يبدأ القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر الأربعاء زيارة إلى باريس عقب أيام من تقديم فرنسا لمقترح لوقف إطلاق النار في العاصمة طرابلس. وأكدت الرئاسة الفرنسية الأحد، أن المشير خليفة حفتر سيزور باريس للقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حيث يُنتظر أن يبحث معه التطورات الأمنية والعسكرية، على ضوء العمليات الجارية في محيط العاصمة طرابلس، التي تعكس تقدم الجيش على جميع محاور وجبهات القتال المُرشحة لأن تتسع جغرافيتها خلال الأيام القادمة. وتأتي هذه الزيارة، بعد أيام قليلة من جولة أجراها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج لعدد من العواصم الأوروبية من بينها باريس، وُصفت بـ”الفاشلة” بعدما عجز عن حشد الدعم السياسي للتصدي لتقدم الجيش نحو طرابلس. وتوقع المحلل السياسي الليبي كمال المرعاش أن تتناول زيارة حفتر إلى باريس مسألة وقف إطلاق النار، وشروط الجيش الوطني لوقف المعارك في محيط طرابلس، وخاصة منها تفكيك الميليشيات، وتسليم كل المقرات والقواعد العسكرية التي تحتلها الميليشيات إلى الجيش، وذلك إلى جانب نزع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من أيدي عناصر كل التنظيمات والجماعات المُسلحة.وكان إيمانويل ماكرون قد دعا عقب لقائه بفايز السراج إلى ضرورة وقف غير مشروط لإطلاق النار، في رد ضمني على اشتراط حكومة الوفاق لانسحاب الجيش إلى مواقعه قبل تاريخ 4 أبريل الماضي. وقال المكتب الإعلامي للرئاسة الفرنسية إن ماكرون شدد على ضرورة حماية السكان المدنيين، وقدم مقترحا لتحديد خط لوقف إطلاق النار تحت إشراف دولي. واقترحت الرئاسة الفرنسية إجراء تقييم لسلوك المجموعات المسلحة في ليبيا بالتعاون الوثيق مع الأمم المتحدة وهو ما اعتبر خطوة تكتيكية من باريس لإثبات تخفي حكومة “الوفاق” خلف جماعات فوضوية ومتطرفة. ويشير المقترح الفرنسي إلى وجود توافق أوروبي ودولي على ضرورة وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي للأزمة. وفي حين أبدى الجيش استعداده لوقف إطلاق النار، تضع حكومة الوفاق شروطا يصفها البعض بغير الواقعية كانسحاب الجيش من مواقعه ورفض التحاور مع حفتر مستقبلا. واعتبر كمال المرعاش أن هذه الزيارة “تأتي في وقت دقيق تمر به الأزمة الليبية، وستكون مناسبة لتبديد المخاوف الفرنسية والدولية حول مستقبل ليبيا”. ولم يستبعد المرعاش أن يقدم المشير خليفة حفتر، خلال هذه الزيارة “ضمانات بأنه سيكون حارس الدولة المدنية وبالتداول السلمي الديمقراطي على السلطة، خصوصا بعد الحملة الدعائية المُغرضة التي يقودها تيار الإخوان المسلمين، والتي سوقها فايز السراج خلال جولته الأوروبية الفاشلة”. ويتهم الإخوان حفتر بالسعي إلى عسكرة الدولة واستنساخ مرحلة العقيد الراحل معمر القذافي. ولفت إلى أن هذه الزيارة “يمكن أن تكون مناسبة لبناء علاقات تعاون أوسع مع فرنسا في مجال محاربة الإرهاب والهجرة السرية، وعلى وجه الخصوص في جنوب ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، بالإضافة إلى تعزيز علاقات التعاون بين البلدين في مجالات النفط والغاز والتعاون الأمني والتدريب”. وتؤكد قيادة الجيش الليبي، ومعها الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالله الثني، أن الهدف من عملية “طوفان الكرامة” هو استعادة الدولة، وإحلال الأمن والاستقرار، وتشكيل حكومة مدنية يختارها ويُوافق عليها الشعب، على أن تحترم حقوق الإنسان وأن تكون قائمة على المؤسسات. ورجحت مصادر سياسية ونيابية ليبية تحدثت لـ”العرب”، أن يزور المشير حفتر أيضا، العاصمة الإيطالية روما، للقاء رئيس الوزراء جوزيبي كونتي الذي تتولى بلاده حاليا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، خاصة وأن إيطاليا “ما زالت تتحرك خارج السرب الأوروبي” حيث تعكس عدة مؤشرات أن أوروبا باتت تراهن على الجيش لإعادة الاستقرار إلى ليبيا. ويرى مراقبون، أن جولة فايز السراج الأوروبية، كشفت أن دوره قد انتهى لأن قواعد اللعبة السياسية والعسكرية قد تغيرت، حتى أن النائب البرلماني عن مدينة طرابلس، علي التكبالي، اعتبر أن “تصرفات السراج تدل على وجود ضغوطات تمارس عليه من كل جانب، بالإضافة إلى ابتزازه للتوقيع على الملايين من الدولارات ومنحها للميليشيات”. وفيما شدد التكبالي في تصريحات سابقة على أن “دور السراج قد انتهى لأنه تم وضعه بالمشهد لمرحلة ما وعليه أن يدرك ذلك الأمر”، أكد دبلوماسي عربي تحدث لـ”العرب” طالبا عدم ذكر اسمه، أن المشهد الميداني لمسار العمليات العسكرية سيعرف خلال الأيام القليلة القادمة تطورا “نوعيا من شأنه جعل ساعة الحسم قريبة جدا”.وقال إن الخناق يضيق على عناصر الميليشيات المُسلحة في مُحيط العاصمة طرابلس، و”سيضيق أكثر فأكثر، حيث يُنتظر أن يفتح الجيش الليبي جبهة قتال جديدة ستُفقد تلك الميليشيات هوامش المناورة العسكرية، عبر قطع خطوط الإمداد اللوجستي، وخاصة منها المُرتبطة بمصراتة التي تبقى الداعم الرئيسي لتنظيمات الإسلام السياسي التي حوّلت طرابلس إلى رهينة”. وامتنع عن تقديم المزيد من المعطيات حول تفاصيل وعناوين هذه التطورات المُرتقبة، لكن ذلك لم يمنع بعض الناشطين الليبيين من القول إن الجيش الليبي الذي بدأ يستعد لإحكام سيطرته على مدينة سرت، يعتزم التوجه نحو قطع الإمدادات الموجهة للميليشيات من مصراتة، وبعض المدن الأخرى منها الزاوية وزوارة. وترددت في وقت سابق، معلومات أكدت أن الجيش الليبي يعتزم دخول مدينة سرت خلال الأيام القادمة، غذتها تصريحات لمدير المكتب الإعلامي للقيادة العامة للجيش الليبي، خليفة العبيدي، أكد فيها أن “الجيش جاهز لمعركة سرت”، وذلك في الوقت الذي انتشرت فيه العديد من تشكيلات الجيش على مشارف المدينة. ويُرجح المتابعون لتطورات المشهد الليبي، أن يتواصل الحديث حول هذا الموضوع، خاصة وأن اللواء ركن عبدالسلام الحاسي قائد مجموعة عمليات المنطقة الغربية، سبق له أن أكد أن عملية تحرير طرابلس “تتجه نحو الحسم في ظل تقهقر الميليشيات الخاضعة لحكومة السراج”. وأوضح أن الجيش يتقدم على جميع المحاور والجبهات، وعلى عتبات طرابلس من خلال 8 محاور لإجهاد الإرهابيين والمرتزقة والميليشيات المُرتبطة بأجندات خارجية، والتي اجتمعت في “محور الشر” بهدف عرقلة تقدم القوات المسلحة التي تقوم بدورها الوطني في الدفاع عن سيادة الدولة واستقرار البلاد وأمن المواطن. وعلى وقع هذه التطورات، تأخذ المواجهة أبعادا جديدة، وتضيف إليها جبهات أخرى لتدفع بمعركة تحرير طرابلس نحو منعطف حاسم سيُعيد صياغة الموقف بمعادلات سياسية، وحسابات دبلوماسية بأبعاد إقليمية ودولية.
مشاركة :