لم تخف تركيا انزعاجها من الهجوم الواسع الذي تشنه قوات روسية وسورية على المناطق المشمولة باتفاق أستانة، في موقف يعتبر المراقبون أنه يعبّر عن شرخ في العلاقات بين أنقرة وموسكو، وأن الهجوم رسالة روسية إلى تركيا التي تنفذ التزاماتها في الاتفاق بتفكيك الجماعات المصنفة إرهابية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا). وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن بلاده تنتظر من روسيا اتخاذ تدابير فاعلة وحازمة من أجل إنهاء هجمات قوات النظام على جنوبي محافظة إدلب السورية. جاء ذلك في تصريحات أدلى بها عقب ترأسه اجتماعا ضم رئيس هيئة الأركان يشار غولر، وقادة عسكريين رفيعي المستوى، في إطار جولة تفقدية للقوات المنتشرة على الحدود مع سوريا. ويتجنب المسؤولون الأتراك الإشارة إلى الدور الروسي في الهجمات التي تتم على مناطق خفض التصعيد، ودأبوا على اتهام قوات النظام وتحميلها لوحدها مسؤولية استهداف المدنيين. وهذا الأسلوب تعتمده أنقرة منذ حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015 وما أفضت إليه من تصعيد روسي بلغ حدّ سن عقوبات شاملة دفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاعتذار بشكل علني لنظيره الروسي فلاديمير بوتين. ولا يخفي المسؤولون الروس انزعاجهم من التلكؤ التركي في تفكيك المجموعات الإرهابية في إدلب، وهو الدور الذي اضطلع به الأتراك في اتفاق أستانة كبديل عن الحسم العسكري الكامل الذي يتبناه النظام السوري مخافة موجات هجرة جديدة إلى الأراضي التركية. ومنذ أيام، تتعرض منطقة خفض التصعيد شمالي سوريا لقصف وغارات جوية متواصلة من قبل النظام السوري بدعم من الطيران الروسي. وتخضع إدلب لسيطرة مجموعة من التنظيمات، أبرزها هيئة تحرير الشام التي تضم جماعات متشددة أبرزها جبهة النصرة سابقا التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة حتى عام 2016، الجبهة الوطنية للتحرير. وأشار أكار إلى أن “النظام يسعى لتوسعة مناطق سيطرته جنوبي إدلب على نحو ينتهك اتفاق أستانة، ما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين، ومغادرة السكان للمناطق التي يعيشون فيها، وأن ذلك يشكل خطرا على أمن نقاط المراقبة التركية، كما تسبّب تعطيل دوريات القوات المسلحة التركية وتنقلاتها. ولفت وزير الدفاع التركي إلى أن بلاده تنتظر من روسيا اتخاذ تدابير فاعلة وحازمة من أجل إنهاء هجمات قوات النظام وضمان انسحاب فوري لها إلى حدود إدلب المتفق عليها في مسار أستانة. لكن روسيا ترفض أي نقاش بشأن وقف هذه الهجمات، ما عبر عنه مندوبها في مجلس الأمن، حين عارض صدور أي موقف مشترك خلال اجتماع مغلق حيال الوضع في محافظة إدلب السورية. وبدأت قوات الرئيس السوري بشار الأسد بدعم من السلاح الجوي من روسيا المتحالفة معها، الشهر الماضي، حملة ضد منطقة تتبع المعارضة في حماة ومحافظة إدلب آخر أكبر معقل للمعارضة في سوريا.وأعلن مسؤول عسكري سوري دخول القوات الحكومية لأول مرة حدود محافظة إدلب الإدارية بعد تقدمها في ريف حماة الغربي، السبت، كاشفا أن الجيش السوري سيطر على بلدتي العريمة وميدان غزال في ريف إدلب الجنوبي، واقترب من نقطة المراقبة التركية في بلدة شيرمغار، ويخوض معارك على أطراف بلدة الكركات. ويقول مراقبون إن التصعيد رسالة موجهة إلى تركيا التي دأبت على التباهي بعلاقة مميزة مع روسيا، لكنها تفتح بالمقابل قنوات تواصل مع واشنطن في ما يخص الملف السوري، وهو ما يثير الغضب الروسي. وتبدو أنقرة كمن يوهم الروس بأنها لن تغادر مسار أستانة فيما تبحث عن اتفاق ما مع الولايات المتحدة بشأن مناطق سيطرة الأكراد، وترسل برسالة إلى موسكو وإلى النظام السوري، وإلى المجموعات المتشددة الموالية لها بأن أمر إدلب لم يعد يهمها قياسا بمصلحتها في إقامة منطقة آمنة بينها وبين مواقع سيطرة الأكراد. وقد حدث في الفترة الأخيرة على ما يبدو اختراق مهم على مستوى العلاقة بين أنقرة وواشنطن في ظل ملامح صفقة بين الجانبين، عزز وجودها تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بشأن قرب الاتفاق على إقامة منطقة آمنة شرق الفرات وهذا مطلب لطالما سعت إليه تركيا مع الولايات المتحدة. ويرجح كثيرون أن يكون هذا السبب خلف تصعيد روسيا في إدلب، في رسالة تحذيرية لأنقرة بأنها (موسكو) لن تتوانى عن القيام بعملية عسكرية في المحافظة التي تحتضن نحو 3 ملايين نسمة، والذين لن يكون لهم من ملجأ سوى الفرار إلى الحدود التركية في أسوأ موجة نزوح يمكن أن تشهدها الأخيرة. وشهدت العلاقة بين تركيا وروسيا تقاربا منذ العام 2016 دشنه الاتفاق بسيطرة النظام السوري على مدينة حلب ليتمدد التعاون التركي الروسي إلى غيرها من المناطق كان آخرها استعادة دمشق للغوطة الشرقية، مقابل منح موسكو أنقرة الضوء الأخضر في عفرين شمال سوريا. وهذا التعاون بين الجانبين لم يوقف مساعي أنقرة لإعادة تصويب العلاقة بين الولايات المتحدة التي تضررت بفعل دعم الأخيرة لأكراد سوريا، وقبلها رفضها الانخراط بشكل أكبر في النزاع المستمر منذ 2011.
مشاركة :