يقضي معظم الناس شطراً من حياتهم لا يشغلهم في الغالب سوى الأكل. ولعلنا نذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: «المعدة بيت الداء»، وهو القائل أيضاً صلوات الله عليه: «صوموا تصحوا». مع مرور الوقت، تتراكم السموم في جسم الإنسان كنتيجة لملوثات الهواء الذي نتنفسه، والمواد الكيميائية التي تلوث الطعام الذي نأكله والماء الذي نشربه، بالإضافة إلى السوائل الأخرى، ومن وقت لآخر يحاول الجسم أن يبحث عن وسيلة ليخلص نفسه من تلك السموم وينتزعها من أنسجته. وعند حدوث ذلك تنطلق السموم إلى تيار الدم متسببة في أن يشعر المرء بأن حالته انحدرت إلى الأسفل. وفي أثناء هذه الدورة ربما يشعر الإنسان بالصداع أو يصاب بالإسهال أو يعتريه الاكتئاب. إن الصوم وسيلة فعالة وآمنة لمساعدة جسم الإنسان على انتزاع السموم من نفسه، واجتياز هذه الدورة التي يعتريه فيها الانحدار بسرعة أكبر وبأعراض أقل. في الواقع إن الصيام مطلوب لكل الأمراض؛ لأنه يعطي الجسم الراحة التي يحتاج إليها لكي يهدأ مما ألم به. إن الأمراض الحادة، واضطرابات القولون وأنواع الحساسية وأمراض الجهاز التنفسي تستجيب بأحسن ما يكون للصيام، إن الصوم من خلال إراحة الجسم من العبء المبذول في هضم الطعام يسمح للأجهزة في الجسم بأن تخلص نفسها من السموم، بينما يقوم الجسم بتسهيل عملية الشفاء. سئل ميشيل أنجلو شيخ المعمرين مرة عن سر صحته الجيدة وتمتعه بنشاط غير عادي بعد أن تجاوز سن التسعين فقال: «إني أعزو احتفاظي بالصحة والقوة والنشاط في سنوات كهولتي إلى أني أمارس الصوم من حين لآخر، ففي كل عام أصوم شهراً. وفي كل شهر أصوم أسبوعاً. وفي كل أسبوع أصوم يوماً. وفي كل يوم آكل وجبتين بدلاً من ثلاث، و أثناء الصوم أكثر من شرب الماء وقليل من عصير الفاكهة الطازجة أو ملعقة صغيرة من عسل النحل إذا وجدت أني لم أعد قادراً على مواصلة العمل وأداء واجباتي اليومية»، ويقول بنج وهو مجري وكان هو الآخر يتمتع بصحة جيدة بعد بلوغه سن المئة: «إن تقشفي في المعيشة وتمسكي بأبسط المأكولات، كانا من أهم ما تتميز به حياتي عن حياة من كانوا يعيشون معي من الأقارب والأصدقاء، فبرغم ثرائي الوفير وتوافر أسباب الحياة المفعمة لي، فقد حييت حياة خالية من الإسراف معظم أيامي، وكان غذائي المحبوب اللبن والجزر والخبز الجاف، وكنت أصوم فترات متعددة بين كل عام فجنبت نفسي ويلات المرض ومتاعب الشيخوخة». غير أن الصيام في حد ذاته مفيد للجسم ليس فقط بوصفه نظام حماية أثناء المرض أو أثناء دورات الانحدار التي تعتري الإنسان خلال التخلص من السموم، إن الصيام المنتظم يجعل الإنسان يمنح أعضاء جسمه فترة راحة، وبذلك يمكنه أن يوقف ولو وقتياً عملية الشيخوخة فيعيش عمراً أطول ويتمتع بحياة أكثر صحة به أثناء الصيام. تدل الإحصاءات التي حصل عليها قسم الأبحاث في جامعة وسترن ريزوف الأميركية على أن عدداً قليلاً يموتون بكبر السن وبلوغ المرحلة الأخيرة من مراحل الشيخوخة، وأن الغالبية تموت قبل سن الشيخوخة، وقد قام هذا المعهد بتشريح ما ينيف على عشرين ألف جثة فلم يجد من بينها إلا بضع مئات ماتوا بالشيخوخة الحقيقية، أما الباقي فماتوا نتيجة إصابتهم بأحد الأمراض التي أصبحت تصيب الإنسان المتحضر نتيجة الإفراط في الأكل والإسراف في المعيشة، مثل ارتفاع ضغط الدم، والجلطة، والذبحة، والسرطان، وأمراض القلب، وتضخم الكبد، والتهاب الكلى والمرارة، فغالبية الناس لا يموتون ميتة طبيعية ولكنهم يقتلون أنفسهم بما يأكلون، وقابلية المرء للاحتفاظ بصحته وقوته إلى نهاية العمر ليست مجرد صدفة، بل أساسها علم ومعرفة واتباع أساليب صحيحة في الأكل والمعيشة يسير الإنسان عليها منذ الصغر. إن جميع الأديان السماوية تحث على الصوم بوصفه وسيلة للعبادة، وتهذيب الروح والنفس والبدن، ومن مآثر الدين الإسلامي أنه يؤكد أهمية الصوم بجعله أحد الأركان الخمسة فيقول الله تعالى: (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وقال الرسول: «ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه».. وقال أيضاً: «جاهدوا أنفسكم بالجوع فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله». وقال صلوات الله عليه: «أفضلكم عند الله منزلة يوم القيامة أطولكم جوعاً، وأبغضكم عند الله يوم القيامة كل أكول وشروب». ويحكى أن المقوقسس ملك مصر أهدى النبي جارية وطبيباً وبغلة، فأما الجارية فهي مارية القبطية فتزوجها الرسول، وأما البغلة فاتخذها مطية له، وأما الطبيب فمكث مدة طويلة لم يقبل عليه أحد يشكو مرضاً، فقال للنبي: مكثت فيكم مدة طويلة ولم يأتني مريض، فأجاب النبي بقوله المأثور: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع». وخلال الصيام تستمر عملية إفراز السموم، بينما يقل دخول كميات جديدة من السموم، ويترتب على ذلك انخفاض السمية العامة للجسم، والطاقة التي عادة يستخدمها الجسم لإتمام عملية الهضـم يعاد توجيهها إلى الجهاز المناعي ونمو الخلايا وعملية إزالة السموم. وينخفض العبء الملقى على جهاز المناعة بدرجة كبيرة، ويرتاح الجهاز الهضمي من أي التهاب نتيجة نشأة الحساسية للطعام، كما تنخفض دهنيات الدم فيصبح الدم أخف من ذي قبل، ويزيد حجم الأكسجين الوارد إلى الأنسجة، وتتحرك كرات الدم البيضاء بكفاءة أكبر، وتنطلق المواد الكيميائية المخزنة في الدهون داخل الجسم مثل مبيدات الحشرات والأدوية، كما يصبح وعي الإنسان بجسده وتذوقه للطعام وإحساسه بالجو المحيط أكثر إدراكاً. وبسبب هذه التأثيرات للطعام فإن الصيام يساعد على أن تبرأ من مرضك بسرعة أكبر، وأن تغسل كبدك وتطهره وكذلك الكلى والقولون، وأن تنقي دمك، ويساعدك على أن تفقد الوزن الزائد، وتتخلص من الماء المتجمع، وتدفع السموم خارج الجسم، وتنقي العينين واللسان، وتطهر النفس. ولكي تجهز نفسك للصوم عليك تناول الخضراوات والفواكه الطازجة النيئة لمدة يومين قبل الصيام، إن هذا العمل سوف يجعل الصيام خفيفاً على أجهزة الجسم. احرص على تناول الخضراوات وكذلك الفواكه الطازجة
مشاركة :