أصبح الإسراف والإتلاف ركيزتين أساسيتين للمناسبات على اختلافها، في المجتمعات العربية رغم الفقر الذي يحدق بها. والإسراف عادة مذمومة دينيا واقتصاديا ومجتمعيا. لكن إيقافها يواجه صعوبات كبيرة. وتزامنا مع شهر رمضان، تتغيّر العادات الاستهلاكية وهو ما يفاقم ظاهرة إتلاف الطعام إلى حد الإسراف. التباهي عادة يعتبر “الخبز” بجميع أنواعه من بين المواد التي يتضاعف إقبال الناس على شرائه في شهر رمضان لكن عادة ما يكون مآله القمامة. وفي هذا الخصوص، دعا رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في تونس سليم سعدالله، الاثنين 6 مايو، التونسيين إلى عدم التبذير في شهر رمضان. وقال سعدالله “إنّ قرابة مليون خبزة تلقى يوميّا في القمامة طيلة شهر رمضان، مشيرا إلى أنّ استهلاك الخبز في هذا الشهر يرتفع بنسبة 300 بالمئة”. وأردف ”من المهم أن نشتري بشكل عادي مثل كل يوم، دون لهفة. في رمضان هناك وجبة واحدة، فمن المنطقي أنّ المصروف ينقص وليس العكس”. وكان مدير المعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية، أكّد في وقت سابق أن 113 ألف طن من مادة الخبز، يتم إتلافه سنويا وذلك بسبب التبذير، موضحا أنّ نفقات التونسي الغذائية ترتفع خلال شهر رمضان، تزامنا مع ارتفاع نسبة التبذير الغذائي. وقال في ذات السياق “ثلث ما يتم طهوه في رمضان يتلف، و58 بالمئة من الخبز ‘المبسس′ يتم إلقاؤه، وأكثر من 100 بالمئة بالنسبة للباغات”. أما بالنسبة للتبذير على مستوى المخابز التونسية فيقدّر بـ686 ألف قنطار سنويا، وبالنسبة للمطاعم الجامعية يتم تبذير حوالي 12 بالمئة مما يتم إعداده بالمطاعم، وبالنسبة للمطاعم الخاصة فيقع تبذير حوالي 16 بالمئة مما يتم إعداده. كما تقدّر قيمة التبذير الغذائي في المساحات التجارية الكبرى بـ2.8 مليون دينار (مليون دولار)، وبالنسبة للفنادق يقع إتلاف 12 بالمئة مما يتم تحويله. وفي ظل ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن، دعا مدير معهد الاستهلاك إلى تقليص التبذير وترشيد الاستهلاك.ويقدّر المعهد الوطني للإحصاء مقتنيات التونسيين من الخبز في سائر شهور السنة بـ6.7 مليون خبزة يوميا، ويرتفع استهلاك الخبز في تونس بمعدل 135 بالمئة للخبز، ويتضاعف الإنفاق بنسبة 52 بالمئة في رمضان، وهو ما يجعل التونسي في صدارة المراتب العالمية من حيث استهلاكه للحبوب ومشتقاته. وفي الجزائر يتم رمي 60 مليون خبزة في القمامة خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان كإحصائيات أولية كشف عنها رئيس الاتحاد الوطني للخبازين يوسف قلافاط. وأكدت العديد من الإحصائيات في البلدان العربية أن شهر رمضان وحده يستحوذ على النصيب الأكبر من نفقات الغذاء خلال السنة، كما أن حجم الإنفاق في هذا الشهر يرتفع بنسبة 50 بالمئة عن شهور العام. ولا تقل نسبة الفاقد الغذائي في مصر الذي يلقى في صناديق القمامة عن 60 بالمئة وتزداد النسبة إلى 75 بالمئة في الولائم، وتلك النسب تعتبر صادمة في المجتمعات العربية التي تعاني من نسب عالية من الفقر والفقر المدقع، فعدد الفقراء في ازدياد بوتيرة سريعة وفي نفس الوقت عدد الأغنياء في ازدياد، وحجم الهوّة بين طبقات المجتمع تتسع وحجم الطبقة الوسطى في انخفاض لصالح الفقر. وينفق المصريون 200 مليار جنيه سنويًا على الطعام، يستأثر شهر رمضان منها على النصيب الأكبر، ويمثّل الإنفاق على الغذاء 45 بالمئة من إنفاق الأسرة المصرية السنوي ويستحوذ شهر رمضان على 15 بالمئة من هذه النسب. وفي السعودية يذهب 20 بالمئة من ميزانية الأسرة للغذاء، وفي الكويت يبلغ إنفاق الأسرة على الغذاء شهريًا 1170 دولارًا، وفي دول الخليج عمومًا يبلغ حجم الإنفاق على الوجبات السريعة قرابة 10 مليارات دولار. وفي إمارة دبي، كانت 55 بالمئة من النفايات المنزلية من نصيب الطعام في عام 2012 وفقا لبلدية دبي، وهو ما يقارب 1.850 طن من الطعام يوميا خلال شهر رمضان. وفي البحرين، إن الطعام الذي يتم إلقاؤه في النفايات يومياً خلال شهر رمضان يتجاوز الـ400 طن، بناءً على كشف للمسؤولين عن وحدة التخلص من النفايات في البحرين. وتقوم دولة قطر بالتخلّص من نصف الطعام المعدّ يومياً خلال شهر رمضان عن طريق إلقائه بالقمامة. ودفع الهدر الحاصل في الطعام الحكومات في بعض البلدان والمدن العربية مثل البحرين ودبي، كما ورد في بعض الصحف المحلية، إلى الإعلان عن زيادة أعداد وساعات عمل عمال النظافة خلال شهر رمضان للتعامل مع ارتفاع نسب النفايات الغذائية والحفاظ على سلامة ونظافة الشوارع. ويقول يحيي محمد (موظف) عن أسباب الهدر الغذائي “لعل أهم أسباب حدوثها التفاخر وحبّ الظهور بمظهر الغنى والترف، ولكن الله لا يحب المسرفين ولا المتكبرين. وهنا يجب وضع آلية لعدم الهدر، مثل الاتصال بالجمعيات الخيرية لتتولى توزيع ما تبقى على الفقراء، ووضع ما تبقى في أكياس وتوزيعه على الأحياء الفقيرة وهي كثيرة، وعدم الإسراف في إعداد الأطعمة إلا حسب الحاجة، كما يجب تفعيل دور الإعلام في التحذير من الإسراف وبيان خطورة ذلك”. وفي نفس السياق أكدت دلال (ربة منزل) أن “الأنماط الاستهلاكية في مجتمعنا تدفعنا إلى التباهي والإسراف”. فقر مدقعبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الـ”فاو”، يوجد مليار إنسان في العالم يعانون من الجوع، فيما تقدر كمية إهدار الطعام بـ1.3 مليار طن سنويا بقيمة أكثر من تريليون دولار، وهي الكمية التي تعادل أربعة أضعاف الكمية المطلوبة لحل أزمة الجوع في العالم. وقال المسؤولون في منظمة الـ”فاو” إن الفرد الواحد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يقوم بهدر 250 كيلوغراما من الطعام الصالح للأكل سنويا، ويزداد المعدل بشكل خاص في شهر رمضان. ويصل الهدر إلى 115 كيلوغراما للشخص في دول أوروبا وأميركا الشمالية، وبحسب مؤسسة (EcoMEANA) فإن نسبة 25 بالمئة من الأطعمة في شهر رمضان المبارك يتم هدرها. ففي الوقت الذي يزداد فيه إنفاق نسبة كبيرة من المواطنين في المجتمعات العربية في رمضان على الطعام والكماليات الأخرى، فإن نسبة كبيرة من المواطنين ترزح تحت الفقر وتزداد الحالة سوءا أكثر في رمضان. وأعلنت الـ”فاو” الأربعاء أنّ أكثر من 50 مليون شخص يعانون من “نقص التغذية” في منطقة “الشرق الأدنى وشمال أفريقيا” حيث تواجه عدّة دول نزاعات، ولفتت إلى أنّ هذه الظاهرة تتنامى. وقالت في بيان، “تنتشر النزاعات والأزمات الممتدة وتتفاقم منذ عام 2011، ما يهدد جهود المنطقة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، بما في ذلك القضاء على الجوع″. وأضافت المنظمة التي تتخذ من القاهرة مقرّا إقليميا، “تستمر معدلات الجوع في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في الارتفاع (…)، حيث يعاني 52 مليون شخص من نقص التغذية المزمن”. ويحتاج نحو 24.1 مليون مواطن يمني، أي أكثر من ثلثيْ السكان، إلى المساعدة بحسب الأمم المتحدة. وفي سوريا، تشير التقديرات إلى أن 80 بالمئة من السكان يعيشون في فقر، وأن متوسط العمر المتوقع قد انخفض بـ20 عاما. أما في فلسطين والعراق، أصبح للغذاء قيمة عالية بسبب عدم توافره بالقدر الذي يكفي المواطنين. وفي مصر اتسعت رقعة الفقر أكثر بعد موجة ارتفاع الأسعار في المواد الأساسية وانخفاض قيمة الجنيه، وفي الصومال لا يجد الملايين من الأشخاص طعاما للأكل ولا حتى المياه الصالحة للشرب، إذ يبلغ معدل الفقر العام 73 بالمئة من السكان، حسب تقدير صفحة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. وفي السودان تشكل نسبة الفقر 40 بالمئة ويعتبر الغذاء الهمّ الأكبر. ما هو الحل؟ سعى سعوديون عبر حملات منظمة إلى محاربة ظاهرة الإسراف في الطعام في المملكة، خاصة أن كميات كبيرة منه يتم إتلافها في الحفلات والمناسبات العامة. وتقول جمعية “خيرات” الناشطة في هذا المجال، إن 180 ألف وجبة طعام تتلف كل ثلاثة أشهر في المملكة، وهي كمية كبيرة تعكس حجم الإسراف في ظل ارتفاع مستويات الفقر. وتقول الجمعية إن العاصمة الرياض لها حصة الأسد من الإسراف في الطعام، داعية المواطنين إلى التوقف عن هذا السلوك، وتمكينها من إيصال الطعام الزائد عن الحاجة إلى الفقراء والمحتاجين.ويعيد محمد الأنصاري المشرف على العمل الميداني في جمعية خيرات السبب في انتشار هذه الظاهرة، إلى “العادات والتقاليد الداعية إلى البذخ والإسراف”. وأطلقت جمعية “خيرات” العديد من المبادرات الرامية إلى تمكين المحتاجين من “فائض الطعام”، من خلال نشر ثقافة حفظه لدى الفنادق وصالات الأفراح والمؤتمرات، غير أنها لم تأت أكلها بعد، حسب الجمعية. وتقوم فكرة الجمعية على إرسال فريق ميداني إلى المناسبات الخاصة والعامة، لجمع ما تبقى من الطعام وإعادة تغليفه وتخزينه بقصد توزيعه على 130 أسرة محتاجة مسجلة لدى الجمعية. وفي مصر أنشأ بنك الطعام المصري (كيان غير حكومي) والذي يهدف إلى توعية الناس إلى أضرار إهدار الطعام، من طريق حملات توعية لحثّ الأفراد على عدم إهدار الطعام الفائض عن حاجتهم وتقديمه إلى أكثر الفقراء احتياجاً في المنطقة التي يعيشون فيها كي يستفيد الجميع من الطعام. وقام البنك أيضاً بعمل اتفاقات تعاون مع فنادق كي تجمّع الأطعمة المتبقية من الحفلات الكبيرة، والتي “لم تمس” في أطباق لتوزيعها على الفقراء. وقدّمت منظمة الـ”فاو” مجموعة من النصائح السهلة التي يمكن القيام بها لمناصرة القضاء على الجوع (#ZeroHunger) وتجعل من عدم الهدر أسلوبا للحياة: منها البدء بتقليل كميات الطعام عبر تناول حصص أصغر من الطعام في المنزل أو تقاسم الأطباق الكبيرة في المطاعم. ومن بعض النصائح الأخرى الحفاظ على ما يتبقى من الطعام لوجبة أخرى أو التبرع بالفائض، إضافة إلى التسوق بذكاء عبر وضع قائمة بالأشياء التي تحتاج إليها والالتزام بها. ونصحت المنظمة بتخزين الأغذية في حدود 1-5 درجات مئوية للحصول على أقصى نضارة وأطول مدة صلاحية. وتطالب الـ”فاو” بفهم تواريخ انتهاء الصلاحية. وفي عام 2017، نجح تطبيق بريطاني في نشر ثقافة تقليل الأطعمة المهدرة، حيث ظهر تطبيق على الهواتف الذكية يحمل اسم Too Good To Go يهدف إلى أن تعلن المطاعم والمقاهي والمخابز بيع الوجبات والمنتجات المتبقية لديها في نهاية اليوم بأسعار رمزية بدلا من أن تلقيها في القمامة.
مشاركة :