة السراج، لأنه يؤكد من جديد استنجاد حكومة الوفاق بالمرتزقة في مسعى للحد من انتصارات الجيش المتتالية، وتحريره مناطق واسعة من جغرافيا العاصمة طرابلس من قبضة تلك الميليشيات. وأكد اللواء فوزي المنصوري، آمر محور عين زارة، في تصريحات سابقة، أن الدفاعات الجوية للجيش الليبي أسقطت الثلاثاء طائرة حربية تابعة لحكومة الوفاق، في منطقة الهيرة، كان يقودها مُرتزق أجنبي يحمل الجنسية البرتغالية، ويدعى جيمي إليس. وكان الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، اللواء أحمد المسماري، قد كشف قبل ذلك عن رصد المخابرات التابعة للقوات المسلحة، وصول 9 فنيين جويين مرتزقة إلى ليبيا عبر مطاريْ مصراتة وطرابلس.
مشاركة :