يوجد ارتباط وثيق وقوي بين صحة الإنسان أو الكائن الحي والبيئة التي يعيش فيها مما يؤثّر فيه سلباً أو إيجابياً. التلوث البيئي هو أخطر كارثة يواجهها الإنسان، فالتلوث يعني تدهور البيئة نتيجة لحدوث خلل في توافق العناصر المكونة لها، بحيث تفقد قدرتها على أداء دورها الطبيعي، خاصة في التخلص الذاتي من الملوثات بالعمليات الطبيعية في بيئات الهواء والماء والتربة، والتلوث البلاستيكي هو أحد أهم الملوثات البيئية. البلاستيك عبارة عن بوليمرات صناعية مكونة من العديد من المركبات العضوية وغير العضوية مصنعة من البتروكيماويات، حيث يتميز البلاستيك بأنه إحدى المواد المستعملة والأكثر انتشاراًَ عالمياًَ وذلك لمرونته، وقوته، وخفة وزنه، ومقاومته للرطوبة، وتعدد استخداماته، وهو غير مكلِّف نسبياًَ بالإضافة لقابليته لإعادة الاستخدام. هذه الصفاتُ التي جعلتنا نفرط في استهلاك السلع البلاستيكية، وهذه الخصائص التي تجعل البلاستيك مفيداً في رفاهيتنا في الوقت نفسه جعلته خطراًَ كبيراًَ يهدد بيئاتنا. البلاستيك منتج غير قابل للتحلل مصنوع من مركبات سامة، يحدث أضراراً كبيرة للبيئة، حيث يتراكم في البيئة الطبيعية ويؤثّر سلباً على الكائنات الحيَّة، مثل: النباتات، والحياة البرية والبحرية وحتى البشر. معظم المخلفات البحرية تأتي من الأنشطة البشرية، وهذه النفايات يمكن أن تختلف في الحجم من المعلبات الكبيرة، والمشروبات البلاستيكية، وبقايا شِبْاك الصيد، والحبال البلاستيكية إلى جزئيات وحُبيبات صغيرة يتم التخلص منها كل عام على الأراضي الملوثة والأنهار والبحار والمحيطات والسواحل. وعندما تصل هذه النفايات إلى البحر، تتراكم القمامة البلاستيكية مع مرور الوقت بواسطة التيارات البحرية في وسط دوامات المحيطات الرئيسية، وتشُكِّل بقع القمامة كُتل من الحطام العائم المتراكم باستمرار على البحار. ومن أشهرها رقعة قمامة شمال المحيط الهادئ العظيم تم اكتشافها عام 1997م، ومن المتوقع اكتشاف المزيد من بقع القمامة الكبيرة في أماكن أخرى متعددة. والأكثر خطورة أن هذه الكتل الحطامية البلاستيكية تتجاوز الرؤية البصرية، وهي تتجزأ إلى أجزاء لا يمكن تجريدها من المحيط، وقد تصُبح أدق من شعرة الإنسان. وبكل بطء وصمت تنتشر في كل مكان وتتزايد سميتها أكثر مما يعتقد مسبقاًَ.هذه القطع لا تزال موجودة ولا يمكن امتصاصها في النظام الطبيعي فهي تطفو في داخله، وفي النهاية يتم بلعها بواسطة الحيوانات الصغيرة والعوالق البحرية وتنتقل إلى الحيوانات الأكبر وهكذا دواليك. هذه النفايات البلاستيكية غير قابلة للتدمير فعلياًَ، وتتحلّل بسرعة مذهلة بدرجة حرارة أقل بكثير مما هو متوقع وتطفو المواد السامة في مياه البحر. وهذه المواد الكيميائية لا يمكن استقلابها بعد تناول الطعام مما يؤدي إلى ظهور مصادر جديدة من مركبات سامه للملوثات العالمية التي ستستمر لفترة طويلة في المستقبل. جميع الكائنات البحرية، من أكبر الكائنات الحيَّة إلى الكائنات المجهرية خلال مرحلة أو أخرى تبتلع حساء مياه البحر، الذي تم غرسه بمواد كيميائية سامة ناتجة من تحلل البلاستيك. هذه الأسماك التي سبق وأن تناولت الأسماك الأخرى تناولت البلاستيك المشبع بالسموم، ويصل في نهاية المطاف إلى طعامنا اليومي عند تناولنا الأسماك. تلوث البلاستيك في البحار في عام 2008م قدر الإنتاج العالمي للبلاستيك بمئتين وستون مليون طن من البلاستيك، ينتهي 10 % من حطام البلاستيك في محيطات العالم حسب تقرير منظمة السلام الأخضر ذات الاهتمام بالشؤون البيئية، أما 70 % فإنها تغرق وتُدمر الحياة في قاع البحر والنسبة المئوية المتبقية تطفو في البحار المفتوحة، وغالباًَ ما ينتهي بها المطاف في الدوران والحركة الدائرية للتيارات، وتشكل تكتلات من النفايات البلاستيكية. ولأكثر من خمسين عاماً من اكتشاف مادة البلاستيك، فإن إنتاج البلاستيك واستهلاكه لا يزال مستمراً في الارتفاع، حيث تم إنتاج 299 مليون طن من البلاستيك في عام 2013م بنسبة زيادة قدرها 4 بالمائة عن العام الذي قبله. حيث إن التقارير من قبل محلّلي الصناعة العالمية في عام 2012م ذكروا أن استهلاك البلاستيك سيصل إلى 300 مليون طن في عام 2017م، وقد تجاوز نسبة الاستهلاك في عام 2015م. معدلات التحلل التقديرية للبلاستيك نشرت هيئة الحفاظ على البيئة البحرية أن معدلات التحلّل السنوية التقديرية لمعظم حطام البلاستيك الموجودة على السواحل على النحو الآتي: • الكؤوس البلاستيكية الرغوية: 50 سنة. • الفوط الصحية: 500-800 سنة. • الزجاج البلاستيكي: 450 سنة. • خيوط شِبْاك الصيد: 600 سنة. مكافحة التلوث البلاستيكي التلوث البلاستيكي يعتبر تهديداً وحافزاً للتطوير المستمر في الإدارة البيئية السليمة الكاملة للنفايات والتصدي لهذا التهديد ومكافحته من خلال السعي الدؤوب إلى تغيّرات مستدامة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، والتي من أهم أهدافها التنمية المستدامة للحفاظ على النظم البيئية الأرضية والبحرية ومواردها واستخدامها على نحو مستدام من أجل تنمية مستدامة، حيث صدر قرار مجلس الوزراء المؤرَّخ في 10-8-1440هـ بإنشاء «المركز الوطني لإدارة النفايات» الذي سوف يساهم في وضع أُسس منهجية وإستراتيجيات ناجحة لتطبيق الإدارة البيئية المتكاملة للنفايات. بهدف تقليل كمية النفايات من المنشأ، وإعادة استخدامها وتدويرها بتقنيات عالية مع التخلص منها، ومعالجتها بطرق بيئية آمنة. إن وجود التشريعات والأنظمة خطوة مهمة في تنفيذ البرامج والأساليب التي يمكن من خلالها تطبيق الإدارة البيئية المتكاملة، ودعم أهداف التنمية المستدامة. إن وضع برامج واتفاقات الشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص وفقاً لمتطلبات الإدارة الكاملة للنفايات، حيث قامت العديد من الهيئات والاتفاقيات الدولية ووضعت أنظمة مراقبة قوية لضمان الامتثال الفعَّال ضد إمكانية استغلال البيئات البرية والبحرية حول العالم التي تهدّد تراث البشرية المشترك، واتباع اتفاقيات دولية لمعالجة التلوث البلاستيكي في استخدام نهج مستدام ومتكامل وواسع النطاق في تطبيق إدارة النفايات الصلبة. إن دعم المبادرات الدولية التي تتصدى للتلوث البلاستيكي من خلال البحث العلمي المتقن، واستمرار تشجيع الدعم العلمي للعمل المستمر لفهم نطاق وحجم المشكلة للحد من آثارها وتخفيفها، وربط قطاع الأعمال والصناعة بمثل هذه القضايا من مبدأ العمل المجتمعي في إيجاد مبادرات تقلِّل من كمية البلاستيك التي تلوث البيئة، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات التي تشجع على تطوير الممارسات السلوكية في إعادة تدوير المخلفات، واتخاذ إجراءات مستمرة لمكافحة التلوث، ومعالجة إدارة المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد والجزيئات البلاستيكية ذات الحجم الصغير والمتناهية في الصغر، والتركيز على مواصلة تحسين الوعي العام بآثار التلوث البلاستيكي، وتعزيز الممارسات الإيجابية في حماية البيئة من التلوّث، فالنهوض بالوعي البيئي أكثر الوسائل نجاحاً وسهولة لتحقيق التقدم في المحافظة على البيئة لأي مجتمع. سبل منع التلوث البلاستيكي 1. الاعتماد على مكونات ومركبات أكثر أمناً على حياة الإنسان، بالإضافة إلى سهولة التخلّص منها بعد استخدامها بطرق آمنة. 2. من الأهمية بمكان سن الأنظمة واللوائح والتعليمات التي تلزم بفرز وإعادة تدوير النفايات البلاستيكية والحد من طمرها في التربة. 3. وضع آليات محفزه مالية أو معنوية، لتفعيل المعالجة البيولوجية على نطاق صناعي واسع للحد من الملوّثات البيئية ومعالجتها وفق أُسس وبرامج علمية مقننة. 4. من المناسب الحد من استخدام المواد البلاستيكية عند القيام بالتسوق واستبدالها ببدائل صحية للبيئة والإنسان كأكياس الورق أو القماش والتخلص منها بطرق مسؤولة. 5. إطلاق حملات ومبادرات لتوعية المواطنين والمواطنات تهدف لتحفيز الأفراد والمنشآت المختلفة على ابتكار برامج وآليات تعزِّز حماية البيئة والتقليل من استهلاك المواد البلاستيكية أو استخدام بدائل صديقة للبيئة. 6. تمويل مشاريع إعادة تدوير النفايات البلاستيكية من قبل القطاعين العام والخاص. 7. يجب تقليل من استخدام البلاستيك المستخدم لمرة واحدة، مثل عبوات مياه الشرب والأكياس البلاستيكية وذلك بتقليص إنتاجها، وبالتالي تخفيض إيذائها للبيئة واستخدام الأكياس القابلة للتحلل. 8. وجوب منع استخدام المواد الكيميائية الضارة المستخدمة في صناعة البلاستيك. ومن المفيد بأن يتم التعامل مع المسألة البيئية والاشتراك بالأنشطة التي تقوم بها الحكومات والجامعات والمنشآت في مجالات مكافحة التلوث، وإيجاد الحلول المثلى هي ضرورة تكفل نجاح أي عمل بيئي جاد. ** ** أستاذ مشارك في علم البيئة الحيوانية - قسم علوم الأحياء، كلية العلوم جامعة جدة
مشاركة :