شنت الصحافة المصرية على مهنة التمثيل أو "التشخيص" كما كان يُطلق عليه في أوائل القرن العشرين، هجومًا عنيفًا، على المهنة التي كانت حديثة العهد، لكنها وصفت بأنها للبلطجية والفقراء والعاطلين؛ ونرى هجوم صحيفة "المؤيد" على الكاتب الكبير "محمد بك تيمور" الذي عشق التمثيل رغم أن "التشخيص هو مهنة البلطجية والعاطلين وأبناء الأسر الفقيرة"، كما جاء في أحد مقالات الجريدة عام 1915.بهذا المقال يفتح الكاتب الراحل مكاوي سعيد في كتابه "القاهرة وما فيها" الحديث عن واحد من أهم عباقرة التمثيل في تاريخ السينما المصرية وهو الراحل "علي الكسار" الذي رغم انطلاقه ونجوميته لكنه رحل عن عالمنا مريضًا راقدًا في واحد من أسّرة الدرجة الثالثة بمستشفى القصر العيني؛ وتناول في موضع آخر من الكتاب قصة أشهر مطربي نهاية القرن التاسع عشر وهما "ألمظ" و"عبده الحامولي" كلًا على حدة، وليس كما يحدث عادة بجمع قصتيهما في حكاية واحدة؛ وأيضًا حكايات عن الشيخ درويش الحريري "شيخ الموسيقيين" في خمسينيات القرن الماضي، وعمالقة الموسيقى في القرن العشرين كالمحلن الكبير محمد القصبجي والشيخ زكريا أحمد والشيخ سيد درويش وذكرياتهما من واقع الأوراق القديمة وأحاديث الصحف.ولا يُمكن الحديث عن القاهرة كذلك دون ذكر السيدة هدى شعراوي، التي يحمل اسمها واحد من أشهر شوارع وسط البلد، صاحبة القصر الذي حمل رقم 2 في شارع قصر النيل وحكايتها مع المطربة فاطمة سري التي أحبها ابنها محمد بك شعراوي وترك في بداية علاقتهما جرحًا غائرًا؛ إلا أن عشق البك للمطربة تكلل بزواج كانت الزعيمة الكبيرة قد واجهته بغضب عارم، ليشتعل صراعًا بين الهانم ذات الصيت الوطني والنفوذ الكبير وبين ربيبة "ملاهي عماد الدين" كما أطلقت عليها، لينطلق الصراع إلى صفحات الجرائد.ومن أبرز حكايات الفن والأدب في قاهرة القرن العشرين كذلك كانت حكاية الزجّال والشاعر الأشهر بيرم التونسي، الذي خاض في عشقه لمصر صراعات بلا نهاية واجه في أغلبها حظًا عاثرًا، بداية من النفي المتكرر بأوامر السلطان فؤاد الذي صار فيما بعد الملك فؤاد الأول، وحتى صراعاته مع أهل الفن وأشهرهم الشاعر أحمد رامي الذي ساندته في المواجهة كوكب الشرق أم كلثوم؛ لكن المنشدة التي قدمت إلى القاهرة مراهقة عُرفت بصوتها الساحر وصارت فيما بعد أيقونة الغناء العربي لم يكن عدائها خالصًا للرجل الذي أرهقته الغربة وقطع التذاكر طيلة حياته، بل كانت أول من نعاه في الخامس من يناير عام 1961 في حفلها الشهري بمسرح الأزبكية، عندما أخبرها القصبجي بوفاته فاغرورقت عيناها بالدموع وأسرعت إلى المسرح لتُعلن وفاته وتغني رائعته "الحب كده"، بدلًا من أغنية "يا ظالمني" التي كانت مُقررة في برنامج الحفل.
مشاركة :