مثل المؤتمر العالمي لريادة الأعمال 2019م الذي احتضنته مملكة البحرين منصة لعرض البرامج والمبادرات العالمية الهادفة إلى إنشاء نظام بيئي عالمي حافز لاستنبات الأفكار الريادية الابتكارية، وبما يتيح إطلاق المبادرات والأفكار الخلاقة وتحويلها إلى فرص عمل جديدة واعدة ومبتكرة، تستند إلى رأس المال الفكري المفعم بالروح الإيجابية الطموحة، التي تقود قاطرة التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة الجريئة التي تستند على الإبداع والابتكار بأقل قدر من التمويل، وخلق المزايا التنافسية واختراق الأسواق، ومن ثم خلق القيمة المضافة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في بلدانها، حيث إن برامج ريادة الأعمال أضحت تقود مستقبل الاقتصاد المُستدام فانعكس ذلك في اهتمام الحكومات والمستثمرين والشباب فضلا عن قطاعي الأعمال الخاص والحكومي، واتسعت دائرة الجهات الداعمة، وانتشرت حاضنات الأعمال، ومسرعات النمو، وتطورت آليات الاستثمار في المشاريع الناشئة، وكان ذلك مواكبا للتطورات التقنية الناجمة عن الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم، بل بدا وكأنه أحد معالمها البارزة، وأنه الوسيلة التي ستقود عملية تغيير أنماط المشروعات التقليدية التي دخلت في مرحلة الشيخوخة. ومثلما تمثل ريادة الأعمال فتحا جديدا في عالم الاقتصاد والثراء السريع والتطور التكنولوجي وتغير نمط رأس المال الحاكم في العملية الإنتاجية، وأساليب التسويق، وخيارات المستهلك، فإنها تمثل تحديا جديدا لسياسات التوظيف الكمي المعتادة في الدول النامية ومنها الدول العربية حيث لن تحتاج المشاريع الجديدة إلى فريق عمل كبير أو أيدٍ عاملة متعددة التخصصات والمهارات، إنما مع توفر منصات العمل الحر والعمل عن بعد، سيتاح الاعتماد على العديد من المهارات من مشروعات أخرى (خارجية) بكلفة أقل من التوظيف، وبمرونة أكبر، بالإضافة إلى خدمات تقنية الروبوت وتطور الآلات. كما أن توفر التقنيات الحديثة وتعدد منتجيها سيقود إلى انخفاض أسعارها مما ييسر اقتناءها من قبل رائد الأعمال، وبذلك سيحل اعتماد التقنية بدلا من الموارد البشرية العاملة ولا سيما الهامشية بشكل كبير. ولا حل في هذه الحالة إلا المزيد من التأهيل النوعي للموارد البشرية ليتمكنوا من التحول إلى رواد أعمال، ويجربوا إمكاناتهم في الانطلاق بمسار التنمية الذاتية المستدامة، فلن يعود الزمن الذي يتكئ فيه المواطنون كليا على مبادرات الحكومة، والوظائف الجاهزة الهادفة إلى معالجة مشكلات اجتماعية أو للوقاية منها، بل ستكون الكفاءة الاقتصادية والتقنية المعيار الوحيد للتوظيف. وقد تنبهت مملكة البحرين مبكرا لهذه النتيجة عبر اعتمادها نموذجا مميزا لريادة الأعمال يرتكز على فكرة أساسية تقوم على احتضان المشروعات الناشئة وتقديم المساعدة والاستشارة والتمويل لها عن طريق المؤسسات الداعمة، في إطار سعي المملكة إلى استنبات الاقتصاد المعرفي وتوفير بنيته التحتية المعرفية والمؤسسية، ونجحت مؤسسة العمل تمكين في الانطلاق بهذا البرنامج بالرغم من كل الانتقادات ونقاط الضعف التي تعتري بعض برامجها، وحققت نجاحات عديدة ليس آخرها ، الإعلان عن تأسيس فرع مملكة البحرين للشبكة الدولية لريادة الأعمال، وعقد المؤتمر العالمي العاشر لريادة الأعمال في البحرين. والأمر ذاته يشمل بنك البحرين للتنمية وجهوده الطيبة في مجال التمويل، لكن يحتاج إلى مزيد من التشاركية مع المشروعات الممولة من قبله، عبر المتابعة وتقديم الاستشارات والإسهام في حل المشكلات التي تواجهها تلك المشروعات. كما ينبغي أن تسهم وزارة التربية والتعليم بدور كبير في مجال تنمية مهارات الإبداع ورعاية الطلبة الموهوبين وتهيئتهم ليكونوا رواد أعمال في المستقبل، وتوسيع مداركهم على الاستنباط والاستنتاج، من خلال فتح آفاق أوسع للبحث العلمي التجريبي بالاتساق مع إشاعة بيئة اقتصادية وتشريعية وثقافية ملائمة للريادة والإبداع، وعد الاستثمار في الإنسان نقطة الانطلاق نحو التطور والازدهار. ولنا في توجهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس التنمية الاقتصادية قدوة حسنة على ذلك حيث يقول «إن القدرة التنافسية العالية في الاقتصاد من خلال المميزات المتوافرة والتشريعات والنظم المتطورة ستسهم في التشجيع على الاستثمار وتنميته وزيادة الإنتاجية، والتحفيز على الابتكار والإبداع الذي سيسهم في زيادة حيوية مختلف القطاعات وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي بما يعود أثره على الوطن والمواطنين»، خاصة أن رقي الوطن ومنفعة المواطنين هما غاية تشجيع الريادة والإبداع. وفي حديث آخر يرسم سموه الأبعاد المختلفة لتوطين واستنبات الاقتصاد الريادي والإبداعي عبر مواكبة متطلبات التحديث في منظومة التنمية الشاملة لأجل تحقيق انطلاقة متجددة بفرص نوعية وواعدة والانتقال من النشاط الاقتصادي القائم على إنتاج وصناعة السلع المرتكزة على إنتاج البترول والغاز فقط إلى إنتاج وصناعة الخدمات المعرفية، وبما يقود إلى تحقيق تحول جوهري يتماشى مع حجم وشكل التحديات الاقتصادية والتقنية الراهنة، ومواصلة وتيرة التنمية بمختلف قطاعاتها على أسس ثابتة من القيم الداعمة للمسيرة التنموية للمملكة، ومن هذا المنطلق فإن على مؤسسات الدولة المختلفة أن توفر للمواطنين فرص الإبداع والانطلاق لتطوير خبراتهم ومهاراتهم، وذلك عبر برامج التعليم والتدريب والتأهيل، والتمويل، والدعم والاحتضان وبما يمكنهم من استيعاب المستجدات الحديثة، والتعاطي معها بكفاءة وفاعلية. حفظ الله مملكتنا العزيزة وقيادتها الحكيمة وأعانها على مواصلة مسيرة البناء والنهضة والتقدم.
مشاركة :