في كل سنة تفجعنا الإحصائيات عن ارتفاع معدلات الطلاق والشجار برمضان بشكل يفوق الأشهر العادية مع استمرار معدل المظالم والجرائم الجنائية الخطيرة كالاغتصاب والقتل في رمضان كما في بقية الأشهر، بالإضافة للحروب والإرهاب، وبما أن رمضان شهر تصفد فيه الشياطين فلماذا هذا لا يؤدي لانخفاض معدلات السوء؟ الجواب بالحديث الصحيح؛ (يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم) (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) فغالب المسلمين يقومون بالصيام والقيام بالصلوات الطويلة وختم القرآن المتكرر بشكل آلي بدون استحضار وعيهم لاستيعاب الغاية الجوهرية من القيام بالعبادات، وأهم ما عليهم استحضار وعيهم به في رمضان هو أن الغاية من الصيام؛ التدرب على ضبط نزعات النفس لتكريس الانضباط الأخلاقي الذاتي، وبدون هذه الثمرة الواقعية لا قيمة لصيام المسيئين؛ (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) البخاري. ولهذا كفارة عدم ضبط الشهوة خلال نهار رمضان هو صيام شهرين متتابعين، أي فترة مضاعفة للتدرب على ضبط النفس، وضبط النفس عن كل ما يخالف المثاليات العليا بوازع ذاتي هو التقوى، والتقوى محل تفاضل البشر الأوحد، فالمرأة التي كرست وعيها على التقوى هي أفضل عند الله وأرشد عقلا من الرجل المفتقر لوعي التقوى، ومصير صيام وقيام أصحاب السلوك المسيء هو؛ (المفلس من أمتي، من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته.. أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) رواه مسلم. ولا توجد عبادة تكفر خطايا المساس بالحقوق ولا حتى الحج والعمرة والجهاد والشهادة وإن كانت مع النبي، روى البخاري؛ لما قتل رجل اسمه «مدعم» أثناء خدمته للنبي عقب غزوة خيبر (فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال النبي: كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا). فبالصحيح (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّيْن)، قال النووي «شرح صحيح مسلم ج 13/ص 29»: «قوله «إلا الدين» فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله». لذا يجب أن ينصب الوعظ الديني على بناء الوعي الحقوقي السلوكي وليس فقط الترغيب بالعبادات ومظاهر التدين التي لا تتجاوز الشعر والقماش مع إهمال للجوهر!* كاتبة سعوديةbushra.sbe@gmail.com
مشاركة :