يواصل الجيش السوري بدعم من روسيا عملياته العسكرية في ريف إدلب الجنوبي والمناطق المحيطة، وسط حالة من الارتباك في صفوف الفصائل الجهادية التي تسيطر على المنطقة، خاصة وأن الموقف التركي يبدو ضعيفا جدا. وتحاول الفصائل جاهدة وقف التقدّم الذي يحرزه الجيش، في ظل خشية من أن تجد نفسها أمام سيناريو مشابه للغوطة الشرقية، حينما تعرضت لخديعة من القوى الداعمة لها وفي مقدمتها قطر وتركيا. وكانت الفصائل في الغوطة الشرقية قد راهنت على داعميها الأتراك والقطريين للتصدي للعملية العسكرية التي بدأها الجيش في 5 فبراير 2018، خاصة وأن المنطقة تكتسي أهمية كبيرة لجهة وقوعها على تخوم العاصمة دمشق، فضلا عن كونها مدرجة ضمن اتفاق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه بين تركيا وإيران وروسيا ضمن مسار أستانة في العام 2017. ومع تقدم القوات الحكومية عبر تقسيم المنطقة إلى كنتونات لعبت تركيا وقطر آنذاك دورا رئيسيا في إضعاف الفصائل، من خلال رعايتها لمفاوضات بين كل فصيل على حدة والمستشارين الروس، فكان أن انفرط عقد قوى المعارضة وقبل الواحد تلو الآخر بالاستسلام والانسحاب إلى إدلب. ويرى مراقبون أن الشك بدأ يتسرب للفصائل الجهادية في إدلب وسط خشية من أن تتخلّى تركيا عنها في حال أصرّت موسكو على استمرار العملية العسكرية في المنطقة، حيث أن أنقرة ليست في وارد مواجهة القوة الروسية.وتحدث مسؤولون أتراك عن اتصالات بين موسكو وأنقرة للتوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء عملية إدلب بيد أنه حتى اللحظة لم يتم التوصل إلى ذلك. ويتعرّض ريف إدلب الجنوبي وريفي حماة الشمالي والغربي، لقصف كثيف منذ نهاية أبريل الماضي، يشنّه الجيش مع حليفته موسكو. وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) مع فصائل جهادية على القسم الأكبر من محافظة إدلب، التي تعدّ إلى جانب أرياف حلب الغربي وحماة الشمالي واللاذقية الشمالي الشرقي آخر معاقل الجهاديين في سوريا. واقتصرت تركيا منذ تصاعد العمليات العسكرية في ريفيْ إدلب وحماة على التنديد والاستنكار، فيما أخلت نقاط المراقبة التي أنشأتها خلال الأشهر الماضية بناء على اتفاق سوتشي الذي لم يُنفذ منه سوى هذا البند، في إشارة إلى أنها لن تزج بقواتها في مواجهة قد تكلفها الكثير. ويقول مراقبون إن وضع الفصائل المعارضة والجهادية في إدلب جد صعب، حيث أنه دون الدعم التركي فإنها لن تستطيع الصمود طويلا، خاصة مع امتلاك القوات الحكومية الغطاء الجوي. وقتل خمسة مدنيين على الأقل بينهم أربعة أطفال الأحد، إثر هجوم شنته الفصائل الجهادية على السقيلبية في شمال غرب سوريا، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) فيما تستمر المعارك بين الجيش وتلك الفصائل. وأفادت وكالة سانا عن “اعتداء المجموعات الإرهابية بالصواريخ على مدينة السقيلبية” الخاضعة لسيطرة الحكومة في ريف حماة، مشيرة إلى “استشهاد أربعة أطفال وامرأة”. من جهته قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، إن حصيلة الاعتداء “بلغت ستة مدنيين، بينهم خمسة أطفال قضوا إثر إطلاق صواريخ” من المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام الجهادية. وشهدت إدلب وجوارها هدوءاً نسبياً منذ توصل موسكو حليفة دمشق وأنقرة الداعمة للمعارضة إلى اتفاق في سبتمبر، نصّ على إقامة منطقة “منزوعة السلاح” تفصل بين مناطق سيطرة الحكومة والفصائل، لكن هذا الاتفاق بقي مجرد حبر على ورق. واتهمت الحكومة السورية مرارا تركيا بالمماطلة في تنفيذ الاتفاق لكسب الوقت، وبدا هذا الأمر واضحا خاصة حينما منحت أنقرة هيئة تحرير الشام الضوء الأخضر في ديسمبر لوضع يدها على كامل المنطقة، بدل دفعها للانسحاب إلى حدودها وفق اتفاق سوتشي. ويقول محللون إن روسيا راهنت على سياسة الصبر الاستراتيجي في تعاطيها مع تركيا لكن يبدو أن توجه أنقرة مجددا للولايات المتحدة وبروز ملامح اتفاق جعل موسكو تفقد صبرها وتعطي الضوء الأخر لدمشق للتحرك عسكريا. وصعّدت دمشق منذ فبراير وتيرة قصفها لإدلب وجوارها قبل أن تنضم الطائرات الروسية إليها لاحقاً. ومنذ نهاية أبريل، بلغت وتيرة القصف حداً غير مسبوق منذ توقيع الاتفاق، لترتفع بذلك حصيلة القتلى إلى 118 مدنيا بينهم 21 طفلاً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأحصى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الفترة الممتدة بين 29 أبريل و9 مايو نزوح أكثر من 180 ألف شخص جرّاء القصف، مشيراً إلى أن التصعيد طاول 15 منشأة صحية و16 مدرسة و3 مخيمات للنازحين. وعلّقت منظمات إغاثية عدة، بينها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أنشطتها في مناطق التصعيد، وفق ما أفادت الأمم المتحدة. وأفاد برنامج الأغذية العالمي عن “تعليق توزيع المساعدات لنحو 47 ألف شخص في قرى وبلدات في جنوب وغرب إدلب نتيجة القصف”، مشيراً إلى أن بعض المتعاونين مع البرنامج اضطروا أنفسهم إلى النزوح فيما اُصيب آخرون.
مشاركة :