هل يمكن أن يُصلح الشعرُ ما فسد؟

  • 3/19/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

هل يتسع واقع الأحداث الراهن إلى الحديث عن الشعر أو تخصيص مساحة له من الاهتمام والوقت والتفكير؟ هل من البذخ المرفوض أن نفكر في إعادة الاعتبار للشعر واستعادة بريقه في الحضارة العربية ونحن نعيش في عمق الإرهاب وعلى وقع تنظيماته المتطرفة التكفيرية القاتلة والمشعلة للفتن والضغائن؟ يبدو لي أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) قد أجابت بالإيجاب عن مجمل هذه الأسئلة، ذلك أن مبادرة هذه المنظمة العريقة بتقديم مشروع حول بعث تقليد جديد سنوي هو اليوم العربي للشعر وأيضا موافقة مؤتمر وزراء الثقافة العرب في يناير (كانون الثاني) الماضي على هذا المشروع وإقراره، إنما يندرجان حسب اعتقادنا في عمق معالجة الثقافة العربية الراهنة واستدعاء أكثر فنون العرب عراقة لتوظيفها - أي الشعر - بلسما، يسهم في شفاء الذات العربية واستعادتها نبض الحياة، الذي تعرف القصيدة كيف تنظمه على أوزان الأمل والانفتاح والثقة في الذات والآخر. ففي إطار محاولة النهوض بالخطاب الثقافي العربي، نضع إقرار وزراء الثقافة العرب ببعث يوم عربي للشعر الذي ستلتئم أولى دوراته التأسيسية يومي السبت والأحد القادمين بالعاصمة المصرية القاهرة، حيث سيتم الافتتاح في معهد الموسيقى العربية ثم تنعقد الفعاليات على امتداد يوم الأحد بالمجلس الأعلى للثقافة. وإنه لمن الجيد أن يتناقش مجموعة من أبرز نقاد الشعر في جامعاتنا حول موضوع مباشر وصريح في الندوة المقررة الأحد القادم: أيّ دور للشاعر العربي اليوم؟ وفي المساء يفتح المجال لشعراء عرب من قامات عالية لقول الشعر ولمعانقة الروح والوجدان في لحظة عربية مأزومة حتى النخاع. لقد تحلت منظمة الألكسو بالشجاعة والجرأة عندما قاومت دموية الأحداث بالتأسيس لمناسبات شعرية، مع ما يعنيه ذلك من وعي بمكانة الشعر في الخطاب الثقافي العربي، وما تمثله أيضا رمزية الشعر المفعمة بالحياة في مواجهة الظلامية. كما أنه قد تفعل تظاهرة شعرية فنية غنية بالفنون والفقرات في مقاومة ثقافة العنف والإرهاب ما قد تفشل ندوة حول الإرهاب في معالجته. لقد كان الشعر على امتداد تاريخه الطويل قاطرة للثقافة العربية، أو إذا استعرنا عبارة ابن خلدون كان «ديوان العرب». لم يخفت بريقه في العصور الحديثة، بل كان عاملا رئيسيا في تحديث الثقافة العربية وفي تحديث بقية الفنون الأخرى كالمسرح والسرديات والفنون التشكيلية والموسيقى، إلا أنه في العقود الأخيرة القليلة بدأ يتخلى عن ريادته ويتراجع عن مركزيته. وفي هذا التراجع خسارة فادحة للفكر والإبداع العربيين، بدأت بوادره تتضح في مجمل الخطاب الثقافي العربي وفي قدرته على التأثير في كينونة الإنسان العربي، بيد أن هذا التراجع لا يعني بالضرورة اختفاء الشاعر عن المدينة أو غياب الفاعل الشعري في الإبداع العربي الراهن. إن الثقافة العربية تزخر اليوم كما في العهود السابقة بشعراء كبار يطورون باستمرار القصيدة العربية ويحلّقون بها عاليا في سماء اللغة. وإذ تقرر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بعث يوم عربي خاص بالشعر، فإنها تريد استئناف تقاليد الاحتفاء بالكلمة الشاعرة في ثقافتنا العربية، وتريد على وجه الخصوص إعادة الاعتبار للشاعر بوصفه أحد بناة الحضارة المعاصرة، وللشعر باعتباره إنتاجا معرفيا وقوة روحية ورمزية ووجدانية، لا يمكن الاستغناء عنها، في لحظة تاريخية تعيش خلالها مجتمعاتنا العربية مخاضا قيميا وثقافيا عسيرا سواء في علاقتها بذاتها الثقافية أو في تواصلها مع الآخر. كما أن عيد الشعر هو في واقع الأمر عيد اللغة العربية، فالشعر هو صنيع اللغة وهو صانعها أيضا. تبتكره فيما يبتكرها. لذلك، فإن الاحتفاء بالشعر يعني الاحتفاء بالفنون جميعها، باعتبار أن الشعرية هي الخيط الذي ينتظم عمليات الخلق الإبداعي كافة. وإذا فهمنا الشعر كما عرفه ابن رشيق بكونه الفطنة، فإن حاجة الإنسان العربي اليوم إلى هذه الفطنة تبدو ملحة أكثر من أي وقت مضى. فلا مفر اليوم من أن نعوّل على دور الشعر في ترشيد الفعل الثقافي العربي ومن أن نفسح المجال للشاعر في كل الوسائل الإعلامية العربية مقروءة ومسموعة ومرئية، كي يستعيد حظوته الجماهيرية وحضوره الفعلي والفعال في المعيش الثقافي العربي، ويسهم بما له من تأثير وما يحمله من فكر ورؤى وقيم وإنسانية عالية في إعادة بناء الذات العربية ومعالجة ما أصابها من تصحر. نعم، هكذا تستقيم المعادلة: جماعات تؤسس للقتل والذبح والتصفية الدينية، ومؤسسات عربية تؤسس للحياة والثقافة والفن وللحرية وللقيم والجمال. أما إذا سكت المبدعون لأن الإرهاب افتك مجال الفعل والقول فتلك أولى أمارات الخسارة والفشل.

مشاركة :