الساعة 11:59

  • 5/12/2019
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

ختمت المقالة السابقة بسؤال عن النمو الأسي أو المركب لمستعمرة من البكتيريا تنمو بمعدل الضعف كل دقيقة. كان السؤال: متى تكون حاوية البكتيريا نصف ممتلئة إذا ابتدأت في التضاعف الساعة الثامنة لتمتلئ الساعة 12؟ بقدر ما كان الجواب حسابيا واضحا، إلا أن النظر إليه بتمعن يؤدي إلى نتائج مهمة. الجواب عن السؤال هو أن حاوية البكتيريا ستكون نصف ممتلئة الساعة 11:59؛ أي دقيقة واحدة قبل امتلاء الحاوية. الجواب الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة هو أن الحاوية تكون نصف ممتلئة الساعة العاشرة مثلا، وهو الجواب الذي يظل يراودك مهما نظرت إلى المسألة رياضيا. فرغم أن الجواب الرياضي يعطي تفسيرا منطقيا للمسألة، إلا أن التفكير البدهي يأخذك إلى اتجاه آخر. إن التسارع الذي يؤديه النمو المركب مدهش، فإذا افترضنا أن أحدا يراقب الحاوية منذ الساعة الثامنة بانتظار أن تمتلئ في أي وقت، من دون أن يدري بمعدل النمو. وحين ينظر إلى ساعته والحاوية فيجد أنها لم تمتلئ بعد مرور أربع ساعات إلا قليلا، فإنه لن يتصور ما سيحدث في الدقائق الأخيرة. إنه انفجار لحظي. تحول مفاجئ في فترة وجيزة مع تصاعد وتيرة النمو في الدقائق الخمس الأخيرة. فقد لبث المراقب أربع ساعات في انتظار تصاعد النمو إلا أنه لن يجد دليلا واضحا لذلك. إذا نقلنا هذا المثال إلى الواقع، فسيتضح لنا التحدي الذي يواجه المراقب لنمو المدن وانتشار الأوبئة والحركة الاقتصادية. لا يعني الهدوء الذي يبدو ظاهريا ولمدة طويلة أن ما تحته ساكن كذلك. ولا يعني أن العمل الذي يبدو صغيرا أول الأمر لن يؤدي إلى نتائج كبيرة آخر الأمر. إن المراقب الذي ينظر إلى حاوية البكتيريا بانتظار أن تمتلئ، غير واع لحركة النمو التي توشك أن تطفو على السطح، سيقطع الأمل في امتلاء الحاوية وربما ألقى بها قبل خمس دقائق من امتلائها. إن مثال مستعمرة البكتيريا لا يصلح فقط للمخطط الذي عليه أن يدرس حالة الاقتصاد أو سبل ترشيد الاستهلاك، إنما للفرد الذي يعمل في مكتبه ليلا على أمل أن يحدث تغييرا. فليس الأمر منوطا بالأثر المباشر إنما بالعمل الدؤوب، الذي يؤدي إلى نتائج مستمرة على مدى طويل؛ لذلك اختيار المؤشر الدقيق لفهم ما يجري على الواقع أمر لا يجب الاستهانة به، سواء كان الحكم على حركة المنظومة الكبرى أو حركة الأفراد. إن حركة التغير التي ينتظرها الفرد يجب ألا تعطي نتائجها في الوقت المتوقع أو المكان نفسه. إنما تأثير الفرد بين الجماعة مثل أثر الفراشة، سترفرف فراشة بجناحيها في البرازيل لتؤدي إلى إعصار في الصين. وكما قال محمود درويش: أثر الفراشة لا يرى، أثر الفراشة لا يزولُ.

مشاركة :