حاملة الطائرات الأميركية في الخليج: رسالة لإيران وللحلفاء

  • 5/11/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتحرك حاملة الطائرات الأميركية يو.إس.إس.أبراهام لينكولن، ومجموعتها الهجومية التي تتضمن سفن تدخّل ومدمرات عدّة وعددا من المقاتلات، في طريقها إلى مياه الخليج العربي في مناورة مصحوبة بتحذير واضح من واشنطن إلى طهران بأن قوة الردع العسكرية الأميركية جاهزة في واجهة تهديدات إيران. ويكشف قرار الإدارة الأميركية إرسال حاملة الطائرات أبراهام لينكولن عن تبدل في الاستراتيجيات التي كانت انتهجتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كما يكشف عن تطور في الاستراتيجية التي كان وعد بها الرئيس الحالي دونالد ترامب، ما ينفي ما أوحت به تصريحاته السابقة بعزمه على الانكفاء عن صراعات العالم. وتكشف التطورات الأخيرة أن الولايات المتحدة تعود بقوة إلى الشرق الأوسط، بعد أن أوحت قبل ذلك بأن خياراتها، لاسيما العسكرية، باتت تعطي آسيا وجنوب شرق آسيا أولوية على حساب مناطق نفوذ أخرى في العالم. وإلى جانب حاملة الطائرات، أعلنت القيادة المركزية الأميركية أن قاذفات ب-52 التي أرسلتها إلى الشرق الأوسط بسبب ما تصفه واشنطن بأنه تهديدات من إيران وصلت بالفعل إلى قاعدة أميركية في قطر. وترجح بعض المراجع العسكرية الخبيرة أن يكون إرسال القطع البحرية الأميركية إضافة للقاذفات بما في ذلك تلك الاستراتيجية بـ52، يهدف إلى تموضع أميركي جديد في العالم يتجاوز مسألة الأزمة الحالية مع إيران. وقال نائب الأميرال جيم مالوي، وهو القائد المشرف على القوات البحرية الأميركية في الشرق الأوسط، إن معلومات استخباراتية أميركية تشير إلى وجود تهديد من قبل إيران لن يمنعه من إرسال حاملة طائرات عبر مضيق هرمز إذا اقتضت الحاجة.ولم يوضح قائد الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين ما إذا كان سيرسل المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى الممر المائي الاستراتيجي الواقع قبالة إيران، والذي يمر من خلاله خمس النفط المستهلك عالميا. والمجموعة، التي تم تسريع نشرها بالشرق الأوسط انتقلت عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر، الخميس، وهي الآن تحت قيادة مالوي. تحذير للحلفاء لا شك أن التحركات العسكرية الأميركية الجديدة تثير قلقا لدى دول مثل الصين وروسيا، على الرغم من الطابع “الإيراني” للمناورة الأميركية البحرية والجوية داخل مياه الخليج وصولا إلى احتمال تمددها نحو مضيق هرمز. ويعترف دبلوماسيون أجانب في العاصمة الأميركية أن التهديد الذي يمثله الأسطول الأميركي قرب المياه الإيرانية، يمثل، في وجهات أخرى، تهديدا لنفوذ قوى كثيرة فاعلة في العالم، كما يمثل تحذيرا للحلفاء قبل الخصوم من مغبة التمسك بموقف رمادي محايد في مسألة النزاع القائم حاليا بين واشنطن وطهران حول الموقف من الاتفاق النووي الموقع في فيينا عام 2015. وتشي متابعة المواقف الأميركية الأخيرة بأن واشنطن ترسل من خلال تحريك قطعها البحرية والجوية إشارات إلى كافة دول العالم حول جدية تدابيرها العقابية ضد إيران، بما يفترض أن يردع أي قوى إقليمية أو دولية تخطط للالتفاف على عقوبات واشنطن، لاسيما الرزم الأخيرة التي استهدفت قطاع النفط كما قطاع المعادن في إيران. وتتحدث تقارير في بروكسل أن الاتحاد الأوروبي، وبناء على التحرك العسكري الأميركي الجديد صوب إيران، بدأ يغادر المنطقة الرمادية بين إيران والولايات المتحدة، وصار يظهر انحيازا نحو الموقف الأميركي، على الرغم من رفض أوروبا لموقف ترامب في سحب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران.ويبدو واضحا أن بروكسل لم تعد قادرة على الإيحاء بتموضع وسطي في هذه المسألة، خصوصا بعد أن هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالعودة إلى استئناف برنامج إيران النووي، بعد إعلانه أن بلاده ستتوقف عن الإيفاء ببعض الالتزامات التي يفرضها اتفاق فيينا. ولفت المراقبون إلى لغة الحزم التي عبر عنها بيان الاتحاد الأوروبي لجهة رفض المهل التي تود طهران فرضها على الأوروبيين، ولجهة لغة البيان الواضحة حول أن أوروبا ستعود لفرض عقوبات على إيران على منوال ما تفعله الولايات المتحدة، في حال عادت طهران لتنشيط برنامجها النووي أو القيام بمناورات خلفية مشبوهة في هذا الشأن. وشدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس على ضرورة العمل من أجل إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران. وقال ماكرون في تصريحات صحافية، عند وصوله لحضور القمة الأوروبية غير الرسمية في مدينة سيبيو برومانيا، “يجب علينا إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، وعلينا العمل لإقناع كل الأطراف”. ووفق ما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، تخشى أوروبا من أن تتحول مغامرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حرب طاحنة لن تكون أوروبا بمنأى عنها. وتحت عنوان “سياسات ترامب الحمقاء تجعل الحرب مع إيران أقرب”، قال المختص بالشؤون الدولية سايمون تيسدال إن “القادة الإيرانيين يواجهون خيارات صعبة أمام سياسات الولايات المتحدة والتي لا تهدف إلا إلى أمر واحد فقط هو تغيير النظام”. وينقل تيسدال عن أحاديث في واشنطن أن “ترامب يرغب في تجنب صراع آخر في الشرق الأوسط، لكن الصقور مثل وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي بولتون ونائب الرئيس مايك بنس، الذين يديرون الملفات الخارجية بينما ترامب يلعب الغولف ويغرد على تويتر، لا يشعرون بالخجل من تكرار أخطاء التدخل العسكري في الخارج وفي الغالب سيستمتعون بتنفيذ ما يريدون”. نظرية قديمةحصلت تطورات عديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأشهر الأخيرة، كالتي حصلت في الجزائر والسودان تضاف إلى تطورات أخرى تجري في ليبيا واليمن، وتحولات مفصلية ستشهدها الساحة السورية خلال الفترة المقبلة، كما أن مستقبل الصراع مع إيران مفتوح أمام احتمالات قد تأخذ مناحي دراماتيكية خطيرة، ما يفرض على الولايات المتحدة انتهاج سياسات ديناميكية متطورة للحفاظ على زعامتها على رأس النظام الدولي الجديد. ويبدو أن خيارات الأمن الاستراتيجي الأميركي تحت قيادة مستشار الأمن القومي جون بولتون عادت إلى انتهاج نظرية قديمة تم التخلي عنها في عهد أوباما، تعيد الاعتبار للذراع العسكرية كقاعدة أساسية في خيارات واشنطن في السياسة الخارجية. وكان بولتون استبق إرسال حاملة الطائرات بتصريح قاله فيه إن الإدارة الأميركية سترسل مجموعة حاملة طائرات هجومية وقوة قاذفات إلى الشرق الأوسط ردا على “مؤشرات وتحذيرات” مثيرة للقلق من إيران، ولإظهار أن الولايات المتحدة سترد “بقوة لا تلين” على أي هجوم على مصالحها أو حلفائها. ويرى مراقبون أن واشنطن التي تود أن تكون شريكا مقررا في مآلات تلك التطورات، قررت أن تكون حاضرة ميدانيا، وبشكل قوي، داخل المنطقة، تحسبا لأي مفاجآت من جهة، ومواكبة عن قرب لحركة الدبلوماسيين والمبعوثين الأميركيين المكلفين بمتابعة ملفات المنطقة من جهة أخرى. وقالت المتحدثة باسم البنتاغون لشؤون القيادة الوسطى في الشرق الأوسط والخليج ريبيكا ريباريتش، في تصريحات لقناة الحرة الأميركية، إن حاملة الطائرات لينكولن ومجموعتها الهجومية ستعمل في الشرق الأوسط كقوة ردع وستعمل في مناطق عدّة في الشرق الأوسط لحماية القوات الأميركية ومصالحها في المنطقة. وترى موسكو في الحراك العسكري الأميركي ما يمثل تصدعا في القراءات الروسية الأولى التي تأسست على قاعدة الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط. وقالت تقارير روسية إن “الزحف البحري” الذي تقوم به واشنطن في مياه المنطقة قد غيّر من المعطيات التي على أساسها قامت سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجديدة في الشرق الأوسط. لكن ذلك لا يعني أن هناك إمكانية لإعادة ترتيب التوازنات بحيث يقوي التقدم الأميركي العسكري في المنطقة من موقع روسيا كمرجع جديد للدول المتضررة من حضور واشنطن الثقيل. وليس من المستبعد أن يجري تنسيق كامل بين الولايات المتحدة وروسيا عسكريا وسياسيا بما يعيد الثنائي الروسي الأميركي إلى صدارة الدول المقررة في المنطقة على حساب دول إقليمية طموحة، من بينها تركيا وإيران.

مشاركة :