لولا جرأة الفنان التشكيلى فى الخروج عن المألوف والمُتعارف عليه فى أعماله لما ظهرت وخرجت المدارس الفنية العديدة وانتشرت فى مصر، وفنان الحلقة الخامسة من «حكايات أعلام الفن التشكيلى»، يُعتبر من أكثر الفنانين الرواد جرأة وتحررًا فنيًا، فخرج من الإطار التقليدى للأعمال الفنية التى تأخذ من التأثيرية اتجاهًا نحو المدرسة التعبيرية، إنه الفنان التشكيلى «راغب عياد».التحق «راغب عياد» بمدرسة الفنون الجميلة فور إنشائها فى ١٩٠٨ وهو فى السادسة عشرة من عمره، فكان بذلك من أولى الدُفعات التى تخرجت من المدرسة ليكون من دفعة رواد الفنون الجميلة ورائد لفن التصوير، وما لبث أن انتهى من دراسته سافر إلى إيطاليا لتعزيز هذه الموهبة والقدرات الفنية وطور ذاته بحصوله على ثلاث دبلومات فن التصوير الزيتى والزخرفة، ولم يكتف بذلك فقط بل فتح لنفسه بابًا آخر فى مجال جديد قريب من المجال الذى يُحبه، فدرس فن الديكور المسرحي.عاد «عياد» من إيطاليا وهو فى الثامنة والثلاثين من عمره، وبالرغم من طول المدة التى درس فيها بالخارج إلا أن أعماله الفنية كانت بابًا للأصالة المصرية وزاد اهتمامه بها منذ عودته لتوثيقها فرسم بأسلوبه الخاص أفراح الفلاحين واهتم بتقاليدهم وحياتهم الفنية، وحتى لم يغفل الحيوانات التى كانت تملأ الحقول فى العديد من لوحاته المهمة، فكانت دقته واهتمامه بالتفاصيل من المميزات التى جعلت من أعماله الفنية أثرًا وتراثًا فنيًا ضخمًا، كما وجه أعماله أيضًا نحو ما يسمى بـ«الفنون الشعبية»، والتى تصور فيها أبوزيد الهلالى وعنترة، وهى فنون تعتبر امتدادًا للهوية المحلية التى ذكرها وخلدها التاريخ.وتأكيدًا على تعلق الفنان راغب عياد بالقومية والحياة المصرية، قال الناقد الفنى محمد حمزة: «كانت دقة الملاحظة عند عياد والمقترنة بقدرته على الانتقاء كى يتوصل إلى الجوهر، جديرة بالإكبار ويعتبر هذا من أهم ما فى العمل الفني»، وأضاف أنه أثبت وجوده وقوميته من خلال استلهامه حياة الشعب فى تعدد أدوارها ومراحلها المليئة بالعمل الفنى والكفاح والجهاد المستمر.وعن حياته المهنية، فكانت كلها مُتعلقة بشغفه نحو الفن التشكيلي، فقبل سفره إلى إيطاليا عمل لفترة مدرسًا لمادة الرسم فى مدرسة الأقباط الكبرى، وفور عودته من الخارج تم تعيينه رئيسًا لقسم الزخرفة فى مدرسة الفنون التطبيقية، وتوالت الأعمال المهنية المُتعلقة بالفن حتى لا تأخذه بعيدًا عن حبه الأساسى لممارسة الرسم وعمل المعارض، حتى تم انتدابه وهو فى الحادى والستين من عمره ليُمثل المتاحف المصرية بالمجلس الدولى للمتاحف فى العاصمة الفرنسية باريس.ترك «عياد» أثرًا نضاليًا من أجل الفنون لا يُمكن لمُحب الفن التشكيلى أن يجهله، فكان نضاله فى العشرينيات سببًا للاعتراف بالفنون الجميلة وروادها، وذلك خرج بعد اتباعه فكرة البعثة التبادلية مع زميله الرائد يوسف كامل فى دراستهم بالعاصمة الإيطالية روما، حتى اعتمد أول برلمان مصرى تشكل فى ١٩٢٤ مبلغ ١٢ ألف جنيه سنويًا للإنفاق على بعثات الفنون الجميلة.فارق المُناضل والفنان وأحد رواد الفنون الجميلة بمصر الحياة وهو فى التسعين من عمره، وذلك بعد أن ترك بصمة وأثرًا واضحًا فى التاريخ لا يمكن تجاهلها مهما تعاقبت السنوات.
مشاركة :