المؤلّف الفرنسي برتران بادي يحاضر حول الشعبويات ودور الجنوب في إعادة تشكيل العالم

  • 5/13/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ألقى أستاذ العلوم السياسيّة وأحد أبرز الاختصاصيّين في مجال العلاقات الدولية، البروفسور الفرنسي برتران بادي، محاضرة تحت عنوان "القوميات والشعبويات في عالَمٍ معَولم"، حضرتها شخصيات أكاديمية وثقافية وطلاب جامعات، وذلك بدعوةٍ مشتركة من جامعة القدّيس يوسف والمركز الفرنسي في لبنان ومؤسّسة الفكر العربي.بدأ اللقاء بكلمة ترحيبية من قِبل مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القدّيس يوسف الدكتور كريم بيطار، ثم كلمة مقتضبة لمدير فرع التاريخ – قسم العلاقات الدولية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية كريستيان توتل، قدّم فيها المحاضرة.بعدها ألقى الدكتور هنري العَويط كلمة، نوّه فيها بمسيرة برتران بادي الأكاديمية اللامعة التي امتدّت على أربعة عقود ونيّف، وبسجلّه التأليفي الحافل بأمّهات الكتب التي غدت مراجعَ معتمَدة، والتي تربو على الثلاثين، مشيرًا إلى أنّ علاقته بلبنان، وبالعالم العربي عمومًا، هي علاقة راسخة وحميمة، مسلّطًا الضوء على ما يمتاز به هذا المثقّف الملتزم، المؤمن بالقِيم الإنسانية النبيلة، المتعاطف مع شعوبنا والمؤيّد لقضايانا العادلة، وفي مقدّمها القضية الفلسطينية، مؤكّدًا أن مواقف بادي تتّسم بالقوّة والجُرأة، وهذا ما نتبيّنه في كتابه الأخير "عندما يُعيد الجنوب اختراع العالم"، الذي ترجمه الدكتور جان ماجد جبّور. ثمّ عدّد المسوّغات التي حملت مؤسّسة الفكر العربي على نقل هذا الكتاب إلى العربية، وعرض أبرز ما يتضمّنه من أفكار وما يتّسم به من خصائص.وألقى بادي محاضرة تناول فيها التيّارات الشعبوية والقومية، التي تشهد حاليًا تناميًا ملحوظًا، مستعرضًا مسيرة نشوء وتطوّر مصطلح الشعبويّة والجذور التاريخيّة للتيّارات الشعبويّة المعاصرة. وأوضح أنّ الشعبويات ليست عقيدة بل عقائد، وغالبًا ما تكون متباينة ومختلفة، وهي ليست سياسة عامّة ولا نظامًا سياسيًا، بل تشير إلى وضع مأزوم ومَرَضي، ويمكننا أن نسعى إلى تحديد هذه الأعراض الشعبوية المرضية، ولكنّنا لا نعني بذلك أن الشعبويين هم مرضى، لكني أقول إنّ التحرّكات الشعبوية تعكس حالة مرضية.ورأى بادي أنّ أحد الإشكاليات الأساسية هي وجود أزمة على مستوى الوعي بين مجموعة اجتماعية وبين مؤسّساتها والجهات التي تقوم بإدارتها، لأنّه لا يمكن لأيّ حركة سياسية أن تنجح من دون وجود ثقة، وعندما تتهاوى الثقة إلى مستويات متدنّية نشهد أزمة على مستوى المنظومة السياسية، وعندما تصل الثقة الى مستويات متدنّية جدًا، نتحدّث عن جانبين أساسيين للمؤسّسات بات مطعونًا بهما: المشروعية والمصداقية.وأكّد أنّ أزمة المشروعية تسمح بدراسة الآليات المولّدة للأوضاع الشعبوية الثلاثة: ونحن هنا نتحدّث عن التخريب، وعن مؤسّسات فُرضت علينا لا نفهمها ولا نعرف بشكل جيد كيف تعمل، وعن الوضع المرتبط بالإقصاء وبالإذلال، لافتًا إلى أنّ هذه هي الآليات النقدية التي نتناولها على مستوى المشروعية. أمّا المصداقية فهي مجال أقلّ استكشافًا ولم تحظَ حتّى الساعة بدراساتٍ وافية، لكنّ القصور في المصداقية يعتمد على مركزين: الأول هو ذات طبيعة اقتصادية وتوفير الحدّ الأدنى من الأمن الاقتصادي بحسب مفهوم هوبس، والثاني له بعد آخر مرتبط بالحماية من الخارج، وهنا نفتح علبة الآحاجي لنتحدّث عن واقع العالم عمومًا وعن أوروبّا بشكلٍ خاص.وعقّب الدكتور ناصيف حتي سفير جامعة الدول العربيّة السابق ومدير المعهد العالي للعلوم السياسيّة والإداريّة في جامعة الروح القدس – الكسليك، على كتاب بادي، فأكّد على أهمّية التساؤلات التي يطرحها فيه والتي يفترض التعامل معها بفاعلية، مثل مفهوم السيادة التي صارت في أحد أبعادها تعني السيادة الهوياتية لجماعة معيّنة يُعبّر عنها التقوقع والإنغلاق، ومفهوم الإقليم الوطني الذي يشكّل تحدّيًا بعد أن فقدت الحدود معناها وقوّتها في زمن الاتصال والتداخل والثورة التكنولوجية، وكذلك في ما يتعلّق بمفهوم الهيمنة كما كان سائدًا في الماضي. ورأى أنّ كتاب بادي يقدّم مقاربة شاملة للتحوّلات والتحدّيات في نظام عالمي في مرحلة التبلور، ويُسهم في فهم وتفكيك المسار التاريخي للنظام العالمي في مراحله وأشكاله وإشكالياته، مع نظرة مستقبلية حاملة للكثير من التساؤلات، كما أنّ الكتاب هو بحثٌ ليس فقط في قوّة الضعف، بل وفي ضعف القوّة أيضًا بمفهومها التقليدي. ورأى أنّنا نعيش في عصر إحياء هويّاتي، أيّ عصر الهويّات الأوّلية العائدة بقوة، "هويات قاتلة" ومتقاتلة، بعضها يخاف من الحاضر وبعضها الآخر يخاف من المستقبل، والكلّ يستقي ويعزّز مخاوفه من تجارب الأمس، كما أنّنا نعيش صدام فوبيات وأصوليات وحالات مختلفة، منها الطائفي والمذهبي ومنها القومي وغيرها. ولفت إلى أنّ كتاب بادي يذكّرنا بفشل عملية إنهاء الاستعمار إذ لم تتمّ عملية بناء الدولة الوطنية، وهذه هي إحدى الإشكاليات الرئيسة في العالم النامي اليوم، إذ إنّ مأساة هذه الأنظمة تكمن في غياب مؤسسة السلطة لمصلحة "ثلاثية" شخصنة السلطة وتسييس الاقتصاد ومصادرة الإجتماع، محذّرًا من انتشار الدول الفاشلة، ومن تحوّل الدولة الوطنية إلى مسرح لصراعات وحروب مختلفة مترابطة ومتداخلة كما يشهد العالم العربي حاليًا.بعد ذلك دار حوار ونقاش بين الحضور والمحاضر، أعقبه توقيع كتابه "عندما يعيد الجنوب اختراع العالم".

مشاركة :