أُثيرت تساؤلات حول مصير الاتفاق النووي المُبرم عام 2015، بعدما أعلنت إيران تقليص قيود مفروضة على برنامجها الذري، مهددة باستئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة مرتفعة خلال 60 يوماً، إذا لم ينجح الاتحاد الأوروبي في حمايتها من العقوبات الأميركية. وعلى رغم أن الخطوات الايرانية لا ترقى إلى انتهاك الاتفاق النووي، لوّحت باريس ولندن لطهران بعقوبات، إذا خرقت الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في أيار (مايو) 2018، وأعادت فرض عقوبات على إيران، منهية إعفاءات منحتها لثماني دول، مكّنتها من شراء نفط إيراني. كذلك أدرجت واشنطن «الحرس الثوري» الإيراني على لائحتها لـ«المنظمات الإرهابية الأجنبية»، وأرسلت حاملة طائرات وقاذفات استراتيجية من طراز «بي-52» الى المنطقة، تحسباً لهجمات تشنّها طهران، أو بواسطة وكلائها، على القوات الأميركية. واعتبر وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو إعلان إيران «ملتبساً في شكل متعمد»، مضيفاً بعد لقائه نظيره البريطاني جيريمي هانت: «علينا أن نرى ما سيفعله الإيرانيون، قبل اتخاذ قرار في شأن ردّ أميركي. سنتّخذ قرارات مناسبة». وأعرب عن ثقته بتوصّل «المملكة المتحدة وحلفائنا الأوروبيين» الى ردّ موحّد، لضمان عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً. وتطرّق الى آلية مالية أعدّها الاتحاد الأوروبي، لتمكين طهران من الالتفاف على العقوبات الأميركية، مهدداً بمعاقبة «المتورّطين بتعاملات» تنتهك التدابير التي اتخذتها واشنطن. جاء ذلك بعدما أطلع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، خلال زيارة غير معلنة لبغداد، على «خطر متزايد رصدناه» كي «يفعلوا كل ما في وسعهم لتأمين الحماية لفريقنا». وتابع: «الرسالة التي وجّهناها الى الإيرانيين، على ما آمل، تضعنا في موقف نستطيع فيه الردع، وسيفكر الإيرانيون مرتين في مسألة مهاجمة المصالح الأميركية». وأشار إلى أن معلومات أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت «محددة جداً» في شأن «هجمات وشيكة». أما تيم موريسون، المساعد الخاص للرئيس الأميركي وأبرز مسؤولي شؤون أسلحة الدمار الشامل والدفاع البيولوجي، فوصف قرار إيران بأنه «ابتزاز نووي لأوروبا»، مرجّحاً فرض «مزيد من العقوبات قريباً جداً» عليها. جاء ذلك بعدما أعلن المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني وقف طهران الحدّ من مخزونها من المياه الثقيلة واليورانيوم المخصب. وكان الاتفاق النووي أتاح لإيران تخزين 130 طناً من المياه الثقيلة حداً أقصى، ومكّنها من الاحتفاظ بـ 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3,67 في المئة. وأعلنت وزارة الخارجية الايرانية انها أبلغت سفراء المانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا، بقرارها اليوم الاربعاء. وأمهل المجلس الاعلى للامن القومي هذه الدول «60 يوماً» كي تجعل «تعهداتها عملانية، خصوصاً في مجالَي النفط والمصارف». وأضاف: «بعد انتهاء المدة، إذا لم تستطع تلك الدول تأمين المطالب الإيرانية، ستكون المرحلة التالية هي وقف القيود المتعلّقة بمستوى تخصيب اليورانيوم والإجراءات المتعلّقة بتحديث مفاعل الماء الثقيل في آراك». وتابع: «النافذة المفتوحة أمام الديبلوماسية لن تبقى مفتوحة لمدة طويلة، ومسؤولية فشل الاتفاق النووي وعواقبه المحتملة ستتحمّلها اميركا وسائر اعضاء الاتفاق النووي». الرئيس الايراني حسن روحاني الذي وجّه رسائل في هذا الصدد الى الدول الخمس، اعتبر أن هذه الاجراءات تتوافق مع الاتفاق النووي الذي يتيح للموقعين عليه تجميد تعهدات، جزئياً او في شكل كامل، في حال أخلّ به طرف آخر. وأضاف: «الاتفاق كان يحتاج عملية جراحية. الأقراص المسكّنة خلال السنة الاخيرة لم تكن كافية، وهذه عملية جراحية لإنقاذ الاتفاق، لا تقويضه». وتابع: «إذا جاءت الدول الخمس إلى طاولة المفاوضات وتوصّلنا إلى اتفاق، وإذا استطاعت حماية مصالحنا في القطاعين النفطي والمصرفي، سنعود إلى نقطة البداية (ونستأنف الاضطلاع بالتزاماتنا). على الشعب الإيراني والعالم إدراك أن اليوم ليس نهاية الاتفاق النووي، هذه إجراءات تتماشى معه». في موسكو، اتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف المانيا وبريطانيا وفرنسا بالامتناع عن «إيفاء أيّ من التزاماتها» بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، والاكتفاء بالإدلاء بـ «تصريحات لطيفة». وأضاف بعد لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف: «الخطوات التي اتخذناها تدخل في إطار عمل الاتفاق، ويمكن عكسها. هناك فرصة من 60 يوماً للديبلوماسية». وشدد على أن طهران «لن تنسحب» من الاتفاق. ونقلت وكالة «رويترز» عن ديبلوماسي أوروبي قوله: «لم يتغيّر شيء الآن، ولكن قد يكون ذلك بمثابة قنبلة موقوتة معدّة للانفجار». وأشارت الوكالة الى تأثير محدود عملياً لقرار طهران، اذ أن واشنطن حظّرت بيع اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة لدول أخرى، من خلال عقوبات فرضتها الأسبوع الماضي. وقال مارك فيتسباتريك من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» إن إيران لم تقترب بعد من تجاوز الحدّ المسموح به لمخزون اليورانيوم منخفض التخصيب، معتبراً أن مخزون المياه الثقيلة ملف بسيط نسبياً. وأضاف: «تخصيب (اليورانيوم) بنسبة 20 في المئة سيؤدي الى فرض عقوبات». لكن لافروف شدد على ضرورة «إقناع جميع شركائنا الأوروبيين بتنفيذ وعودهم»، فيما ندّد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بـ «ضغط غير منطقي» على طهران. وأضاف ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «تحدث مرات عن تداعيات الخطوات غير المدروسة تجاه إيران»، وزاد: «الآن نرى هذه العواقب»، محذراً من «وضع خطر». وحضّت الصين على التزام تطبيق الاتفاق النووي، فيما لم تستبعد وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي فرض الاتحاد الاوروبي عقوبات على إيران. في السياق ذاته، أعرب ناطق باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن «قلق بالغ» إزاء الخطوة الإيرانية، فيما قال وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية مارك فيلد: «إذا توقفت إيران عن تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي، ستكون هناك عواقب». أما وزير الخارجية الألماني هايكو ماس فشدد على «التزام الاتفاق، خصوصاً لمنع إيران من امتلاك سلاح النووي»، فيما تعهد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان تل أبيب «لن تسمح» لطهران بامتلاك هذا السلاح.
مشاركة :