تُعد السنوات الماضية التي ترعرع فيها جيل الثمانينات "الطيبين" وهو المسمى الجميل الدارج عنهم الآن والذي يعكس طيبتهم وعبقهم الأصيل من أجمل الأزمنة، وبالرغم من أن الحياة حينها اتسمت بالجمال والبساطة وتقارب البيوت والقلوب إلا أن عبارة: ماذا سيقول الناس عنك!؟ كانت هي المهيمنة على واقعهم المعيشي ورأي الناس يسبق اختيارات حياتهم ويحدد مستقبلهم إلا من رحِم الله منهم: كالزواج، الطلاق، العمل، الدراسة.. الخ، عاشوا في مجتمع طوّقته العادات والتقاليد التي كانت في غالبها مبتورة ولا وجود لها حتى في ديننا القويم المتكامل، عادات سرقت الأعمار واتلفت الأرواح وقتلت الحياة، ولكن في ظل التغيرات الحديثة التي شهدها وطننا الغالي تغيرت معها مفاهيم عديدة وتفتحت العقول الموصدة بمزاليج الجهل العتيق، بل تغيرت معها الكثير من الأمور التي كان يُعتقد سابقاً بقدسيتها ومجرد محاولة المساس بها قد يؤدي إلى الإقصاء والاتهام بإحداث الفِتن وزلزلة تماسك المجتمع. وأكثر من عانى من ويلات الماضي هي المرأة التي دفعت سنوات عمرها ثمناً له، ومجتمعها يؤكد يقيناً بأن دورها المقدّس في الحياة هو التضحية للغير دون انتظار مقابل حتى وإن خُذِلت وذُلَّت، وإلا ستوصَم بالأنانية وتتعرض لمشاعر جلد الذات ويؤنبها ضمير المجتمع المُحتضِر لعدم صبرها وتحملها سجن جلادها وذويه، فهكذا كُنَّ امهاتهم وذلك مايجب أن تكُن هي عليه، وأمام كل محاولاتها البائسة للإمساك بطوق النجاة تجد نفسها محاصرة بنظرة المجتمع الصارمة وحين تقرر الفِرار إلى اهلها بحثاً عن الأمآن الموؤد تُفاجأ بزجِّها مرة أخرى في كَنَف ذلك الزوج المريض نفسياً أو المدمن أو الظالم المُستبِّد ليستقبلها بالمزيد؛ وهي تجر أثواب القهر والذل والإنكسار وخلفها أهلها يدثّرون خذلانهم لها بعبارة: ماذا سيقول الناس عنكِ؟وكنصر للمرأة وتمكينها من الحياة ظهرت أمواج هائلة دون سابق انذار وانتشلتها ورفعتها عالياً واطلقت جناحيها نحو مفهوم جديد ودور مجتمعي فريد لها وهو -حب الذات وإبراز دورها الهام في الحياة-وانطلقت العبارات الإيجابية نحوها لتغير قناعاتها: "عيشي لذاتك .. وأحبي نفسك أولاً .. ولا ترتضي لها الذل والهوان"الآن ازهرت المرأة بعد أن تم سقيها بماء الحياة في ظل حكومتنا العظيمة وعادت مورِدة واحدثت الفرق في مجتمعها بطاقاتها الهائلة التي لا سقف لها سوى السماء، تعيش المرأة السعودية المرحلة المخملية الناعمة بفخامتها التي باتت فيها حقوقها واضحة كالنور، ولها حرية اختياراتها وحياتها؛ فلا لزواج القاصرات ولا لعضْل الفتيات ولا لمنعنهن من التعليم أو الإبتعاث أو العمل في كافة مجالاته، ونَعَم لقيادة المرأة ونَعَم لتمكين المرأة ونَعَم لتوليها المناصب القيادية العُليا في الوطن، وفي خِضَم تلك التحولات الراهنة يطرح السؤال نفسه، هل رأي الناس يهمك؟ لم يعد رأي الناس يدخل في دائرة الاهتمام، ولم تعد المجاملة ومراعاة الآخرين هي من تشكّل الحاضر والمستقبل والحياة، فقد اختلفت ثقافة المجتمع وامتزجت بالعقول الجديدة لتُخرِج لنا "انسان اليوم" الذي يعيش كما يريد ويبني حياته كما يتمنى حسب اجتهاداته واختياراته وامكانات بيئته المتاحة أمامه وفي حدود الدين والقيم المجتمعية السليمة.
مشاركة :