قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم: إن الشريعة قد وسعت برحمتها وعدلها العدو والصديق، فالجزاء من جنس العمل، فمن طمع في الله فليرحم خلقه، قال عليه الصلاة والسلام: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء»، فمن رحمه الله غمرته السعادة ونال المرام. وأضاف في خطبة الجمعة امس: إن الرحمة خصلة عظيمة جعلها الله سبحانه وتعالى بين خلقه، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة». وقال الشيخ القاسم: إن الله سبحانه وتعالى يحب من يتصف بالرحمة، ويثني على عبادة المتواصين بها، مستشهدا فضيلته بقول الله عز وجل (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وتواصوا بالصبر وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)، وفضّلها سبحانه وتعالى على العلم، وبها يكون أساس القيام بحقوق العباد من الحقوق الواجبة كالزكاة، والمستحبة كالصدقة. وأبان فضيلته، أن الرحمة منحة من الله سبحانه، يهبها لمن يشاء من عباده، ومتى أراد الله عز وجل بعبده خيرا أنزل في قلبه الرحمة، مستشهدا بقول الله عز وجل (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ)، ونصيب كل عبد منها على قدر نصيبه من الهدى، فأكمل المؤمنين إيمانا أعظمهم رحمة. وبيّن أن الشرع قد حث المؤمن على رحمة الكافر لفقده الهداية، فمن زلت قدمه في المعاصي يستحق الرحمة، بالنصح والدعاء له بالهداية، مؤكدا أن أشد الخلق رحمة هم رسل الله عز وجل الذين سعوا لهداية الخلق ودعوا بكل سبيل لإنقاذهم من الهلكة وصبروا على أذاهم ولم يستعجلوا بطلب عذابهم، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أرحم خلق الله، ومن أسمائه نبي الرحمة، (فلما قيل له ادع على المشركين قال: إني لم أُبعث لعانا)، بعثه الله عز وجل رحمة للخلق عامة مستشهدا فضيلته بقول الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). وقال إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد: إن الله خلق الناس من نفس واحدة، نفسٌ واحدة تكتسب- بحكمة الله وقدرته- أوصافاً، وتحمل سمات، وتعيش أحوالا، تتنازعها الشهوات والشبهات، والمحبوبات والمكروهات، ولقد اعتنى القرآن الكريم بهذه النفس الإنسانية عناية تامة، لان الإنسان هو محل التكليف، وهو المقصود بالهداية والتوجيه والإصلاح. ومَن شرح الله صدره للإسلام، وعمر قلبه بالإيمان اطمأنت نفسه، وهدأت سريرته، وتنزّل ت عليه السكينة، وامتلأ بالرضا قلبه. وأضاف فضيلته في خطبة الجمعة امس بالمسجد الحرام: «عباد الله، كم من مسلم تكالبت عليه الهموم فتوضأ وتطهر ثم قصد إلى زاوية من بيته أو مشى إلى مسجده فتلا من كتاب الله ما تيسر له أو صلى ما كتب له فانزاحت همومه، وقام كأنما نشط من عقال، وكم من مسلم اضطجع على جنبه الأيمن في منامه وقرأ بعض آيات أو تلا بعض الأوراد فنام قرير العين محفوظا بحفظ الله، وكم من مسلم أصابه قلق أو وحشة فاستأنس بآيات من كتاب ربه، فوجده نعم الأنيس وخيرَ الجليس، وكم من مسلم ناله فقر أو مسه جوع فوجد في كتاب الله شبعه وغناه، وكم من غني كاد أن يطغيه غناه فأنقذه مولاه بآيات من كتابه، فانكشف له الستار، وتذكر النعم، وابتغى ما عند الله». وأوضح أن الصالحين الطيبين المحسنين المشائين إلى المساجد، هم المطمئنون بذكر الله، وهم الأقوى والأقدر على مصاعب الحياة وتقلباتها، لا تعكر التقلبات طمأنينتهم، ولا تستثير المنغصات سكينتهم. ومضى يقول: «معاشر المسلمين، هذا هو حال أهل الإيمان والصلاح بينما يتعذب ملايين البشر اليوم، يلهثون وراء المسكنات والمنومات، والعيادات والمستشفيات، ويبحثون في الكتب والمؤلفات والمقالات، أقلقهم القلق، وفقدت نفوسهم الأمن، قلقون من الموت، يخافون من الفشل، جزعون من الفقر، وجلون من المرض، إلى غير ذلك مما تجري به المقادير على جميع الخلائق». وزاد فضيلته بقوله: إن القلق انفعال واضطراب داخل النفس يعاني منه الإنسان حين يشعر بالخوف أو الخطر من حاضر أو مستقبل، والإنسان القلق يعيش حياة مظلمة مع سوء الظن بمن حوله وبما حوله، تغلب عليه مشاعر الضيق، والتشاوم، والتوتر، وعدم الثقة والاضطراب، بل يرى الناس عدوانيين حاسدين حاقدين.
مشاركة :