غيوم كثيفة فوق سماء الشرق الأوسط.. ولكن؟

  • 5/13/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الحقيقة الأقرب إلى الحدوث هي أن السحب المتراكمة فوق سماء الشرق الأوسط ستمطر أولاً فوق طهران قبل أي مكان آخر.. إما بالتنازل وإما بالانتحار من قبل النظام الإيراني.. دائما ما كان الشرق الأوسط منطقة لا يمكن تجزئة أحداثها، فهي منطقة ذات تأثير متبادل في كل ما يحدث فيها، سواء كانت تلك الأحداث سلبية أو إيجابية، هذه الميزة النسبية لمنطقة الشرق الأوسط مقلقة في مجمل الأوقات، وتسهم في رفع التوتر بكل درجاته، من حيث تعاطي وفهم الأحداث التي تمر بها هذه المنطقة، وقبل الدخول إلى محاولة تفسير مباشر لسماء الشرق الأوسط التي تتلبد بالغيوم هذه الأيام، لا بد من وضع الصورة الدقيقة التي يتمتع بها الشرق الأوسط في الجسد العالمي. منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للعالم من حولها تقع في العمود الفقري، وهي الغضروف السياسي الذي يفصل بين فقرات العمود الفقري السياسي الدولي، وأي مشكلة في منطقة الشرق الأوسط هي في حقيقتها التهاب حاد في القيم السياسية الدولية، وكما هو معروف فإن الالتهابات الحادة حلولها لا تخرج عن مسارين: إما أن يكون العلاج بالمضادات الحيوية ومن ثم تتماثل إلى الشفاء، وإما عمليات جراحية تستأصل الأزمة من جذورها، وهذا التصور الذي أعتبره دقيقا حول صيغة الشرق الأوسط ومدلولاتها الجيوبولتيكية، يمكن دعمه بكثير من الأدلة. أولا: منطقة الشرق الأوسط منطقة تجمع ديانات عالمية سماوية منذ آلاف السنين، ولذلك فهي منطقة تعاني النشاط الروحاني التاريخي الكثيف والمؤثر في أنشطتها. ثانيا: الشرق الأوسط يمتلك الطاقة الدولية التي تسهم في الحركة السياسية والاقتصاد العالمي، وهذا ما جعل هذه المنطقة تمتلك نسبة كبيرة من مقومات الحياة للعالم من دون منافسة. ثالثا: منطقة الشرق الأوسط تمتلك المفاصل الجغرافية الدولية، فهي منطقة تتحكم فعليا في أهم الممرات المائية في العالم، وأهم الثروات، رابعا: التاريخ البشري متشبع في هذه المنطقة ومتداخل، لذلك فإن أي محاولة للتطوير أو التغيير في الهيكليات السياسية أو الاقتصادية في دول هذه المنطقة تعتبر عملية شديدة التعقيد ومعرضة للفشل في كثير من الأحيان. إذن؛ هذه المنطقة ليست من المناطق التي توجد أزماتها على السطح السياسي، فهي منطقة تتجذر أزماتها بعمق آبار البترول فيها أو بعمق الأديان والحركات الدينية التي تسبح في بحارها التاريخية. التصور القائم هذه الأيام للمنطقة التي تدق فيها طبول الحرب، يثير كثيرا من الأسئلة الدقيقة حول المعنى الحقيقي من إثارة هذه العواصف السياسية الرعدية، فهل وصلت إيران فعليا إلى درجة من الخطورة تجعلها مادة خطرة قابلة للاشتعال الآن؟ هل فكرة الانتحار السياسي الإيراني ضد أميركا شكلت الصورة الخارجية لهذه الأزمة التي استدعت حضور هذا الكم الهائل من القوة الأميركية التي قررت أميركا بعثها إلى الشرق الأوسط؟ حيث اتخذ القرار لإرسال هذه القوات في مسافة زمنية لم تتجاوز 72 ساعة حتى صدرت توجيهات البيت الأبيض بالتحرك لهذه القوة الضاربة. تقييم أميركا وتسبيبها لوجود هذا الكم الهائل من العتاد الحربي ونشر الصورايخ إذا ما ربطناه بالأزمة الإيرانية مباشرة، فهو شكل طبيعي من استعراض القوة لهدف أساس هو تركيع النظام الإيراني لخيارات السلام في المنطقة وليس أكثر؛ لأن احتمال المواجهة العسكرية ما زال بعيدا سوى أن يلجأ النظام الإيران إلى محاولة الانتحار السياسي، عبر المساس بأي من المصالح الأميركية في المنطقة. أميركا تريد اتفاقا جديدا مع إيران لا يشاركها فيه أي من دول أوروبا، وهذا ما قد يحدث قريبا، ولن يوقف هذا الاتجاه سوى أن يفشل الرئيس الأميركي في الحصول على فترة رئاسية ثانية، وهناك ستنشأ أزمة جديدة بمعايير مختلفة. إيران ستستخدم كل أوراقها وتهديداتها، سواء فيما يخص الاتفاق النووي وتحديدا في جزئه الأوروبي المتبقي عبر التهديد بالانسحاب الكلي من هذا الاتفاق، أو في استفزاز القوات الأميركية في مضيق هرمز؛ حيث يمكن لإيران أن تتحرش بالنسر الأميركي، ولكنها لن تأمن العواقب. سحب الشرق الأوسط المتراكمة تدل على أن الرئيس ترمب يجزم بأن إيران أصبحت بالونا سياسيا مليئا بالأزمات، ويمكنه الانفجار في أي لحظة، كنتيجة للأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية. لذلك فإن وجود هذه القوات الأميركية في هذه المنطقة الحساسة يشكل محاولة جادة لتفادي الآثار الممكنة في حال حدوث انفجار للبالون الإيراني نتيجة تفاعلات سياسية داخلية، يمكنها أن تنقل معركة التحول الإيراني إلى مواقع أبعد من حدودها الجغرافية، ومع ذلك فإن الحقيقة الأقرب إلى الحدوث هي أن السحب المتراكمة فوق سماء الشرق الأوسط ستمطر أولاً فوق طهران قبل أي مكان آخر.. إما بالتنازل وإما بالانتحار من قبل النظام الإيراني.

مشاركة :