هناء العمير: سيتغير المشهد السينمائي السعودي

  • 5/16/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كانت المخرجة هناء العمير تحفر بأظافرها الصخرة السعودية الصماء في سبيل خلق أفق مختلف، تحاور من خلاله العالم عبر عدستها السينمائية، وعبر اشتغالاتها الفنية في صناعة محتوى ثقافي، يعلو على المباشرة، ليجسد الفن الحقيقي بما هو مساحة حرة للعمل. فهي -بالإضافة إلى كونها مخرجة- هي أيضا كاتبة وناقدة سينمائية، فازت بالعديد من الجوائز، وكتبت الكثير من المقالات، وترأست مجموعة من ورش الكتابة لقنوات تلفزيونية منها MBC وقناة أبوظبي. كما أنها عضو مجلس إدارة في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون. السرد البصري في البداية فتحنا نافذة الحوار عند الذاكرة الشعبية الجماعية التي تكاد تضمحلّ بسبب قلة حفظ الرواية الشفهية من جانب، وبسبب رحيل الجيل الذي كان يمتلك ذاكرة العجائز الشفهية من جانب آخر. وإذا ما كانت هذه الذاكرة تحرّضها كفنانة على التوثيق، فتستشعر مسؤوليتها حيالها، لتعمل على إعادة صناعتها من جديد عبر أفلام تستعير الماضي وتستنطقه. وفي هذا السياق تؤكد العمير أنها كمخرجة مشغولة بالتوثيق، وبإعادة صياغة هذه الذاكرة في أعمال فنية. وأنها حاولت فعل ذلك ذات مرة من خلال مسرحية “قاط وقاط” المستوحاة من كتاب الراحل عبدالكريم الجهيمان “أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب”. كما حاولتْ كثيرا مع بعض السيدات، ولكنها ترى أنه لا يزال هناك تخوف من الظهور أمام الكاميرا خاصة لسيدات في عمر معين. تقول العمير “مازلت أرى أنه مهم جدا أن ننهل من هذه الذاكرة، وقد بدأت هذا في كتابة عمل تلفزيوني يحكي عن قطاع معين في فترة الخمسينات بالتعاون مع الفنان القدير إبراهيم الحساوي كمنتج للعمل، وهناك الكثير في البال، ولكن كما تعلم فالأعمال التي تحكي عن حقب زمنية معينة تستلزم إنتاجا ضخما حتى تصنع بالشكل اللائق، ولذلك قد تكون المرحلة الحالية مبكرة على مثل هذه الأعمال سينمائيا”. يرى بعض المتابعين أن هنالك مفارقة في الأفلام التي عرضت في مهرجان أفلام السعودية (النسخة الخامسة) بمركز إثراء مؤخرا، حيث كانت جميعها ذات تقنيات عالية، استطاعت أن تغذي الذائقة البصرية بمادة جمالية، لها متعتها الخاصة، لكنها -في المقابل- لا تملك عمقا فلسفيا، ولا أسئلة وجودية، بمستوى الحالة البصرية العالية، فهل تجاوزت الحداثة السينمائية في السعودية الحالة النصية، فاستطاعت أن تقدّم عمقا ليس على مستوى التقنية فحسب، بل أيضا على مستوى المضمون، وهل هي قادرة على تشكيل منظومة إنسانية مدنية ضمن مشروع مؤسساتي شامل تكون الثقافة الحرة هي الرافعة الحقيقية له، أم أن الحداثة كانت مجرد صراع بين تيارين اجتماعيين تحت سقف محافظ واحد؟تجيب مخرجتنا “في البداية، أعتقد أن هناك عدة أسباب للاهتمام بالمستوى البصري على حساب النص في الأفلام السعودية القصيرة، أولها ردة فعل تجاه الاتهام الذي كان يتهم به صناع الأفلام بأنهم لا يعون جماليات الصورة، وتفتقر أعمالهم للصورة السينمائية، ففي البداية تميزت الأفلام السعودية بحكاياتها المتنوعة. ولذلك أراها مرحلة يجرب فيها صناع الأفلام أدواتهم بالتركيز على عناصر معينة ضمن الفيلم. الثاني هو البحث عن قصص مختلفة ومعاصرة بشكل سينمائي خالص. وهذا أيضا مرحلة تجريب تمر فيها الأفلام ويحاول فيها صناع الأفلام البحث عن صوتهم الخاص فيها. وهنا لا أرى أن الحالة السينمائية تجاوزت الحالة النصية، لكنها في حالة بحث عن حالة نصية مختلفة عن السائد أدبيا، تبحث عن معالجة سينمائية بحتة إن صح التعبير”. وترى هناء أن المشهد السينمائي السعودي يمر بحالة حراك كبيرة مع وجود الدعم المعلن عنه من قبل وزارة الثقافة، ومع وجود معمل الأفلام التابع لمهرجان البحر الأحمر وصندوق نمو، ومع إنشاء عدد كبير من صالات السينما بنهاية هذا العام. تقول “سيتغير المشهد كلية حسبما أرى خلال السنوات القادمة. أعتقد أن كل القطاعات الفنية البصرية في حالة ازدهار عالميا فنحن في زمن الصورة، ولذلك فقد نجحت الصورة في التسلل للمجتمع منذ بدايات الألفية الثانية رغم غياب صالات السينما والدعم. والسرد البصري هو السرد المتسيد حاليا لذلك كان لا بد للمبدعين الشباب من صناعة الأفلام والتعبير عن أنفسهم من خلالها. وفي حال تحقق الدعم بالشكل المطلوب فسنشهد أفلاما سعودية في السنوات القادمة قادرة على الوصول إلى المهرجانات العالمية”. وفي إطار حديثنا عن وجود حركة للنقد السينمائي في السعودية، تعلّق “سعوديا، يمكن تشبيه الحركة النقدية السينمائية في بداياتها، كالحركة النقدية التي حدثت في الموجة الفرنسية الجديدة. حيث انتقل النقاد المتابعون للأعمال العالمية والباحثون عن شكل سينمائي جديد لصناعة الأفلام. معظم صناع الأفلام الآن بدأت علاقتهم بالسينما عبر كتابة مراجعات أفلام في صفحات الجرائد قبل الانتقال لصناعة الأفلام بأنفسهم، عبدالله العياف وحسام الحلوة ومحمد الظاهري وعبدالمحسن الضبعان وعبدالمحسن المطيري وفهد الأسطا، كل هؤلاء صنعوا أفلاما والبعض منهم استطاع الوصول إلى مهرجانات عالمية والفوز بجوائز. حاليا، الحركة النقدية لا تواكب الأعمال السينمائية بشكل كبير. وهناك حالة غياب. ما يشغل الكتاب المهتمين حاليا هو التأريخ للحركة السينمائية وهو جهد هام ولكن ليست هناك قراءات نقدية متعمقة في ما يصنع حاليا. أعتقد أن الكل مشغول بشكل أو بآخر بالتأسيس لمرحلة مختلفة“. إعادة تشكيلفي سؤال إذا ما كان واقع المرأة السعودي المعاصر يشغل هناء العمير، وهل تظن أن الفعل الثقافي (السينما والرواية والشعر والنقد وغيره) كان جزءا مؤثرا في التغيير السياسي والاجتماعي في السعودية، تجيب “واقع المرأة السعودي يشغلني كامرأة بكل تأكيد، ولكني أحب أن أعبر عن الحالات الإنسانية التي أتأثر بها بغض النظر عن كونها مرتبطة بامرأة أو رجل. ولذلك لا تقتصر أعمالي على قصص عن سيدات. وأرى أن الفعل الثقافي له أثره في التغيير السياسي والاجتماعي وإن لم يكن محسوسا أو مباشرا، فالثقافة تعيد تشكيل الذاكرة الجمعية للمجتمعات”. وعن التحولات السعودية الأخيرة التي لامست المرأة وحياتها. تقول “عملت مع الكثير منهم في مجالات مختلفة ولم أجد أي تحفظ أو حساسية من أن أكون في محل القيادة والتوجيه للعمل. بيئة العمل والشارع والفضاء العام تعاد صياغتها حاليا بشكل كامل وتواجد المرأة فيها في تزايد واضح وهذا له تأثيره البالغ في كسر الحالة النسقية الذكورية”. وتؤكد العمير أن خطاب الصحوة في تآكل، وذلك في ظل وجود انفتاح فكري ثقافي فني، فهناك -حسب رأيها- وعي من قبل قطاعات عديدة في الدولة بأن التشدد الديني هو شكل من أشكال التعصب، وأن التعدد والانفتاح على الرأي الآخر وعلى الفنون والثقافة هما الحل الناجع للقضاء على ما أنتجه هذا التشدد من جماعات إرهابية. وتأمل مخرجتنا في آخر الحوار في أن “تدعم وزارة الثقافة الفيلم السعودي في كل مراحله من التطوير إلى الإنتاج ثم ما بعد الإنتاج ماديا وأيضا على مستوى التوزيع والتواجد في صالات السينما. وهو ما بدأت به وزارة الثقافة بإعلانها عن معمل مهرجان البحر الأحمر وصندوق نمو الثقافي”. وتتابع “نحن بحاجة إلى إنشاء نواد للسينما، تعرض السينما البديلة والسينما الفنية، يلتقي فيها السينمائيون لمناقشة الأفلام بشكل معمق والاطلاع على تجارب سينمائية مختلفة عن السينما التجارية. كما نتطلع إلى مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، فوجود مهرجان دولي هو ضرورة ملحة لعقد شراكات مع مهرجانات دولية أخرى، وللاطلاع على التجارب السينمائية الحديثة المختلفة والاحتكاك بشكل أكبر بالمجتمع السينمائي الدولي”.

مشاركة :