أكد محللون سياسيون غربيون أن النظام التركي يواجه حالياً الأزمة الأكثر تعقيداً، منذ تولي رجب طيب أردوغان السلطة في أنقرة كرئيس للوزراء عام 2003 ثم رئيس للجمهورية بعد ذلك بـ11 عاماً، مشددين على أن السؤال الآن يدور حول الفترة، التي سيتمكن فيها أردوغان من الصمود في وجه الضغوط الهائلة التي يتعرض لها، ومتى سيستسلم ويتخلى عن الحكم. وفي مقالٍ نشره موقع «وورلد بوليتكس ريفيو» المعني بتحليل أبرز القضايا على الساحة الدولية، قال المحلل المرموق، دافيد أوبيرن، إن مجازفة أردوغان بالضغط على الهيئة العليا للانتخابات، لإجبارها على إعادة الانتخابات المحلية في مدينة إسطنبول، جعل الرئيس التركي وحزب «العدالة والتنمية»، يواجهان «الاختبار الأقسى» لهما على الإطلاق. وأشار إلى أنه، بينما جدد فوز مرشح المعارضة بانتخابات إسطنبول، «التساؤلات حول مدى الشعبية الحقيقية التي يتمتع بها أردوغان والحزب الحاكم»، فإن إلغاء النتائج من جانب هيئةٍ اختار الرئيس التركي كل أعضائها الـ 11، يشكل «المؤشر الأحدث على تلاشي الديمقراطية في ظل نظام الرئيس التركي الحالي». وقال أوبيرن: إن تلك الخطوة - وهي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها قبل نحو 96 عاماً - تهدد العلاقات القائمة بين تركيا والولايات المتحدة وأوروبا من جهة، وتنذر بمزيدٍ من الفشل الاقتصادي لدولةٍ تحف المخاطر اقتصادها من الأصل من جهةٍ أخرى. وأوضح أن دلالة الخسارة التي مُني بها أردوغان وحزبه في إسطنبول، أنها الأولى من نوعها في هذه المدينة منذ عام 1994، مُشيراً إلى أن النظام التركي حاول تخفيف وطأتها بحججٍ واهيةٍ من قبيل أنها ناجمةٌ عن «مخالفاتٍ خطيرةٍ، وهو أمرٌ يبدو سخيفاً في ضوء هيمنة حزب العدالة والتنمية على المؤسسات المسؤولة عن إجراء الانتخابات في تركيا». وأكد أن اجتراء الحزب الحاكم في تركيا على انتهاك القواعد والقوانين على هذه الشاكلة، يثير سؤالاً جوهرياً مفاده: «إلى أي مدى سيمضي أردوغان وحزبه للتشبث بالسلطة؟». ووصف أوبيرن هذه النتائج بأنها «ضربةٌ قاصمةٌ لحزب العدالة والتنمية ولأردوغان نفسه، خاصةً أن مسيرته السياسية بدأت في إسطنبول نفسها» قبل عقود. وشدد على أن الانتخابات المحلية الأخيرة شكّلت «استفتاءً على أداء أردوغان خلال الشهور التسعة الماضية، منذ الانتخابات العامة التي أُجريت في تركيا العام الماضي، والتي لم تخل بدورها من الجدل». واستعرض ملامح الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب تركيا في الفترة الحالية، متزامنةً مع الاضطرابات السياسية التي تشهدها، مُشيراً إلى أن هذه الأزمة تفاقمت بفعل العقوبات الأميركية التي فرضت ، لإجبار أنقرة على إطلاق سراح القس أندرو برونسون. وقال: إن العقوبات - التي ترافقت مع اختيار أردوغان صهره وزيراً للمالية - أدخلت الاقتصاد التركي في موجةٍ هائلةٍ من الاضطرابات، أدت إلى انهيار قيمة الليرة ، وقفز أسعار الفائدة إلى مستوى هائلٍ بلغ 24%، وأن يلامس معدل التضخم السنوي حافة 20 % ، وهو أعلى مستوى منذ مطلع القرن. كما أشار إلى أن السياسات المشبوهة التي انتهجها حزب أردوغان لكسب الدعم من الطبقات الشعبية في الانتخابات التي أُجريت على مدار السنوات السابقة، أورَثَتْ العديد من المجالس البلدية في المدن التركية ديوناً هائلة، وصلت في إسطنبول وحدها إلى قرابة 3.7 مليار دولار، بسبب ممارساتٍ من قبيل منح عقود المشروعات دون إجراء مناقصات، بل بناءً على المحسوبية والصلات الشخصية، وهي كلها تفاصيل مُحرجة بشدة لـ«العدالة والتنمية» وقياداته. من جهةٍ أخرى، حذر الكاتب من أن الاستراتيجية الانتخابية التي يتبناها أردوغان في الوقت الراهن، تهدد بشق الصفوف بداخل حزبه، وبتحفيز ساسة سابقين مثل عبد الله جُول وأحمد داوود أوغلو وعلي باباجان على الخروج من الحزب وتشكيل كيانٍ سياسيٍ جديدٍ. وتوقع دافيد أوبيرن، في ختام مقاله، أن يقود ذلك، حال حدوثه، إلى تفجير سلسلة انشقاقاتٍ في صفوف «العدالة والتنمية»، على غرار ما حدث للمفارقة عندما وُلِدَ هذا الحزب نفسه من رحم انشقاقٍ آخر قاده أردوغان ذاته ضد زعيم حزب الفضيلة نجم الدين أربكان، الذي كان قد اتُهِمَ قبل سنواتٍ طويلةٍ بدوره، بأنه تحول إلى سياسيٍ مستبدٍ لا يعبأ بالقاعدة العريضة من مؤيديه، وهو الوضع الذي أصبح عليه الرئيس التركي الآن.
مشاركة :