إعداد: بنيمين زرزورعلى الرغم من أن الظروف الاقتصادية التي سبقت عهد كل من الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، والرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، كانت مختلفة تماماً، إلا أن تعامل كلا الرئيسين مع القضايا الاقتصادية الملحة جاء بالصيغة تماماً، وهي التركيز على ثلاثة محاور: التخفيضات الضريبية، والإنفاق السخي، وتخفيف القيود المالية.وفي كلتا التجربتين، استجاب الاقتصاد للحوافز كما هو متوقع، في صيغتين رئيسيتين هما تنشيط أسواق الأسهم وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي. بالنسبة إلى ترامب، تحققت النتائج الجيدة المتعلقة بالبطالة والناتج المحلي الإجمالي والأسهم بسرعة، لأن الظروف الاقتصادية كانت أكثر ملاءمة عندما تولى مهام منصبه، بالمقارنة مع الظروف التي سبقت تولي بوش منصبه.وقد سنحت للرئيسين الفرصة نفسها، وهي ترسيخ متانة الوضع المالي العام. ومن هنا فإن ما حدث في عهد بوش قد يساعدنا على معرفة ما سيأتي في السنوات القليلة المقبلة.عندما تولى بوش منصبه، كان هناك تباطؤ في الاقتصاد، وكانت مؤشرات الأسهم والأوراق المالية على مسار هبوطي. أما معدلات البطالة فكانت منخفضة، ولكنها تتجه صعوداً.كما تراكمت لبوش فوائض في الميزانية على مدى أربع سنوات من عهد الرئيس بيل كلنتون بين عامي 1998 - 2001. ونتيجة لذلك، تقلص الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بشكل سريع، لدرجة أن الاقتصاديين أبدوا تخوفهم من انهيار محتمل لسوق السندات الأمريكية. وفي عام 2001، بلغ الدين العام 54.8% من الناتج المحلي الإجمالي.أما الرئيس ترامب، فقد ورث اقتصاداً مختلفاً جداً حيث انخفض معدل البطالة إلى 4.4% في عام 2017 مقارنة مع أعلى مستوى له في عام 2010 عند 9.6%- وسط توسع اقتصادي طويل الأمد، وإن كان بمعدلات نمو أقل من متوسط معدلات ما بعد الحرب العالمية الثانية. وانخفض العجز في الموازنة من 1.4 تريليون دولار إلى نحو 650 مليار دولار، مع استمرار التوسع في الاقتصاد. ومع ذلك، بلغ الدين العام 104.8% من الناتج المحلي الإجمالي. تأثير بوش بعد أن تولى بوش منصبه، كانت هناك تخفيضات ضريبية لكنها موزعة على مراحل، وعلى مدى ثلاث سنوات، من 2001حتى 2003، ما أسفر عن خفض معدلات الربحية على جميع المستويات. وفي الوقت نفسه، زاد الإنفاق الحكومي كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، الذي بدأ بنسبة 17.7% في عام 2001 وحتى نهاية ولايته، وبلغ ذروته عند 24.4% في عام 2009، وهي آخر ميزانية أعدتها إدارته.وكان النمو الاقتصادي بطيئاً لمدة عامين، ثم ارتفع في السنة الثالثة من التخفيضات الضريبية، حيث بلغ إجمالي النمو في الناتج المحلي 2.9%. في الوقت نفسه، انتقلت الميزانية بسرعة من الفائض إلى العجز. وبحلول عام 2004، ارتفع العجز إلى 412 مليار دولار، وهو أقل من نصف تريليون دولار الذي صمد فوقه منذ آخر فائض في عام 2001.وبحلول عام 2004، بلغ النمو الاقتصادي 3.8%. ووصل الاقتصاد إلى ذروة أدائه في الوقت المناسب تماماً للرئيس، الذي كان موقفه ضعيفاً بسبب قراره المثير للجدل بغزو العراق في العام السابق.خلال هذه الفترة، ساد شعور عام بالامتعاض حيال القيود التنظيمية في معظم قطاعات الاقتصاد، خاصة القطاع المالي وقطاع الطاقة، وعلى صعيد المعايير البيئية أيضاً. وكتبت صحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر/ أيلول 2008. «البيت الأبيض، من وجهة نظر منتقديه، رعى منزلًا في السوق الحرة ترعرع فيه المقترضون، وتجاهل تجاوزات البنوك وسماسرة الرهن العقاري، وترك مهمة ضبطهم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي أظهر في ظل آلان جرينسبان، رغبة محدودة لتشديد القيود».ثم تهاوى الاقتصاد، ما أدى إلى أسوأ ركود منذ الكساد العظيم. وبحلول عام 2009، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5%، وقفز معدل البطالة من 5.8% إلى 9.3% في عام واحد. وانتهت إدارة بوش بعجز قدره 1.4 تريليون دولار، 9.8% من الناتج المحلي الإجمالي.ثم اضطرت الحكومة لإنقاذ البنوك في عام 2008، واستخدمت إدارة أوباما الجديدة المزيد من الحوافز «التقليدية» لوقف الانهيار بحلول عام 2010. مسار ترامب الماليفي عام 2017، بعد مرور ثماني سنوات على تنفيذ سياسات الرئيس باراك أوباما، التي كان معظمها قيد التنفيذ، وقبل أن تلعب أي من سياسات ترامب دورها في تنشيط الاقتصاد، بلغ معدل النمو 2.2%. كما ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.9% في عام 2018.واعتمد تحقيق هذا النمو «الإضافي»، على موجة جديدة من التحفيز التقليدي. وهبطت الضرائب الفيدرالية من 17.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 إلى 16.5% في عام 2018، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 16.1% في عام 2019. وانخفض الإنفاق قليلاً في عام 2018 إلى 20.3% من الناتج المحلي الإجمالي من 20.7% في عام 2017، ولكنه سيقفز إلى 21.3% في عام 2019.والنتيجة النهائية هي أن سياسات ترامب أدت إلى عام واحد من النمو الإضافي المتواضع، لكن تكلفتها كانت زيادات كبيرة في العجز الذي ارتفع من 665 مليار دولار في عام 2017 (3.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، إلى 779 مليار دولار في عام 2018، العام الذي شهد أول ميزانية تعدها إدارة ترامب، وكانت نسبة العجز 3.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وسيرتفع إلى 1.1 تريليون دولار في عام 2019 أي 5.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.ويعكس عجز الموازنة بنسبة 5.1% في اقتصاد معدل البطالة فيه 3.9% تنافراً في العلاقة بين الأرقام. وقد أشار مدير مكتب الميزانية في الكونجرس، كيث هول، في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني، إلى أن ارتفاع نسبة العجز يعني أن المشرعين سوف يفقدون القدرة على استخدام سياسات الضرائب والإنفاق للاستجابة للتحديات غير المتوقعة. وهذا يعني أيضاً توفير أموال أقل للاستثمار في التعليم والبنية التحتية التي تحقق نمواً طويل الأجل.وإذا كان الديمقراطيون وترامب عازمين على أن يصبح الاستثمار في البنية التحتية بقيمة تريليوني دولار حقيقة واقعة، فقد يتعين على ترامب التراجع عن جزء كبير من التخفيض الضريبي لعام 2017. 771 ملياراً ذروة العجز التجاري في عهد بوش ينطبق التشابه بين بوش ترامب على العجز التجاري أيضاً. فقد شهد عهد بوش الابن ارتفاع العجز التجاري من 375 مليار دولار في عام 2001 إلى 619 مليار دولار في عام 2004 (وبلغ ذروته عند 771 مليار دولار في عام 2006). فمنذ البداية، تعهد ترامب بتنفيذ استراتيجية تجارية لمصلحة المصدرين الأمريكيين على حساب المستوردين، بدعوى تقليص العجز التجاري.وحتى الآن، لم تحقق هذه الخطة أياً من أهدافها. فمنذ عام 2016، ارتفع العجز التجاري في مجال السلع والخدمات بشكل مطرد من 521 مليار دولار إلى 625 مليار دولار في عام 2018، مع وجود عجز قياسي في مجال السلع عند 891.1 مليار دولار. ومن المتوقع أن يكون العجز التجاري لعام 2019 أعلى من ذلك. ويبدو أن سياسة ترامب المضادة للتجارة الحرة لم تكن أفضل من سياسة بوش للتجارة الحرة عندما يتعلق الأمر بالعجز التجاري. هل يعيد التاريخ نفسه؟ إن مجرد وجود أوجه تشابه بين السياسات الاقتصادية والنتائج في الفترة المبكرة من رئاستي بوش وترامب لا يعني أن التاريخ سوف يعيد نفسه. لقد ورث ترامب اقتصاداً أقوى وديناً وطنياً أكبر مقارنة مع ما ورثه بوش، وقد تؤثر تلك العوامل في أداء ترامب على المدى الطويل. لكن إذا تبين أن سجل ترامب الاقتصادي مشابه لسجل بوش، فلا داعي للاستغراب. رفع القيود.. يتباهى ترامب بإلغاء 22 قراراًهل يُنشّط رفع القيود تحت إشراف ترامب أداء الاقتصاد؟ جاء في تقرير للمجلس الأمريكي لإدارة الثروات أن «سن القوانين الجديدة تحت إدارة دونالد ترامب كان أقل بكثير مما لوحظ خلال إدارتي باراك أوباما وجورج دبليو بوش».ولاحظت المجموعة أيضا أن تأثير تخفيف القيود يمكن أن يكون أسرع على مدار العامين اللذين أمضاهما ترامب في الإدارة، لولا بطء إجراءات التقاضي في المحاكم.ويتباهى ترامب بأن إدارته تلغي 22 قراراً تنظيمياً مقابل كل قرار تصدره. وبصرف النظر عن دقة هذه الأرقام، لا يعتبر عدد القرارات الملغاة مقياسا لتخفيف القيود، بل مدى فاعلية تلك القرارات في الموازنة بين التكاليف والمكاسب. وبغض النظر عن الحكمة وراء تلك الاستراتيجية، يرحب سوق الأوراق المالية بالبيئة الاقتصادية الأقل تشددا، على الرغم من الآثار السلبية المحتملة على البيئة والمخاطر المالية التي تنتج عن تخفيف القيود.وهناك مخاوف على المدى البعيد. فقد لاحظت صحيفة «واشنطن بوست» ارتفاع معدلات الإقراض المحفوف بالمخاطر. وجاء في تقرير صدر عن وحدة «إس أند بي جلوبال ماركت انتلليجانس»: بلغت قيمة القروض التي منحتها البنوك والشركات المالية 1.271 تريليون دولار خلال عامي 2017 و 2018، بزيادة بنسبة 40 في المئة عما كانت عليه في عامي 2015 و 2016. ومنحت نسبة 80 في المئة من القروض التي تم تقديمها في عام 2018 بدرجات قيود أقل على المقترض وشروط أكثر مرونة فيما يخص حماية حقوق المقرضين في حال تعثر السداد.
مشاركة :