مراكز التفكير think-tank كان لها دور حاسم في تشكيل وصناعة القرارات في بلد مثل الولايات المتحدة على مستوى القضايا العسكرية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية؛ لضمان مصالحها أو أي قضايا تتعلق بالمجتمع أو الحكومة الأمريكية. لا تزال الولايات المتحدة تحتل الصدارة في عدد من مراكز التفكير بـ1835 مركزا لعام 2018، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بـ435 مركزا وبريطانيا تأتي في المرتبة الثالثة بعدد 288 مركزا، أما الهند فلديها 280 مركزا، أما على مستوى قوة مراكز التفكير وتأثيرها، تأتي أمريكا أولا ثم بريطانيا وفرنسا وبلجيكا واليابان ثم ألمانيا. مراكز التفكير ما هي إلا مؤسسات متخصصة في توليد الفكر والرأي وإنتاج أبحاث مختصة وإطلاق مبادرات محلية أو عالمية وتقديم المشورة للحكومات، تلك المراكز تتسم بعدم وضوحها في أوساط العامة، إلا أنها تؤثر تأثيرا كبيرا في صناعة قرار الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا. تجتذب مراكز التفكير نخبة من الخبراء والعلماء من الجامعات والممارسين من المؤسسات والشركات وتقدم لهم الدعم المالي لإنتاج أبحاث ودراسات موجهة لحل مسائل أو قضايا محددة، وتستعين الحكومات ببعض تلك المراكز لصناعة قرارات أكثر شمولية وصلابة، وبشكل خاص في المسائل الاجتماعية والاقتصادية، وقد أصبحت بعض مراكز التفكير أكثر نفوذا حول العالم، حيث تقدم خدماتها خارج حدود وطنها في مجال السياسات العامة والاقتصادية ولا سيما الأمريكية منها. هناك نماذج متنوعة من مراكز التفكير والدراسات والبحوث الاستراتيجية، معظمها يعمل تحت نطاق غير ربحي على الرغم من وجود دعم حكومي لبعضها في الاقتصادات المتقدمة، إضافة إلى وجود مراكز تابعة للجامعات ومنظمات المجتمع المدني؛ لخدمة أهداف تلك المؤسسات وتزويدها بالمبادرات والحلول الاستباقية. أثبت كثير من مراكز التفكير قدرته على مساعدة صانع القرار عن طريق إنتاج أبحاث عالية الجودة؛ لتشكيل الرأي المهني والسياسات التي تخدم المصلحة العامة وفق أسس ومنطلقات صلبة، وأصبحت تلك المراكز قادرة على سد الفجوة بين المعرفة وسياسات عمل الواقع، إضافة إلى تحديد الاتجاهات الملائمة في الأمن والسلام والاقتصاد والقضايا البيئية وغيرها من المسائل التي يحتاج إليها العالم أو المجتمعات المحلية أو الإقليمية بحسب تخصص كل مركز. لقد تزايدت أهمية وجود مراكز التفكير بشكل عام والاقتصادية بشكل خاص، ولا سيما مع تنامي تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة على مستوى الوظائف وتأثيرها في سياسات العمل وحياة الناس وكيفية الاستفادة من البيانات الضخمة التي أصبحت كنزا في صناعة القرارات الاجتماعية والاقتصادية. أعتقد أننا بحاجة إلى عدد من مراكز تفكير اقتصادية وسياسية واجتماعية وتعليمية سواء ربحية أو غير ربحية؛ لإنتاج أبحاث ودراسات وأفكار ومبادرات نوعية للنهوض بالعمل المؤسسي والإبداعي واستشراف المستقبل للقطاعين الحكومي والخاص وغير الربحي، على أن يتم تمويلها من الشركات والجهات المستفيدة.
مشاركة :