توظيف الأعمال الدرامية لكسر المقاطعة العربية

  • 5/8/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تخوض الأعمال السورية السباق الرمضاني الحالي بنحو 21 مسلسلا، منها 15 إنتاجا محليا خالصا، و6 من الإنتاج المشترك، وقد أظهرت المقاطع الدعائية والحلقات الأولى من الأعمال التي بُثّت حتى الآن محاولة مواكبة أذواق جميع أطياف الجمهور العربي من خلال جرعة فنية متوازنة. ومالت الجهات الإنتاجية إلى منح الأعمال التاريخية الأولوية باعتبارها البضاعة التي ثبتت أقدام سوريا في السوق العربية السنوات الماضية، كذلك الصناعة التي أعطتهم ميزة التفوق على بعض المنافسين، وتم رصد ميزانيات ضخمة على إنشاء الديكورات وتصميم الملابس التي تناسب الحقبة التي يتم تجسيدها. استقطاب مستمر تراهن الدراما السورية على مسلسل “الحرملك” للكاتب سلمان عبدالعزيز والمخرج تامر إسحاق كي يكون نجم الشباك في الموسم الرمضاني الحالي، ويحتل مكانة بين أضخم الأعمال العربية إنتاجا في موسم رمضان بوجه عام، ويضم نحو 60 ممثلا، بينهم جمال سليمان وباسم ياخور وسلافة معمار وسامر المصري وصفاء سلطان. ويستقطب هذا العمل الكثير من الممثلين الذين يعيشون في الخارج، بين مؤيدين للرئيس بشار الأسد مثل باسم ياخور، ومن وقفوا على الحياد كسامر المصري، وسلافة معمار، أو المعارضين مثل جمال سليمان، الممنوع من دخول بلاده، والمفصول من نقابة الممثلين السوريين.وحاول المنتجون السوريون استقطاب ممثلين عرب أيضا للعب أدوار معينة لجذب أنظار جماهيرهم المحلية للأعمال التي يشاركون فيها، مثل المصريين أحمد فهمي ومحمد علاء، ودرة التونسية في مسلسل “الحرملك”، الذي تولت إنتاجه شركة “كلاكيت” للإعلام والإنتاج الفني، والتي لا يتجاوز عمرها 9 سنوات وقيل إنها أنفقت ميزانية ضخمة، لكنها لم تعلن عنها. وتدور أحداث المسلسل بين القاهرة ودمشق عن فترة وصول المماليك للسلطة والصراع مع المغول، ويعطي العمل جانبا من تفاصيله لغرف الحريم في القصور وما يدور داخلها من مكائد سياسية، ما جعل فكرته قريبة من مسلسل “حريم السلطان” التركي الذي حظي بجماهيرية كبيرة عربيا. ويلعب الممثل اللبناني يوسف الخال دور البطولة في المسلسل السوري “مقامات العشق” عن الشيخ محيي الدين بن عربي ووالده، وهو من تأليف محمد البطوش وإخراج أحمد إبراهيم أحمد. ويتناول المسلسل الصوفية والصراع بين الإسلام المعتدل والتطرف، ويتماشى مع الأرضية الواسعة التي تكتسبها الصوفية الحقيقة المعتدلة على المستوى العربي. وانعكس تفضيل الممثلين السوريين للأعمال المحلية على التقلص الكبير في مساهماتهم في الدراما اللبنانية التي تنافس بخمس مسلسلات كإنتاج لبناني خالص في رمضان، مع إنتاج مشترك لشركتي “إيبلا” السورية و“الصبّاح” اللبنانية في مسلسل “دقيقة صمت” من إخراج شوقي الماجري وتأليف سامر رضوان، وغياب ملحوظ عن المشاركة في الدراما المصرية في الموسم الحالي. ويقترب الإنتاج السوري العام الحالي من المصري لأول مرة منذ عام 2011، الذي تساوى فيه البلدان في الإنتاج بنحو 30 عملا لكل منهما، وكان الطلب على الإنتاج السوري أكثر من المصري في حينه. وتحظى الدراما السورية بأفضلية على شاشات الدول العربية الفقيرة، باعتبار أن تكلفة الشراء أرخص من المنتج المصري الذي يدخل في حساباته الأجور الكبيرة التي يتقاضاها الممثلون، علاوة على تركيز السوريين على الأعمال التاريخية والتي تجعل اللغة العربية قريبة من معظم اللهجات. وتلعب اللهجة عنصرا مكملا للنجاح في التسويق، وباتت أكثر انتشارا في المنطقة العربية في ظل تميز اللهجة السورية في دبلجة الأعمال التركية والهندية، واعتياد الجماهير على أصواتهم وطريقتهم في الحوار. وتظل الدراما السورية الدجاجة التي تبيض ذهبا منذ مسلسل “باب الحارة” الذي طُرح الجزء الأول منه قبل 13 عاما، باعتباره من الأعمال التي توثّق حياة دمشق في الفترات العثمانية ومرحلة الانتداب الفرنسي، من المسكن والملبس والمأكل والمشرب، وانتهاء بالعادات والتقاليد ونمط الحياة العامة، وهو ما يثير في النفوس الحنين إلى الماضي والحياة البسيطة. خمسة أعمال شاميةتنافس في السباق الرمضاني خمسة أعمال شامية؛ بداية من الجزء العاشر من مسلسل “باب الحارة” من تأليف مروان قاوون وإخراج محمد زهير رجب، والجزء الرابع من “عطر الشام” من ﺗﺄﻟﻴف رنيم عودة ومروان قاووق وإخراج محمد زهير رجب، علاوة على الجزء الثاني من “وردة شامية” تأليف مروان قاووق وإخراج تامر إسحاق، و“سلاسل الذهب” من ﺗﺄﻟﻴﻒ سيف رضا حامد وﺇﺧﺮاﺝ إياد نحاس، و“شوارع الشام العتيقة” تأﻟﻴﻒ علاء عساف وإخراج غزوان قهوجي. ويتناول “عطر الشام” القضايا الاجتماعية واليومية في حياة الدمشقيين في حقبة الثلاثينات من القرن الماضي، بينما يركز “شوارع الشام العتيقة” على البيئة الثقافية الدمشقية في العشرينات. ويتمحور “سلاسل الذهب” عن تاجر ذهب يخدع نساء حارته القديمة فيتزوج بعضهنّ من أجل الحصول على مصوغاتهنّ، بينما يمضي “وردة شامية” في الخط الدرامي للجزء الأول في قصة شبيهة بعالم “ريا وسكينة” الإجرامي، من خلال شقيقتين تحترفان القتل. ويركز الجزء العاشر من “باب الحارة” على الحارة الشامية في فترة القصف الفرنسي لمدينة دمشق وحاراتها العريقة وتهدم المنازل وتهجير العائلات وتشريدها والتي تشبه الأوضاع في سوريا حاليا، وربما لا يصادف الجزء الأخير النجاح المعتاد في خضم لعبه على وتر الحزن والفقد إبان الانتداب الفرنسي، والتي تبدو شبيهة بما عاشه السوريون في الواقع في السنوات الماضية بما يجدد في نفوسهم الآلام. صفحة قديمةيأتي تنامي الإنتاج السوري في خضم ترحيب فضائيات عربية بعرض الأعمال الجديدة، لتنتهي على ما يبدو فترة المقاطعة مع تغير المواقف السياسية إزاء دمشق بوجه عام، ووجود ملامح قوية بقرب استعادة العلاقات الدبلوماسية معها. وتطوي الدراما السورية صفحة الركود التي أجبرتها على تغيير أسماء شركاتها الإنتاجية، مثل “سوريا الدولية” التي أصبح اسمها “سما الفن”، وربما تغري المزيد من رجال الأعمال للدخول إلى ساحة الإنتاج الفني. وتتولى المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني (حكومية) إنتاج خمسة من الأعمال الرمضانية، بداية من “أثر الفراشة” تأليف محمود عبدالكريم وإخراج زهير قنوع، و“ناس من ورق” تأليف أسامة كوكش وإخراج وائل رمضان، و“غفوة القلوب” تأليف هديل إسماعيل إخراج رشاد كوكش، و“عن الهوى والجوى” تأليف فادي سليم وشادي كيوان، وإخراج فادي سليم، و”شوارع الشام العتيقة” تأليف علاء عساف وإخراج غزوان قهوجي. وتقع تلك الأعمال ضمن مشروع “خبز الحياة” الذي دشنته سوريا قبل عام بهدف الوصول إلى إنتاج غزير ونوعي بطريقة رابحة على كل المستويات، تحقق المصلحة المشتركة لجميع أطراف الإنتاج وحماية العاملين في قطاع الإنتاج الفني، ووقف انتشار بعض الأعمال التي تظهر تدنيا في مستوى الحوار. ويقول السيناريست المصري بشير الديك، إن إنتاج سوريا لـ21 مسلسلا في خضم الأزمة الأمنية والاقتصادية يظهر الاهتمام الرسمي بالدراما كقوة ناعمة، ووضعها في دائرة الاهتمام السياسي من قبل النظام باعتبارها من مقوّمات تغيير الصورة النمطية عن الدولة. وتتبنّى المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي سياسة تعمل على حماية المنتج الدرامي الوطني، بإنتاج أعمال جديدة بنظام الإنتاج المشترك أو التسويق الذاتي وعرض الأعمال على القنوات المحلية، وإعادة بث قناة “دراما” السورية بعد توقفها منذ اشتعال أحداث الثورة. ويؤكد الديك لـ“العرب” أن الإنتاج السوري يكسب زخما في ظل غياب بورصة الدراما المحلية المصرية التي كان لها السبق في الإنتاج، وتعاني حالة من الحيرة حاليا في ظل غياب الدور الحيوي للمؤسسات الرسمية في التوجيه، بما يوضح للكتاب معالم طريق يسيرون عليها في إنتاجهم، أو يغري الرأسمالية المحلية بدخول السوق الفنية. ويشير البعض من النقاد إلى أن فترة ركود الإنتاج السوري خلال الأعوام الماضية أعطت فرصة أكبر للمؤلفين لإعداد نصوص أفضل، بجانب دخول رجال أعمال مجال الإنتاج السينمائي والإنفاق على الأعمال المكلفة ماليا، واستقطاب الممثلين الغائبين والدفع بهم إلى الشاشة مجددا. وتوضح الناقدة المصرية ماجدة موريس أن عودة الدراما السورية تفتح بابا واسعا من المنافسة مع الدراما المصرية والخليجية، في ظل ما تمتلكه من كمّ كبير من الممثلين والمخرجين، والغالبية لديهم احتكاك كبير بالتجارب الخارجية، وعلى دراية بتاريخ منطقة الشام التي تشهد خصوبة فكرية وثقافية متنوعة. الاستلهام من الروايةيلفت البعض من النقاد النظر إلى أن انتعاش الفن السوري جاء بإيعاز سياسي من حكومة دمشق التي تشتري الأعمال حال فشل تسويقها في الخارج لعرضها على التلفزيون الرسمي، باعتبار الفن أحد العناصر التي تريد توظيفها للتأكيد على أن الأحوال في البلاد تمضي بصورة طبيعية، وأذرعها مفتوحة لأبنائها المبدعين للعودة والعمل دون مضايقات. وتؤكد موريس لـ“العرب” أن أهم ما يميز الدراما السورية اعتمادها على أعمال روائية في كتابة السيناريو وليس التأليف أو ورش العمل فقط، وكلما اقتربت المسلسلات من الرواية تزيد قيمتها وحبكتها الفنية وثراء الشخصيات المرسومة، على عكس التأليف الذي قد يحصرها في نطاقات ضيقة. ويقدم المسلسل السوري “أثر الفراشة” معالجة درامية لرواية “الحب في زمن الكوليرا” لغابرييل غارثيا ماركيز، الحاصل على جائزة نوبل، ولا تعتمد على قصة الحب الرئيسية في الرواية، لكن تضيف إليها قصصا أخرى تتماشى مع طبيعة المجتمع السوري. كما يعتمد “عندما تشيخ الذئاب” على رواية تحمل العنوان ذاته للكاتب الأردني جلال ناجي، وتدور أحداثها في العاصمة الأردنية عمان خلال تسعينات القرن الماضي، ومنحها كاتب السيناريو حازم سليمان بعدا سوريا صرفا، لأن أحداثها تعكس واقعا عربيا يمكن أن يتكرّر في أي مكان، وهي تركز على استغلال الدين والجنس لتحقيق غايات ومصالح شخصية. ورغم زيادة الإنتاج الدرامي السوري يبقى المحك في جودة المضمون المقدّم وقدرته على جذب الجمهور في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تعمل بهمة على تقديم ترشيحات وتفضيلات، ونقد من المشاهدين للحلقات التي يشاهدونها ووضعها تحت مجهر تشابه الفكرة أو الاستلهام من أعمال أخرى.وتشدّد موريس في تصريحاتها لـ“العرب” أن جمهور رمضان “متقلب وينحاز في البداية إلى التجارب المحلية، وإن عجزت عن تلبية طموحاته ولم تجذبه أحداثها يبدأ في البحث عن أعمال أخرى، والمحك يظل في قدرة الحلقات الأولى على الإمساك بشغف المشاهد أو تنفيره”. ويبدو الإسهاب في سلسلة الأجزاء في الأعمال السورية عنصرا سلبيا، فالجمهور العربي سريع الملل الآن ولا يُقبل كثيرا على متابعة أعمال لمدة خمس سنوات كاملة، إلاّ في استثناءات قليلة، وترتبط غالبا بأعمال الإثارة والتشويق أو التي تقدّم حلقات متغيرة كل يوم. وتظل عملية استلهام الإنتاج الدرامي السوري من الأعمال الخارجية ونقلها إلى البيئة المحلية تجربة محفوفة بالمخاطر، فتجربة المخرج السوري حاتم علي في مسلسل “أوركيديا” القريبة من مسلسل “صراع العروش” في عالم الفانتازيا لم تحقق النجاح المأمول وقت عرضها في رمضان قبل عامين، رغم ضمه لطاقم كبير من الممثلين المشاهير، مثل باسل خياط وسامر المصري وواحة الراهب وسلافة معمار ويارا صبري.

مشاركة :