دخل الغرب في حوار مع إيران ونتج عنه في العام 2015 توقيع اتفاق نووي بعيدا عن استشارة العرب أو وضعهم في الصورة، خاصة أن عبث إيران وتطفلها خارج حدودها يستهدف المنطقة العربية، وذلك يجعلها معنية بتفاصيل أي اتفاق محتمل أو حوار للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني. فسلاح إيران وتجاربها الساعية لامتلاك أسلحة غير تقليدية المقصود به استهداف أمن منطقة الخليج في المقام الأول. ومع وجود تحالف إيراني تركي قطري فإن المنطقة تغلي وتواجه اختراقا أمنيا يتطلّب التنسيق العربي والموقف الموحد. إننا نلمس كمتابعين للأصداء الإعلامية من داخل إيران وخارجها ما يعكس نوعا من السخونة في ألفاظ التهديد والتصريحات المشتركة بين الإيرانيين والأميركان. وإذا كانت إيران معتادة على استهلاك خطابات التهديد لكي تظهر قوية في الداخل، ولكي تمتص غضب الإيرانيين وتصوّر لهم أنها في حالة حرب دائمة، فإنّ تذبذب التصريحات الغربية وخاصة الأميركية تجعلنا أمام مشهد يتأرجح بين التهديدات، وبين التلويح بالاستعداد لفتح صفحة جديدة مع إيران. وهنا لا بد من التساؤل بشأن الموقف العربي. إذ يكفي أن الاتفاق السابق المشوّه الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب تم دون أي تشاور مع طرف أساسي معني بتهور إيران وعبثها، وهو الطرف العربي والخليجي تحديدا.ورغم الصراخ والأصوات العالية وتحريك القطع العسكرية من قبل الأميركان، إلا أن هناك تبادلا ملحوظا لرسائل الغزل السياسي بين الجانبين، على الأقل من طرف الدبلوماسيين، بل وصل الأمر إلى قيام الرئيس ترامب بالحديث الأسبوع الماضي بكلمات تتضمن الإعلان عن استعداد أميركي لفتح حوار جديد مع إيران ربما يؤدي إلى صياغة اتفاق آخر معها، على أنقاض الاتفاق المنهار. هذا الاستعداد الأميركي يدعونا بإلحاح في الخليج، على وجه الخصوص، إلى استحضار الموقف العربي بقوة، لأن ردع إيران ووقف هوسها بالتسلح يهم الأمن القومي لبلداننا، لذلك لا بد أن يكون الصوت العربي حاضرا في أيّ مفاوضات غربية إيرانية محتملة. ومن خلال تجارب عديدة يلمس المتابع للجدال اللفظي والصراخ الذي يظهر في العلن بين إيران والغرب أن سقف مطالب الدول الغربية والولايات المتحدة من إيران منخفض جدا بالقياس إلى تحفظات الدول العربية المتضررة من التمدد الإيراني. فسقف مطالب الغرب لا يتضمّن ما يحد من وقف تطفل إيران وتحركاتها المشبوهة. الغرب يريد من إيران أن تخضع برنامجها النووي للمراقبة فقط، وهذا هو جوهر خلافهم مع النظام في طهران. بينما تسعى الأخيرة بنشاط إلى العمل على تطوير صواريخ باليستية بالتزامن مع طموحات لتطوير مشروعها النووي، وتهدد بزيادة تخصيب اليورانيوم، كما لم تتوقف وسائل إعلامها بالتلويح بأنها سوف تستمر بتخريب واستهداف أمن المنطقة. وهذا يجعلنا ندق ناقوس الخطر، لأن الغرب سبق أن اتفق مع إيران وقد يتكرر الاتفاق الذي لا يضمن منعها من ممارسة البلطجة الطائفية والمذهبية التي تقوم على أسس أيديولوجية متطرفة دينياً. وبالتالي على أيّ اتفاق جديد مع إيران أن يكون فرصة لفتح ملفات عديدة لا تزال عالقة، لأن طهران لم تستجب للمطالب المشروعة، وفي مقدمتها استعادة سيادة الإمارات على جزرها الثلاث المحتلة. وعندما أنظر شخصيا إلى الاتفاق النووي السابق فإن الاسم المناسب له من وجهة نظري هو اتفاق أوباما الفاشل. لأن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما منح إيران عمليّا فرصة ذهبية لا تستحقها لترميم علاقتها مع الغرب وإنهاء العقوبات ضدها، بل كادت أن تفلح في استعادة أموال مجمّدة وعقد صفقات كبرى وفتح المجال أمام شركات عالمية للاستثمار لإنقاذ الاقتصاد الإيراني المتهالك. فما حدث في عهد أوباما هو أن الإدارة الأميركية عملت على محاولة إنقاذ إيران معنويا وماديا، في حين تم دفن القضايا الأخرى المعلقة مع النظام الإيراني وتركها من دون حل. وخاصة أن الإشكالية تكمن في نظام ديني طائفي متخلف يسعى إلى العبث بأمن المنطقة المحيطة به، والأدهى من ذلك أنه يعتبر التدخل والعبث بأمن الآخرين مهمة دينية مقدسة. ونحن في الخليج والمنطقة العربية عموما نواجه أيديولوجيا دولة دينية تحكم بتعصب، وتجعل إيران من خلال دستورها ونظامها المتطرف تسعى باستمرار إلى شرعنة التدخل في شؤون الآخرين. لذلك كان اتفاق عام 2015 فاشلا ليس من وجهة نظر ترامب فقط، بل إن فشل ذلك الاتفاق السيء يتمثل في كونه لم يوفر ما يضغط على إيران ويحثها على الالتزام بوقف تصدير خرافاتها، إلى جانب ضرورة وقف تجنيدها وتسليحها للعصابات الطائفية في أكثر من بلد عربي، من ضمنها العراق واليمن وسوريا ولبنان والبحرين. ناهيك عن الخلايا النائمة التي يديرها الحرس الثوري الإجرامي عن بعد.الاتفاق النووي الذي فشل ويريد الغرب تجديده بشروط تخص الغربيين وحدهم لم يسقط مطالب العرب فقط، ولكنه منح إيران فرصة للتحايل والتملّص واختبار حدود صبر الدول الغربية، التي اتضح أنها تدلل إيران، وبالذات الجانب الأوروبي الذي كان يسعى إلى توفير آليات وقنوات مالية لمساعدة طهران. حيث جاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عهد ترامب، بينما بقيت الدول الأوروبية تحافظ على شعرة معاوية وتسند الاتفاق المشوّه بوعود جديدة لإيران. إلى درجة أنها شعرت بنوع من الليونة الأوروبية معها وذهب وزير خارجيتها أكثر من مرة في تصريحاته إلى معاتبة الأوروبيين وحثهم على الإسراع بالوفاء بتعهداتهم. لا نريد الآن أن تتكرر إشكالية اتفاق 2015 بين إيران والغرب. فنحن في الخليج نواجه تهديدات إيرانية أصبحت مدعومة باختراق إيران لقطر وتواجدها في جنوب الجزيرة العربية من خلال الذراع الحوثي الذي يستهدف جنوب المملكة العربية السعودية بالصواريخ، وتضاف هذه الساحات ميادين أخرى تستغلها إيران لمحاولة اختراق أمن المنطقة وإثارة القلاقل والحروب وتهديد السلم الأهلي والعالمي، خاصة أننا نتحدث عن منطقة تضخ نسبة كبيرة من النفط إلى السوق العالمية. ولذلك فإن تهديد الملاحة في البحر الأحمر كان يجب أن يدق ناقوس الخطر في الغرب وليس في منطقتنا فقط، لأن نسبة كبيرة من شحنات التجارة العالمية تمرّ عبر البحر الأحمر الذي تهدّد إيران أمنه بالدرجة ذاتها التي تهدّد بها الملاحة عبر مضيق هرمز.
مشاركة :