«دكان – سوبر ماركت - محل سمانة»، هي الخيمة التي تستقبل زائر المخيم «053» للاجئين السوريين في البقاع اللبناني، والذين أتوا في معظمهم من قرى ريف حلب والرقة ودير الزور وحمص. موقعها «الاستراتيجي» يعكس نفوذ صاحبها والوجاهة التي يتمتع بها، وتتجاوز صفة اللجوء. يقول ابنه البالغ من العمر 15 عاماً إنه ولد في لبنان، أي أن إقامة العائلة تسبق الحرب السورية، ما يعطيها حظوة لإدارة شؤون المكان المؤلف من 72 خيمة تضم ألف لاجئ. الخيم بغالبيتها تحمل شعار المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، الحاضرة بقوة على ألسنة السكان بتسمية «الأمم». ويعيش في منطقة البقاع بشرق لبنان العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، إذ يصل عددهم إلى 400 ألف لاجئ وفق تقرير للمفوضية. كما أن «88 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان يريدون العودة إلى بلدهم والأسباب التي تجعلهم يتريثون في ذلك لا تتعلق بصورة أساسية بمسألة الحل السياسي ولا بمسائل إعادة الإعمار، بل بإزالة عدد من العوائق العملية، ومنها مخاوف تتعلق بالممتلكات ووثائق الأحوال الشخصية ووضعهم القانوني في بلدهم»، بحسب المفوضية. للمخيم مسؤول أو «شاويش»، كما هي التسمية التي يكتسبها من يشكل صلة وصل بين المخيم والعالم الخارجي المحيط به. شقيق صاحب الدكان أحمد طالب يتولى هذه المهمة. وهو يؤكد صعوبة العودة إلى سوريا في المرحلة الحالية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الخوف الذي يمنعنا من العودة ليس فقط من الحرب أو النظام، بل من أولاد الحرام الذين يعدون تقارير كاذبة يتهموننا فيها بالإرهاب ويتسببون باعتقالنا. مع أنني لم أقم بأي نشاط سياسي يزعج الدولة. لكننا أرغمنا على الرحيل، وتحديداً بعد مقتل أحد أولادي في القصف». وأضاف أن «كل شيء متوفر في المخيم، الأمم المتحدة تساعدنا. نعمل أحياناً في السهل. يوميتنا 6 آلاف ليرة لبنانية»، أي أربعة دولارات. ويقول أحد الأطفال إن «الطيران أرغمنا على الرحيل. كنا نختبئ في الحقول وسط كومات الشعير والقمح وفي الخنادق». لتعود وتعقب عائشة من قرية خناصر في ريف حلب: «عندما لم يعد الوضع يحتمل، ركبنا في الباص وجئنا إلى البقاع عام 2013». زوج عائشة توفي في لبنان بعد التهجير، وواجهت صعوبة في دفنه «لأن المقابر اللبنانية لا تستقبل الموتى السوريين، فكان أن اشترى سوريون ميسورون قطعة أرض وبدأنا ندفن موتانا فيها». وهي تخاف العودة إلى سوريا، إذ أن المستقبل أصبح غامضاً بوفاة زوجها، وتقول: «هنا أمان، عندما يعود الأمان إلى قريتنا ويعمروا لنا بيوتنا نروح. كنا نزرع أرضنا بالقمح والكمون ونعتاش منها. ماذا سنفعل إذا لم نسترجعها؟». أما أحمد فاختار لبنان «لأنني كنت أعمل هنا منذ العام 1979 إلى العام 2003 كعامل زراعي. بعد ذلك أنهيت خدمتي العسكرية في سوريا وتزوجت وبدأت أعمل في حلب. وعندما اندلعت الحرب، لجأت إلى لبنان لأن الناس تعرفني وأعرفها واصطحبت معي الأقارب والجيران. وإقامتي في لبنان نظامية عبر الأمم المتحدة». وأضاف: «عندما وصلنا كان الوضع سيئاً جداً، لذا عدت إلى العمل في الزراعة». وأحمد هو أب لـ19 ابنا وابنة، تزوج ثلاث مرات، زوجته الأولى توفيت. أكبر أولاده عمره 19 سنة، يعمل في شركة لتعبئة المياه. وقد زوَّجه وأفرد له جانبا من خيمة زوجته الثانية التي تنام في جانب آخر مع 12 ولداً. ستة من الأولاد التحقوا بالمدرسة. ولديه ابن في الثانية عشرة يعمل مع ميكانكي يدفع له خمسة آلاف ليرة أسبوعياً (3.5 دولارات). يوزع عائلته على ثلاث خيم، وضع على جدران إحداها ورق لاصق مزين، يستقبل فيها ضيوفه. يقول إن إقامته شرعية ولم يزر سوريا منذ العام 2013. الأمم المتحدة تدفع له مقابل كل شخص في العائلة 27 دولاراً، ومرة أو مرتين في العام يتلقى من إحدى الجمعيات صندوق مؤونة. في الشتاء تدخل المياه إلى الخيم. ومشكلة النفايات واضحة للعيان، ترمى في قناة عند مدخل المخيم. تقول امرأة عجوز: «نحن نجمع نفاياتنا ونرميها في المكب، لكن البعض لا يعرف أصول النظافة ويستغل الليل ليرمي نفاياته في القناة». الأمم المتحدة تؤمّن للمخيم المياه للخدمة ويشتري اللاجئون مياه الشرب. أما الكهرباء، فيقول أحمد إن «الاشتراك في المولد يكلف شهرياً 100 دولار. في حين يبلغ إيجار الخيم الثلاث التي أقيم فيها مع عائلتي 2000 دولار سنوياً. مساحة أرض المخيم 16 ألف متر مربع، يتقاضى صاحبها بدل الإيجار البالغ 25 ألف دولار سنوياً. أي أكثر مما يمكن أن يحصل عليه إذا زرعها». ويؤكد أحمد أن «سكان المخيم يتجنبون المشاكل مع الجيران اللبنانيين، لكن الأمر لا يخلو من بعض الإشكالات. نسمع من يشتمنا بآذاننا ولا نرد. يتهموننا بأننا سبب العجز في الكهرباء في حين أن وضعها عاطل منذ العام 1979. بالكاد كانت تأتي ست ساعات يومياً. وأحياناً أقل. ومشكلتها ليست وليدة اليوم». ويضيف: «اللبنانيون يشكون من منافسة أصحاب المتاجر السوريين المنتشرة مؤسساتهم في البقاع بعدد كبير. هم ينافسون اللبنانيين. لكننا كعمال زراعة نفيدهم ولا نضرهم، لأنهم بحاجة إلينا». ويشير إلى «بعض حالات الاعتداء على المخيم، وبالسلاح أحياناً، وغالباً ما نواجه رصاص المعتدين بالحجارة، والقوى الأمنية لا تتدخل إذا اتصلنا بها. مع أن مخابرات الجيش وفرع المعلومات والبلدية وأمن الدولة والأمن العام، يأتون فرادى ويجرون إحصاءات للناس في المخيم أربع أو خمس مرات في السنة. لا أحد من الأحزاب يقدم مساعدات أو يقوم بإحصاء اللاجئين أو يدرس أوضاعهم. بعض الجمعيات يساعد بتأمين النقل للتلاميذ. ففي المخيم أكثر من 100 تلميذ يذهبون إلى المدارس».
مشاركة :