قبل أن تجبره اللجنة العليا للانتخابات على ترك منصبه، فإن أياماً قليلة قضاها أكرم إمام أوغلو على مقعد بلدية إسطنبول، كانت كافية ليضع يده على ملفات فساد رجب أردوغان وعائلته، والديون التي خلّفتها عصابة الحزب الحاكم بتركيا. ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الاثنين، تقريراً حول السلبيات والأزمات والديون التي خلّفها الحزب الحاكم، وواجهها ممثل حزب الشعب الجمهوري، خلال الفترة القصيرة التي قضاها في إسطنبول معقل الرئيس التركي. النظرة الخاطفة وقالت الصحيفة الأمريكية، بحسب موقع "عثمانلي" المهتم بالشأن التركي: إن النظرة الخاطفة القصيرة التي ألقاها إمام أوغلو على ملفات بلدية إسطنبول، مكّنته من الاطلاع على ملفات فساد رجال "أردوغان"، ووجود عشرات السيارات الفارهة تحت تصرف مسؤولي البلدية، وإدراج ملايين الليرات لتخصيص وفرش وتجهيز منازلهم، إضافة إلى إهدار الأموال على خدمات الرفاهية والراحة. معركة التحرير وأضافت: "اطلاع إمام أوغلو على معلومات وتفاصيل عن كيفية إدارة الحزب الحاكم للمدينة الغارقة في الديون، ستعطيه ذخيرة جيدة، يمكنه استخدامها في المعركة السياسية المقبلة، عند إعادة اقتراع البلدية يوم 23 يونيو المقبل"، مؤكدة صعوبة الحملة الانتخابية لإمام أوغلو، الشهر المقبل، فهو يريد تكرار فوزه على بن علي يلدريم رئيس الوزراء السابق، وتحرير إسطنبول من قبضة رجب أردوغان والإسلاميين، الذين سيطروا عليها لمدة 25 عاماً. نزوات ووحل الديون إمام أوغلو الذي وجّه ضربة مهينة لـ"أردوغان"، بعد إقصاء مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدريم، في الانتخابات التي جرت يوم 31 مارس، ووجوده لفترة قصيرة في منصب عمدة إسطنبول، جعله أكثر إصراراً على العودة مجدداً، لوضع حد لفساد الحزب الحاكم، ووقف إنفاق أموال إسطنبول على نزوات رجال الرئيس. وقال أكرم أوغلو في تصريحات نقلتها "نيويورك تايمز" يوم الخميس الماضي: "المشكلة الأكثر أهمية كانت الإفراط في الإنفاق"، وفي إشارة إلى الفترة التي أمضاها في إدارة شركة إنشاءات عائلته، قال: "بما أنني رجل أعمال، فعندما أسير داخل شركة ما، يمكنني بسهولة أن أشعر بالأموال المهدرة". وأضاف: "المدينة كانت غارقة في الديون والإنفاق المفرط، بميزانية قدرها 20 مليار ليرة، وديون تقدر بـ26 مليار ليرة، تفضح سوء إدارة البلدية، في عهد حزب العدالة والتنمية"، وتابع: "يوجد عشرات السيارات تحت تصرف مسؤولي البلدية، وهو ما يكفي لتفشي الفساد بسهولة". سيارة وسخرية وحلفاء وأوضح "أوغلو" أنه رفض استخدام تلك السيارات، واستمر في السفر للعمل مستقلاً سيارته الخاصة، مؤكداً أن ميزانية المنازل المتاحة لعمدة إسطنبول السابق، و13 من رؤساء المقاطعات في البلدية، وصلت إلى ملايين الليرات، ساخراً من تولي مكتب عمدة المدينة 40% من ميزانيتها، فإن 60% من هذه الميزانية تديرها 28 شركة خاصة، أغلبها مملوكة لأنصار وحلفاء "أردوغان". وفسّر مرشح حزب الشعب الجمهوري إصرار الرئيس التركي، ومحاربته للحفاظ على حكم بلدية إسطنبول، بأنه محاولة لحماية مصالحه الخاصة هو وعائلته، وامتيازات المحيطين به داخلها، خاصة أن مكتب عمدة البلدية هو المسؤول عن منح عقود الخدمات، ومن سلطات رئيسها إنهاء العقود المربحة، أو إعادة تخصيصها لجهات أخرى. وعائلة "أردوغان" وكشفت صحف تركية، العام الماضي، دفع بلدية إسطنبول ملايين الدولارات لمؤسسات خيرية يديرها أفراد عائلة "أردوغان"، على الرغم من الديون الطائلة التي تتكبدها البلدية، والانكماش الاقتصادي الذي تعانيه تركيا. استسلام وتحذيرات صحيفة "نيويورك تايمز" قالت إن اللجنة العليا للانتخابات في تركيا تميل إلى صالح "أردوغان"، بعد تصويت 7 من أعضاء اللجنة بالموافقة على إلغاء انتخابات مارس، واستسلامهم لضغوط الحكومة، وصمتهم المريب طوال مداولات المجلس. "العليا للانتخابات" رفضت يوم الثلاثاء الماضي، الالتماسات التي قدّمها حزبا الخير والشعب الجمهوري، اعتراضاً على قرار إلغاء الانتخابات، فيما حذر محللون "أردوغان" من التصميم على الاحتفاظ بسيطرته على إسطنبول، التي تعد مصدراً مهماً للثروة والسلطة السياسية، ومن عواقب اللجوء إلى القمع والاعتقالات. سأعود ثانية إمام أوغلو تقبّل قرار إلغاء الانتخابات برباطة جأش، وأكد أنه سيعود ثانية إلى منصبه، ليستأنف العمل كرئيس للبلدية، ووصف قرار اللجنة العليا للانتخابات بالباطل، ووضع شعاراً لحملته الجديدة وهو "كل شيء سيكون على ما يرام.. كل شيء سيكون جميلاً". لماذا إسطنبول؟ حاول "أردوغان" بسيل من الطعون وحملات التشكيك في مصداقية اقتراع البلديات، منع هزيمته في المدينة المهمة، ورفضت لجنة الانتخابات العُليا بعضها، وقبلت بعضها الآخر، قبل أن تقرر منذ أيام إلغاء فوز إمام أوغلو، وإعادة الانتخابات برمتها يوم 23 يونيو المقبل. وفي تقرير موسع نُشر يوم 2 مايو الجاري، أجاب موقع "المونيتور" الأمريكي عن سؤال يتعلق بأسباب تمسك الحزب الحاكم بإعادة الانتخابات في إسطنبول، مزيحاً الستار عن دور فائق الأهمية لعبته المدينة طوال حكم "أردوغان". الموقع الأمريكي كشف عن شبكة مصالح ضخمة، استفاد منها حزب العدالة والتنمية طوال 17 عاماً من حكم المدينة، موضحاً الدور الذي لعبته مؤسسات وجماعات تتخذ من الدين ستاراً، في تنفيذ مخططات "أردوغان"، للبقاء في السلطة لأبعد مدى ممكن. بحسب الموقع الأمريكي، فإن تمسّك حزب "أردوغان" بإعادة الانتخابات في إسطنبول، يرجع لكونها مصدر قوة ومكانة وثروة كبيرة للرئيس التركي، وعائلته، وحاشيته الحاكمة. وبلغت ميزانية بلدية إسطنبول العام الماضي 42.6 مليار ليرة تركية (7.3 مليار دولار)، وهي أعلى من ميزانية معظم الوزارات الوطنية، كما أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال يذهب إلى الشركات الخاصة التي تستعين بها البلدية لتوفير الخدمات أو مشاريع البنية التحتية، بالتالي يعني التحكم في إسطنبول إدارة شبكة ضخمة من العلاقات، التي أصبحت وقود آلة حزب العدالة والتنمية، بشكل متزايد مؤخراً.
مشاركة :