عواصم - وكالات - قررت طهران، أمس، تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم في العام 2015 مع الدول الخمس الكبرى وذلك بعد مرور عام على قرار واشنطن بالانسحاب من هذا الاتفاق، مهددة في الوقت ذاته بإجراءات إضافية خلال شهرين في حال لم تطبق الدول الموقعة على الاتفاق بعض التزاماتها. ويأتي ذلك في جو من التوتر المتصاعد بين ايران والولايات المتحدة التي اعلنت إرسال قاذفات «بي 52» إلى الخليج، فيما اتهم وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو طهران، خلال زيارة مفاجئة إلى بغداد، بالتحضير «لهجمات وشيكة» ضد القوات الاميركية. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن بلاده ستستأنف تخصيب اليورانيوم بمستوى مرتفع إذا لم تفِ القوى العالمية بتعهداتها بمقتضى الاتفاق النووي. وأضاف، في كلمة بثها التلفزيون الرسمي، أن بقية الدول الموقعة على الاتفاق، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، «أمامها مهلة 60 يوما لتنفيذ تعهداتها بحماية القطاع النفطي والمصرفي بإيران من العقوبات الأميركية». وحذّر من «رد حازم» إذا أحيلت القضية النووية الإيرانية إلى مجلس الأمن، ولكنه قال إن طهران «مستعدة للتفاوض» بشأن برنامجها النووي، و«لن تبيع بعد الآن اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة لدول أخرى». وبعد سنة على انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق وإعادة العمل بالعقوبات الاميركية على إيران، أعلن المجلس الأعلى للامن القومي الايراني أمس أن الجمهورية الاسلامية قررت وقف الحد من مخزونها من اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة، وأمهل الدول الكبرى «60 يوما» لكي تجعل «تعهداتها عملانية وخصوصا في مجالي النفط والمصارف»، لأنه «بعد انتهاء المدة، اذا لم تستطع تلك الدول تأمين المطالب الايرانية فستكون المرحلة التالية هي ايقاف المحدوديات المتعلقة بمستوى تخصيب اليورانيوم والاجراءات المتعلقة بتحديث مفاعل الماء الثقيل في اراك». وذكرن المجلس، في بيان، أن «النافذة المفتوحة أمام الديبلوماسية لن تبقى مفتوحة لمدة طويلة وان مسؤولية فشل الاتفاق النووي وعواقبه الاحتمالية ستتحملها اميركا وباقي اعضاء الاتفاق النووي». وأكدت وزارة الخارجية الايرانية أنها أبلغت رسميا سفراء الدول الكبرى التي لا تزال موقعة على الاتفاق، وهي ألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا، بأنها ستتراجع عن بعض التزاماتها في الاتفاق النووي، وقررت وقف الحد من مخزونها من المياه الثقيلة واليورانيوم المخصب والذي كانت تعهدت به بموجب الاتفاق النووي. من جهته، أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، من موسكو، أن «الاجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة... كانت تهدف بوضوح الى التسبب بوقف تطبيق» هذا الاتفاق. وأضاف أن إيران «أظهرت حتى الان ضبط نفس لكن الجمهورية الاسلامية باتت تعتبر الان أنه من المناسب وقف تطبيق بعض تعهداتها وإجراءات طوعية» اتخذتها في اطار هذا الاتفاق، وذلك في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي. لكنه شدد على أن إيران «لن تنسحب» من الاتفاق النووي وان الاجراءات التي اتخذتها طهران، والتي لم تحدد طبيعتها، تتوافق مع «حق» وارد للاطراف الموقعة على الاتفاق في حال إخلال طرف اخر بالالتزامات. ورأى ظريف أن روسيا والصين هما فقط اللتان تدعمان إيران في ما يتعلق بالاتفاق، متهماً الدول الأخرى بـ«عدم الوفاء بأي من التزاماتها»، في إشارة إلى الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق، وهي ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. وعلى صعيد التحركات الأميركية، أجرى بومبيو زيارة لم يعلن عنها مسبقاً إلى بغداد بهدف التصدّي «للتصعيد» الإيراني، وانتزع خلالها من المسؤولين العراقيين تعهّداً بتوفير «الحماية المناسبة» لمصالح الولايات المتحدة في بلدهم. وألغى بومبيو زيارة إلى ألمانيا للتوجّه إلى بغداد التي تتمتّع بعلاقات وثيقة مع إيران، والتقى كلاًّ من الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وقال بومبيو «لقد تحدّثنا عن أهميّة أن يضمن العراق قدرته على توفير الحماية المناسبة للأميركيين في بلدهم»، مشيراً إلى أنّ المسؤولين العراقيين «أظهروا لي أنّهم يدركون أن هذه مسؤوليتهم». وأضاف أنّه قام بهذه الزيارة إلى العراق لأنّ إيران «تصعّد نشاطها» على الرغم من رفضه مناقشة المعلومات الاستخبارية بالتفصيل. وتابع «أردنا أن نطلعهم على سيل التهديدات المتزايد الذي رأيناه وإعطاءهم خلفية أكثر قليلاً حول ذلك حتى يتمكّنوا من تأكيد أن يقوموا بكل ما بوسعهم لتأمين الحماية لفريقنا». وصرح بومبيو، الذي زار أمس لندن، «آمل أن تضعنا الرسالة التي أرسلناها للإيرانيين في وضع يتيح لنا الردع وأن يفكر الإيرانيون مرتين قبل مهاجمة المصالح الأميركية»، وأشار إلى أن الاستخبارات الأميركية «دقيقة للغاية» بشأن «الهجمات الوشيكة». في الأثناء، قال بريان هوك، الممثل الخاص لشؤون إيران في الخارجية الأميركية، إن «النظام الإيراني مافيا فاسدة تسببت في معاناة شعبها من الفقر»، مضيفاً أن «واشنطن ستفعل كل ما في وسعها لردع أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها، وأن ذلك سيواجه برد سريع وحاسم». إلى ذلك، ذكرت شبكة «سي ان ان» أن واشنطن تشتبه في أن إيران نشرت صواريخ بالستية قصيرة المدى على متن السفن الموجودة في مياه الخليج. وأضافت أن واشنطن توصلت إلى هذا الاستنتاج بعد تلقيها معلومات استخباراتية ذات صلة، مشيرة إلى أن هذا السبب هو الذي دفع مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جون بولتون إلى تهديد إيران بحاملة للطائرات. وفي ردود الأفعال الدولية، أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي أنها لا تستبعد قيام الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات على إيران، بعد إعلانها تعليق بعض التزاماتها الواردة في الاتفاق. وقالت إن بلادها تريد الإبقاء على الاتفاق النووي وحذرتها من عدم احترام التزاماتها قائلة إن ذلك «قد يجعل مسألة إعادة تفعيل آلية العقوبات مطروحة». ودعت لندن طهران إلى عدم اتخاذ خطوات تصعيدية، معتبرة أن إعلان إيران تقليص التزماتها بشأن الاتفاق النووي «غير ملائم»، فيما حضّت ألمانيا إيران على الالتزام بالاتفاق. وفي بكين، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن الاتفاق النووي «يجب تنفيذه بالكامل وكل الأطراف مسؤولة عن ضمان تحقيق ذلك». واعتبرت موسكو أن الوضع الذي يكتنف الاتفاق النووي «حدث بسبب سلوك واشنطن غير المسؤول»، وأن تراجع إيران في الاتفاق نجم عن «استفزاز أثارته ضغوط خارجية عليها»، مضيفة أن خروج واشنطن من الاتفاق «جعله هشاً». وفي القدس، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن اسرائيل «لن تسمح» لايران بامتلاك سلاح نووي. واشنطن ترسل إلى الخليج قاذفات «بي 52» واشنطن - أ ف ب - أعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل قاذفات عدة من طراز «بي 52» الى منطقة الخليج، لردع ايران عن القيام بأي «هجوم» قد تكون تعد له. وأوضحت وزارة الدفاع (البنتاغون)، ليل الثلاثاء - الأربعاء، أن هذا الانتشار تبرره «مؤشرات واضحة في الآونة الاخيرة تشير الى أن القوات الإيرانية وشركاءها يعدون للقيام بهجوم محتمل على القوات الأميركية». وقاذفات «بي 52» ضخمة الحجم تطير مسافات طويلة وقادرة على حمل صواريخ كروز وسلاح ذري. وأعلنت القيادة المركزية في الولايات المتحدة «سنتكوم» أن إيران وميليشيات تابعة لها، «تستعد لمهاجمة القوات الأميركية في الشرق الأوسط».
مشاركة :