منذ بداية الحلف العسكري بين الفرنسيين والروس سنة 1891، تخوّفت ألمانيا من نتائج كارثية لحرب مستقبلية على جبهتين تشنها ضدها كل من فرنسا والإمبراطورية الروسية. ولمجابهة هذا الاحتمال المرير، اتجهت القيادة العسكرية الألمانية لوضع خطة حربية للقتال على كلتا الجبهتين الشرقية والغربية لحماية الرقعة الجغرافية لألمانيا وضمان بقائها. وأوكلت مهمة وضع هذه الخطة العسكرية للمارشال والاستراتيجي ألفرد فون شليفن (Alfred von Schlieffen) الذي شغل ما بين عامي 1891 و1906 منصب قائد أركان الجيش الإمبراطوري الألماني. فبفضل مرتبته الهامة بالجيش الألماني وخبرته العسكرية التي اكتسب الجزء الأكبر منها خلال الحرب البروسية النمساوية سنة 1866 والحرب البروسية الفرنسية ما بين عامي 1870 و1871، اعتبر فون شليفن الرجل الأمثل في ألمانيا لوضع هذه الخطة التي حملت اسمه. عمل المارشال ألفرد فون شليفن على هذه الخطة ما بين عامي 1897 و1905 ليتمكن في النهاية من وضع برنامج تحرك عسكري على كلتا الجبهتين الغربية والشرقية لحسم الحرب المستقبلية ضد كل من فرنسا وروسيا بشكل سريع. وعلى حسب ما جاء بخطة شليفن، كان من المقرر أن ترسل النسبة الساحقة من الجيوش الألمانية نحو الجبهة الغربية حيث آمن المارشال فون شليفن بضرورة هزيمة الفرنسيين أولا قبل التفرغ للروس. وبدل المواجهة المباشرة مع القوات الفرنسية المتكدسة على الحدود الألمانية الفرنسية، فضّل فون شليفن اعتماد خطة أخرى تقضي بعبور القوات الألمانية عبر كل من هولندا وبلجيكا ولكسمبورغ للتدخل بالأراضي الفرنسية بشكل سريع ومباغت حيث كانت الحدود المشتركة بين الأخيرتين وفرنسا شبه خالية من الجيش الفرنسي. وبفضل ذلك، سيقوم الألمان بحركة التفافية ستسفر عن سقوط باريس ومحاصرة الجيوش الفرنسية المتقدمة عند الحدود الألمانية الفرنسية. فضلاً عن ذلك، تضمنت هذه الخطة بنداً يقضي بضرورة عبور الألمان لأراضي بلجيكا وهولندا ولكسمبورغ واعتماد القوة في حال تمسك هذه الدول بموقف الحياد ورفضها لعملية مرور الجيش الألماني. حددت خطة شليفن مهلة بستة أسابيع لحسم الحرب على الجبهة الغربية وإلحاق الهزيمة بالفرنسيين ليتم على إثر ذلك نقل القوات الألمانية من الجبهة الغربية نحو الجبهة الشرقية على جناح السرعة باستخدام خطوط السكك الحديدية لشن هجوم على الروس. فانطلاقاً من المعلومات التي تحصّل عليها حول الحرب اليابانية الروسية ما بين عامي 1904 و1905، آمن المارشال فون شليفن بحاجة روسيا لستة أسابيع لإتمام التعبئة وتسيير قواتها للجبهة مع ألمانيا وهي المدة التي ستحتاجها ألمانيا لإخضاع فرنسا قبل نقل قواتها للشرق. مع بداية الحرب العالمية الأولى، تبنى قائد أركان الجيش الألماني الجنرال هيلموت فون مولتكه خطة شليفن وأدخل عليها جانباً من التغييرات الكارثية، ما يؤكد المقولة الشهيرة أن الشيطان في التفاصيل، حيث فضّل الأخير عدم التدخل بالأراضي الهولندية خوفاً من إعاقة الهولنديين لتقدم قواته كما وجد هذا الجنرال نفسه في أزمة حقيقية بسبب تعبئة الروس لقواتهم بشكل مبكر ومهاجمتهم لبروسيا الشرقية، وهو ما أجبره على إرسال مزيد من القوات نحو الشرق وخفض عدد جنوده غرباً. وبالتزامن مع ذلك، قاوم البلجيكيون التقدم الألماني داخل أراضيهم وتدخلت بريطانيا بشكل سريع لمساندة كل من بلجيكا وفرنسا وقد أبطأ كل ذلك الهجوم الألماني. وأثناء معركة المارن الأولى خلال شهر أيلول/سبتمبر 1918، تلقت ألمانيا هزيمة قاسية على يد القوات الفرنسية والبريطانية لتنتهي بذلك حرب الحركة وتتركز المعارك بالخنادق ضمن ما عرف بالحرب الجامدة، وقد مثّل ذلك فشلاً ذريعاً لهجوم شليفن استمرت على إثره الحرب لأكثر من 4 سنوات بدل 6 أسابيع وانتهت بهزيمة الألمان. عقب معركة المارن الأولى، خاطب الجنرال فون مولتكه الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني قائلاً "سيدي لقد خسرنا الحرب". وبسبب ذلك، أعفي فون مولتكه من منصبه كقائد للقوات المسلحة الألمانية وحل بدلاً منه الجنرال إريش فون فالكنهاين.
مشاركة :