السديس في خطبة الجمعة: من مقاصد الصيام العظام تهذيب النفوسِ وترقيتها

  • 5/10/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله – عزوجل – وتزكية الأعمال والأقوال في شهر القرآن بالتقوى والإخلاصْ، والمبادرة بالتوبة، قبل أن يؤخذ بالنواصْ. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: معاشر المسلمين، ها قد أظلنا شهر المَرَابِحِ بظلاله ونَوَالِهْ، وجمالِهِ وجلالِهْ، شهرٌ عاطرْ، وفضله ظاهرْ، بالخيرات زاخرْ، انبلجت بِيُمْنِه الصباح، وتأرَّجت الأمصارُ بِعبقه الفوَّاح، شهر أشرقت في أفق الزمان العاتم كواكبه، وعادت – والعود أحمد- بسلامة الإياب أمجاده ومراكبه؛ لينضح أرواحنا اللَّهفى بالرَّوح والريحان، والازدلاف إلى المولى الدَّيان، الله أكبر، شهر رمضان نفحة ربانية تُفْعِمُ حياة المسلمين بِالذِّكر والقُرُبَات، وفيه تلهج الألسن بِعاطر التلاوات، وتبهج الأنفس بهدي الصيام ونور القيام، وَفَد لِيُوقظ رواقِد الخير في القلوب، ويعطِّل روافد الحُوب، ومساقي الذنوب، وفَدَ ليُرهف أحاسيس البِرِّ في الشُّعُور، ومعاني الإحسان وبسْط الحبور، فتبرأ النفوس الشاردة الكزَّة من أثقال الحياة، وتتخفف من أوهاق المادة المعناة، فالأذن سامعة، والعين دامعة، والروح خاشعة، والقلب أوّاه، هذا نسيم القَبُولِ هَبّْ، وهذا سَيْلُ الخير صَبّْ، وهذا الشيطان قد غُلَّ وتَبّْ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدَت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقَت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتِّحَت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر” (أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند صحيح). وأضاف قائلاً: الصيام تُرسٌ للمسلم من الخطايا والأوزار، ولَأْمةٌ دون التلطُّخ بالأدران والأكدار، وجُنَّةٌ واقيةٌ من لهيب النار، ألا فلتجعلوا لِجَوَارِحِكُم زِمَامًا من العقل والنُّهَى، ورَقِيبًا من الورع والتُّقَى، حفظًا للصِّيَامْ عن النَّقص والانْثِلامْ، ولا يتحقق ذلك إلا بصوم الجوارح عن الموبقات والفوادح، وعفَّة اللسان عن اللغو والهذيان، وحفظ الكَلام عن الكِلام، وغضِّ البصر عن الحرام، وكبح الأقدام عن قبيح الإقدام، وبسْط نَدى الكَفْ، والتورُّع عن الأذى والكَفْ، والضراعة إلى الله بقلوب وَجِلَةٍ نقيَّة، وطَويَّاتٍ على صادق التوبة والإخلاص والتوحيد مطوية. وهل كفاء ذلك كله إلا المنازل العلى في جنات النعيم، فيا طوبى للصائمين القائمين. وأوضح فضيلته أن من مَقاصِد الصِّيام العِظام تهذيبَ النّفوسِ وَتَرْقِيَتَهَا، وزَمَّها عن أدْرَانِها وتَزْكِيَتِها، وذلك هو المُرَاد الأسْمى والهَدَفُ الأسْنى من شِرْعة الصِّيام، ألا وهو التقوى، قال الإمام ابن القيم ~:”الصيام لِجَامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين مِن بين سائر الأعمال، وهو سِرٌّ بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليه سواه”، ويقول الإمام الكمال بن الهمام ~:”إنَّ الصوم يُسَكِّن النفس الأمَّارة بالسوء ويكسر سَوْرَتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح”. وقال الشيخ السديس: أمَّة الصيام والقرآن: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾، وكان جبريل عليه السلام يدارس نبينا صلى الله عليه وسلم فيه القرآن، وصح عنه صلوات الله وسلاَمه عليه أنه قال:”الصِّيَام والقرآن يَشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصِّيام: أي ربِّ مَنَعْتُه الطعام والشهوة فشفّعْني فيه، ويقول القرآن منعته النّوم بالليل فشفّعْنِي فيه فيشفعان”، (أخرجه الإمام أحمد والطبَرَاني بإسناد صحيح)، فما أعظمه من شهر اغْدَوْدَقَت فيه أصول الِمنَن، واخْضَوْضَرَت فيه قلوب النازعين إلى أزكى سَنَن، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ~: ومن تدبر القرآن طالبًا الهدى منه؛ تبيّن له طريق الحق. وأكد أن هذه الأيام المباركة فرصة سانحة لمراجعة النفس وإصلاح العمل بما يحمله هذا الشهر الكريم من دروسٍ عظيمة في التسابق في الخيرات والأعمال الصالحة، متسائلاً هل عَمِلَت الأمة على الإبقاء على الصورة المُشْرِقَة التي اتَّسَمَ بها هذا الدين الإسلامي في وسطيته واعتداله، ومكافحة الغلو والتطرف والإرهاب؟، وهل تصدت لكل ما يُفْسِد على العالم أَمْنَه واستقراره وتعزيز التسامح والتعايش بين الشعوب ونبذ العنصرية والطائفية ؟ هل وقفت بحزم أمام من يُرِيد هَزَّ ثوابتها والنَّيْل من مُحْكَماتها والتطاول على مُسَلَّمَاتها وقَطْعِيَاتها؟ ودعا الشيخ السديس إلى المبادرة إلى فَضْل الله المَمْنُوح قبل فوات الرُّوح، وقال: اجعل هذا الشهر شهر المبادرات؛ تراحموا وتسامحوا، وتصافحوا وتصالحوا، وصِلُوا أرحامكم، واحفظوا أوقاتكم، وتعاهدوا قلوبكم، وحققوا مقاصد الصيام قولاً وعملا، فرمضان فرصة لاستشعار المعاني السامية التي قصد إليها الدين الإسلامي الحنيف، يتوارد في تحقيق هذه المهمة العظيمة الأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة والمجتمع ووسائل الإعلام وقنوات التواصل الحديثة، وهل كفاء ذلك إلا المنازل العلى في الجنان مفتحة بالدخول مع باب الريان، فيا طوبى للصائمين، ويا بشرى للقائمين. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام قائلاً: اجعلوا – يا رعاكم الله – من شهر الصيام شهرًا للمبادرات، فما أجمل أن تنطلق مبادرة الاستعداد وحسن الاستقبال، وتجديد التوبة والإكثار من قراءة القرآن والتدبر، والتسامح والتصافي ونبذ الحسد والأحقاد، وسلامة الصدور والقلوب، ووضع السلاح بين الفُرقاء، والاجتماع وحسن الظن، والصدقة والإحسان، وأعمال الخير والبِرْ، والعناية بالأسرة وصلة الرحم، والاهتمام بالشباب والفتيات، وحسن التربية لهم، ووحدة الأمة والبُعْد عن الخلاف والفُرْقَة، وتعزيز الوسطية والاعتدال، وتحقيق الأمن والسلام، والولاء والانتماء، واللُّحمة الوطنية، ولزوم الجماعة والإمامة، وحسن الختام، والعمل للجَنَّة، والوقاية من النار، وحفظ الأوقات ومواثيق الشرف لمنصات التواصل وقنوات الفضاء والإعلام الجديد، وتسخير التقنية لخدمة الدين وأمن الأوطان. وفي المدنية النورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بمحاسبة النفس والاجتهاد في الطاعات والازدياد من الحسنات والمحافظة على ما أعان الله عليه ووفق من العمل الصالح، مؤكدًا أن الحذر من مبطلات الطاعات هو من السعادة والفلاح في الحياة وبعد الممات لقوله تعالى (( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ))، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله سبحانه وتعالى (( ولتنظر نفس ما قدمت لغد )) فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا أدخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم ميعادكم وعرضكم على ربكم. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: إن المحاسبة للنفس تكون فيما مضى وفي يومك وفي مستقبلك بالتوبة من جميع الذنوب وبالمحافظة على الصالحات من المبطلات وبالازدياد من الخيرات كما أن الشقاوة والخذلان والخسران في اتباع الهوى وارتكاب المحرمات وترك الطاعات أو اقتراف ما يبطل الحسنات. وأضاف قائلاً: ها أنتم ترون سرعة انقضاء الأيام والليالي وأن يوما مضى لن يعود بما فيه والعمر ما هو إلا ليال وأيام ثم ينزل الأجل وينقطع العمل ويُعلم غرور الأمل وإنكم في أوائل شهركم المبارك قد فتح الله لكم فيه من الخيرات أبوابا ويسر لكم أسبابا فادخلوا في أبواب الخيرات واحذروا أبواب الموبقات والمهلكات مستشهداً بقوله تعالى (( يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين )). ودعا فضيلته المسلمين إلى تعظيم نعمة الإيمان ونعمة القرآن فما أعطى أحد عطاء أفضل من الإيمان والقرآن وما صام مسلم رمضان إيماناً واحتساباً إلا نال من الإيمان ونال من بركات القرآن وأهل القرآن هم من عملوا به ولو لم يكن حافظا. وأوضح أن أول نعمة على الأمة بالهداية والرحمة العامة والخاصة والحياة الكريمة هي نزول القرآن في رمضان فنزول القرآن في شهر الصيام مبدأ الخيرات والبركات وإصلاح الحياة والفوز في الآخرة بأعلى الدرجات ومبدأ النور وانكشاف الظلمات ورفع الجهل والضلالات فمن آمن بالقرآن الكريم من أول هذه الأمة أو آمن بالقرآن بعد ذلك إلى آخر الدنيا فقد شكر نعمة القرآن العامة التامة وشكر نعمة الإيمان في خاصة نفسه ومن لم يؤمن بالقرآن فقد كفر بالنعم كلها وباء بالخلود في النار قال الله تعالى (( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده )). وأكد فضيلته أن من رحمة الله بنا وحكمته وإحاطة علمه أن فرض علينا صيام رمضان المبارك وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه وخصه بفضائل عن غيره فاجتمعت فيه أعظم العبادات وأنواع البر وضاعف الله فيه أجور الأعمال ليقوم المسلم بشكر الله عز وجل على نعمة القرآن ونعمة الإيمان ، فالنعم يجب بها شكر المنعم جل وعلا ليحفظها من الزوال وليزيدنا من النعم في الحال والمآل والشكر لله على نعمه يكون بأنواع العبادات وأعظمها التوحيد لله ويكون بالإحسان إلى الخلق. ولفت إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن فريضة الصوم لكم فيها أعظم الأجور مع ما فيها من المنافع في هذه الحياة لمن تأمل ذلك بفكر منير ولكن الصوم لا يؤتى ثماره ولا ينتفع به صاحبه إلا زكاه بصالح الأعمال وحفظه من المبطلات وما ينقص ثوابه من الأوزار والآثام، وقال إذا صمت أيها المسلم فليصم سمعك وبصرك ولسانك وجوارحك عن المحرمات لتتزكى نفسك بالطاعات قال الله تعالى (( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم )) وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الصوم جنة مالم يخرقها ” أي مالم يخرقها بذنوب كالغيبة والنميمة.وطالب فضيلته المسلم بمحاسبة نفسه في رمضان ليخف عليك الحساب في القيامة. وقال: اسأل نفسك هل أقمت الصلاة كما أمرت هل أديت الزكاة مع الصيام هل تبت إلى الله من الذنوب هل تبت من المكاسب المحرمة كالربا والبيوع المحرمة هل وصلت الرحم هل بررت الوالدين هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر هل اجتهدت في التمسك بالهدي النبوي لتكون مع المهتدين.

مشاركة :