القاهرة – محمد الشاعر – الأزمة الليبية التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، خاصة في ظل تنامي الأحداث، وتداخل مصالح دول عدة، والصدام بين قوات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، وقوات حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً، بقيادة فايز السراج، للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، فتح باب التساؤلات حول الآثار المباشرة وغير المباشرة على الأمن القومي المصري، وهل يمكنها الدفع بقوات على الحدود لمنع تسلل العناصر الإرهابية، أو القيام بعمليات نوعية على غرار العملية التي قام بها الطيران المصري عقب قيام عناصر تابعة لتنظيم داعش بذبح 20 مصرياً في ليبيا؟ القبس استطلعت آراء خبراء عسكريين وأكاديميين حول تبعات الأزمة الليبية المباشرة على مصر في التحقيق التالي. اتفاق مع الشرعية أكد أستاذ القانون الدولي في جامعة قناة السويس جمال سلامة أن «دخول قوات مصرية إلى ليبيا لا يتم إلا بناء على اتفاق مع حكومة شرعية، ولكن بعض الدول تأخذ هذا الأمر على محمل الجد، فتقوم بعمليات نوعية لمنعه». وأردف: «وفق القانون الدولي يسمى ذلك تدخلاً، مثل تدخل تركيا في الشمال السوري، وتأمين مصر لحدودها داخل أراضيها، ومنع التسلل، وهذا أمر لا مراء فيه، فلها الحق في القيام بأي إجراءات أو وضع حواجز تمنع التسلل، ويدخل ذلك ضمن السيادة الوطنية». وتابع سلامة: «أما إرسال قوات خارج الحدود، فيكون بناء على اتفاق بين مصر والطرف الليبي، ولا يُشترط أن يكون هذا الاتفاق مكتوباً، ولكنه قد يأتي في إطار شفهي، أو عن طريق التنسيق المشترك». وأضاف: «ما يزيد الأمور تعقيداً في ليبيا أن كل طرف يدعي أنه يمثل الشرعية، فحكومة السراج، والبرلمان الليبي وخليفة حفتر والقوات التابعة، كل يدّعي الشرعية، إضافة إلى وجود عناصر مسلحة في ليبيا، لها شرعية الأقوى». وعن تأثيرات الأوضاع في ليبيا على مصر، قال سلامة: «ليبيا تمثل بعداً اقتصاديا مهماً لمصر، من حركة تبادل تجاري، والعمالة المصرية في ليبيا التي تأثرت سلباً بهذه الأحداث، وأصبحت ليبيا تمثل تهديداً مباشراً على الأمن القومي المصري من خلال العناصر المسلحة على الأراضي الليبية، وتدفق الأسلحة للعناصر المسلحة في سيناء، كما حدث عند قيام عناصر داعش بذبح 20 مصرياً في ليبيا، مما دفع مصر للرد بشكل مباشر، عن طريق القيام ببعض الضربات الجوية ضد هذه العناصر». من صاحب ليبيا؟ من جهته، قال الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم إن «ما يحدث في ليبيا أكبر من الصراع بين حفتر والسراج، فالمشكلة الواضحة في ليبيا الآن هي أننا لم نعد نعرف من هو صاحب ليبيا، أو أصحاب المصلحة، فمن الواضح أن حفتر وجماعته، والسراج وجماعته، هما ضمن الجماعات التي تبحث عن مصالحها، وهما غير قادرين على تجميع قوى تكون مؤثرة في مستقبل ليبيا، وهو الخطأ الذي وقع فيه اتفاق الصخيرات، الذي لم يكتب له النجاح، لأنه لم يكن بتأييد الكتلة الرئيسة من الشعب الليبي، الذي فرقته أمور السياسة بعد مقتل معمر القذافي، كما أن المشكلة الأكبر في ليبيا تكمن أساساً في كثرة القبائل في ليبيا، التي لا يمكن الاعتماد عليها في حل المشكلة، والوضع في ليبيا يعطي الفرصة لأي طرف، عربي أو غير عربي، للتدخل، في محاولة لاختراق الأمن القومي المصري من الجهة الغربية، والقيام بأعمال ضد مصالح مصر». وأكمل مسلم: «مصر حالياً تعمل على تشكيل جبهة يمكنها أن تكون معبرة عن مصالح الشعب الليبي وتلقى قبولاً، وهذه القضية لن تحل في وقت قريب، لكن البداية مطلوبة، فالجانب المصري يرى أن الاحتمال الأكبر سيكون سيطرة قوات المشير خليفة حفتر على الأراضي الليبية، ولذلك يعمل على تقويته ورفع حظر تصدير السلاح عن قواته حتى يتمكن من السيطرة على مجمل الأراضي الليبية». عدم توافر دولة مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في أكاديمية ناصر العسكرية اللواء محمد سلمان رأى أن «التأثيرات السلبية القادمة من ليبيا باتجاه مصر منذ عام 2011، وحالياً لا دولة في ليبيا، ما يمثل تهديداً خطيراً ومباشراً على مصر». وأردف: «الحدود بين البلدين تمتد لأكثر من 1180 كيلومتراً، ويستحيل إغلاقها تماماً من طرف واحد، وتأمينها مسؤولية مشتركة بين الدولتين، فهذه الحدود هي عبارة عن صحراء مفتوحة، فيها مسالك ودروب يمكن أن تمثل خطراً في عمليات تهريب البضائع، والمخدرات، والسلاح، والمتفجرات، وعانت مصر خلال الفترة الماضية من هذه العمليات، حتى أن الجيش المصري نجح في تدمير أكثر من 1000 عربة دفع رباعي، يبلغ ثمنها أكثر من مليار دولار». وأضاف: «فالجريمة المنظمة ضد مصر تدفعنا لضرورة تأمين الحدود، وعدم وجود قوات في الجانب الليبي يمثل خطراً على مصر، وتكشف أخيراً لمصر أن الأحداث في ليبيا قد أظهرت الوجه الحقيقي لحكومة السراج، الذي يهدف إلى إطالة أمد الأزمة، وأن تظل ليبيا في حالة اللا دولة، حيث وضح دعمها لجماعة الإخوان، كما أن السراج دخل طرابلس بعد اتفاق الصخيرات، بدعم من قوات درع ليبيا التابعة للإخوان، وخاضوا معارك صغيرة مع تنظيمي أنصار الشريعة والقاعدة، وجميعهم اجتمعوا الآن على مقاومة الجيش الوطني بقيادة حفتر، واستدعى السراج قوات تابعة لأنصار الشريعة وداعش من الزنتان، إضافة إلى استدعاء قوات من تشاد لمواجهة حفتر، وهي القوات التي هاجمت مدينة سبها». تقسيم ليبيا إلى ذلك، رأى الخبير العسكري والنائب البرلماني اللواء حمدي بخيت أن «ليبيا كان مخططاً لها التقسيم إلى ثلاثة أقسام: شرق وغرب وجنوب، مما دفع الدولة المصرية لأن تعمل على ثلاثة مبادئ، الأول أن يقرر الليبيون مصيرهم بأنفسهم، والثاني عدم السماح بأي تدخل أجنبي، والثالث وحدة الأراضي الليبية وبقاؤها من دون تقسيم». وأكمل: «كان المخطط أن تقوم العناصر الإرهابية المسلحة في الجنوب بعمليات من شأنها التأثير سلباً على مناطق الشرق والغرب، بما يدفع إلى تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أجزاء، ومصر كدولة جوار مهمة لم ترض بتنفيذ هذا المخطط، وقامت بدعم المشير حفتر الذي سيطر على الشرق الليبي، ويقوم حالياً بعملية عسكرية في محاولة لتحرير طرابلس». وقال بخيت: «على الليبيين أن يعملوا على إيجاد توافق وطني تحت وساطة دولية أو إقليمية لإعادة الاستقرار الى ليبيا، خاصة بعدما بدا واضحاً أن نتيجة الصراع ستكون محسومة لمصلحة القوات الموجودة في الشرق، التي يسيطر عليها حفتر».
مشاركة :