لحوم وأسماك مستنبتة معملياً في الأسواق قريباً

  • 5/16/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ربما يكون الطعام الذي نحن بصدد الحديث عنه درة الأطباق على مائدة العشاء، كسيارة تسلا الكهربائية تماماً في عالم المركبات. فقد تمكنت عدة شركات مختصة من إنتاج لحوم أسماك التونة ولحم البقر «معملياً» عن طريق تغذية خلايا حية داخل المختبر، وهو ما تكلف آلاف الدولارات والجنيهات الاسترلينية للحصول على رطل واحد من الصنفين. والآن، يواجه أصحاب التجربة مأزقاً حقيقياً لتسويق منتجهم المبتكر باعتباره «سلعة كمالية» وليس نوعاً من البروتين الحيواني المتعارف عليه، فهل ينجحون؟ لم تعش أسماك التونة الزرقاء من إنتاج شركة «فينلس فودز» في البحر مطلقا. إذ تنتج هذه الشركة، ومقرها مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا الأميركية، أسماكها عن طريق استخلاص خلايا حية من التونة واستنباتها معملياً وتغذيتها بالمواد اللازمة لنموها لمدة ثلاثة أسابيع، فتتمكن الخلايا من النمو والانقسام والتضاعف. وبانتهاء هذه المدة، تتوافر لحوم تونة حقيقية مستساغة الطعم، وإن كانت لم تعرف طريقها للبحر أبداً. وتعتزم الشركة البدء في تسويق منتجها تجارياً بنهاية العام الجاري، بعد أن نظمت لقاءات للصحفيين تناولوا خلالها كميات محدودة من التونة المبتكرة، على سبيل الاختبار والتقييم، وذلك بعد طهوها في صورة قوالب معجنات مختلفة الأشكال والأنواع. وقرر مايك سيلدان مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي البدء في طرح منتجه للتداول في المطاعم الفاخرة أولاً، ثم في المطاعم الشعبية، ومنافذ بيع المشهيات، وأخيراً في محال السوبر ماركت العادية. ويقر سيلدان بأن هذه النوعية من اللحوم المخلقة معملياً، أو ما يمكن وصفه «باللحوم المستنبتة» لم تطرح للبيع حتى الآن، ولكنه يتوقع أن تستحوذ على حصة كبيرة من السوق في غضون 5 أعوام. ويواجه سيلدان وغيره من منتجي «اللحوم المستنبتة» كشركتي ممفيس، ونيو آيدج للحوم، عقبات عدة يجب عليهم التغلب عليها قبل تسويق هذا النوع من الأطعمة للمستهلكين. يتصدر هذه العقبات مسألة مدى قابلية المستهلك لتناولها، ناهيك عن شرائها، فهي أولاً وأخيراً لحوم مخلقة معملياً وليست ناتجة عن التربية التقليدية في المزارع. الأمر الثاني هو ثمن المنتج ذاته، فهذا النوع من اللحوم المستنبتة مكلف للغاية في إنتاجه مقارنة باللحوم العادية. إذ تتكلف شركة فينلس على سبيل المثال أقل قليلا من 4000 دولار لإنتاج رطل واحد من التونة، نحو 20% تقريباً من سعر الذهب الأصفر بالأسواق. ولإيضاح حجم الفجوة، ذكرت شركة براون تريدينج لتوريد الأسماك ومقرها ولاية مين الأميركية أنها تشتري التونة البحرية بما يتراوح بين 8 و12 دولاراً للرطل الواحد، ثم تعيد بيعها إلى المطاعم مقابل 19 دولاراً فقط. ولجأت شركة فينلس والمنتجون المماثلون إلى تبني استراتيجية غير تقليدية للتغلب على عقبتي ارتفاع التكلفة، وعزوف المستهلكين عن المنتج. وتعتمد فكرتهم على محاكاة الأنواع الفاخرة الأعلى سعراً من اللحوم المتعارف عليها، وتصنيف لحومهم باعتبارها منتجات فاخرة أكثر رحمة ما يجعلها تستحق بجدارة بطاقات الأسعار المبالغ فيها الملصقة على العبوات. بمعنى آخر، إنهم يتطلعون لأن تكون نظرة المستهلك إلى منتجهم في وجبات العشاء، بنفس نظرة إعجابه بسيارات تسلا الكهربائية في عالم المركبات. ويوضح ديديه توبيا المدير التنفيذي لشركة ألف بقوله «نحن لا نتطلع إلى إنتاج سلعة منخفضة السعر والتكلفة ومحدودة النوعيات». وتعمل هذه الشركة الناشئة في دمج أساليب الهندسة الحيوية الطبية المتعارف عليها لتخليق خلايا العضلات والدهون وكريات الدم وغيرها من الخلايا لإنتاج لحوم الأبقار معملياً. وكانت شركة ألف قد كشفت النقاب العام الماضي عن نجاحها في إنتاج أول شريحة من لحم البقر في العالم. وتكلفت الشركة 50 دولاراً كاملة لتخليق هذه الشريحة متناهية الرقة معملياً. ويتوقع توبيا البدء في طرح شرائح اللحم من إنتاج شركته في المطاعم بحلول 2021 على أن يبدأ تسويقها تجارياً للمستهلكين بعدها بعامين. ويضيف أنه يعتزم خفض الأسعار تدريجيا بالتوازي مع تقلص تكلفة الإنتاج، إلا أنه لا يتوقع تراجعاً حاداً في السعر النهائي. ويقول «ليس هناك ما يمنع من الارتياح لبيع منتجاتنا بأسعار مميزة». ولعل شركة فينلس وغيرها قد تبنت هذه الاستراتيجية لتسويق منتجاتها باعتبارها سلعاً كمالية فاخرة لأسباب عدة. أبرزها، أن يضاهي رواد المنتجين للأغذية المخلقة معمليا أوائل مطبقي أي صنف آخر من التكنولوجيا على النطاق الصناعي. ولا تتملك هؤلاء حساسية تذكر إزاء مسألة السعر، بل يفضلون أن يسدد المستهلك مقابلا «للحداثة»، مقارنة بأسواق المنتجات الكمية العادية. ويوضح سيلدان في هذا الصدد «هناك انطباع ما عن «لحوم فرانكنشتاين» باعتبارها لحوماً زائفة لكونها مخلقة معملياً، ونرى أن البدء في تسويقها كنوع فاخر من الأطعمة سيساهم كثيراً في تحجيم هذا الانطباع». ويتطلع سيلدن إلى تراجع تكلفة أسماك الشركة المبتكرة عند الوصول بها إلى الإنتاج الكمي ولتتماشى مع أسعار أسماك التونة الزرقاء التقليدية، ولكنه أحجم عن ذكر أي أرقام محددة لسعر منتجه عند هذه المرحلة. وكانت شركة فينلس نجحت في خفض تكلفة الإنتاج عن مستوى عام 2017 الذي وصل إلى 19 ألف دولار للرطل الواحد آنذاك، ما يعني انخفاضاً بنحو 15 ألف دولار للرطل. وبالتزامن مع جهود الشركات المعنية لخفض تكلفة الإنتاج، يجب عليها أن تبيع ما تنتجه بأسعار أعلى لتحوز حصة من السوق فتحقق دخلا بأسرع وقت ممكن. ويتبنى هذا المبدأ التجاري أرفيند جوبتا وهو رأسمالي وممول ساند عدة شركات ناشئة تعمل في نشاط إنتاج اللحوم المستنبتة (ومنها فينلس) من خلال وكيله شركة إندي بيو. ويقول: «علينا بالمهارة في انتقاء أسواق يمكنها تحمل كلفة الفارق في الأسعار. ومن ثم، يمكنك أن تبدأ بالنسبة ذات الدخول الأعلى من المستهلكين ممن يؤمنون بالتغيرات البيئية التي يشهدها كوكبنا». ويرى أنصار اللحوم المستنبتة أن إنتاجها معملياً يحافظ على الأجناس المهددة بالانقراض، ومنها أسماك التونة الزرقاء، ويقلل من إنتاج العوادم الغازية المسببة لظاهرة الصوبة، وإهدار المياه، وتقليل استخدام الأراضي ومصادر الطاقة. كما توفر هذه الطريقة الإنتاجية وسيلة «منزوعة القسوة» مقارنة باستهلاك اللحوم الحقيقية. ولن يتطلب الأمر عندها ضرورة لإنتاج شرائح الهامبرجر خصيصا للنباتيين، أو المقانق من حبوب فول الصويا. وقد اتفقت هيئة الغذاء والدواء الأميركية مع وزارة الزراعة في العام الماضي على التعاون من أجل وضع لوائح خاصة بالأغذية المخلقة معملياً. ويتوقع مايك لي مؤسس مختبرات فيوتشر ماركت أن تظهر هذه الأنواع من اللحوم في الأسواق العام الجاري. وتتعاون هذه الشركة مع الشركات المختصة في هذا المجال للترويج لمفهوم هذا النوع من الأطعمة. وذكرت مؤسسة جاست المتخصصة في إنتاج قطع الدجاج المستنبتة معملياً أنها تعتزم البدء في بيع منتجاتها لمطعم واحد على الأقل بحلول نهاية العام. وكانت الشركة أعلنت من قبل اعتزامها بدء التسويق بنهاية العام الماضي. وتخطط شركة فيوتشر ماركت لطرح نوعين من المنتجات، حساء زعانف أسماك القرش (المستنبت) بسعر 88.88 دولار للزجاجة الواحدة، وشريحة اللحم البقري (المستنبت) المتميزة مقابل 57.99 دولار للشريحة. ويمكن تصور مستوى الأسعار المتوقعة لمثل هذه المنتجات. ويقول مايك لي في هذا الصدد «في غضون عقد أو نحوه لن يزيد سعر اللحوم المستنبتة عن التقليدية بفارق كبير، لأنها ستكون في نفس رخص وكفاءة أي طريقة إنتاجية أخرى، بل قد تكون أكثر كفاءة من غيرها». وكانت شركتا تايسون للأغذية وكارجيل للبروتينات وجهتي استثمارات إلى شركة ممفيس للحوم، ومقرها سان فرانسيسكو، حيث تطوير الدجاج والبط ولحم الأبقار المخلقة معملياً. وذكرت شركة تايسون أن استثماراتها تهدف إلى المساهمة في استحداث طرق لمواجهة الطلب العالمي المتزايد على البروتين. أما شركة كارجيل، فتعتبر هذا اللحم المبتكر وسيلة لتوفير مزيد من الاختيارات أمام المستهلكين. وذكرت سونيا روبرتس رئيس قسم آفاق النمو والمخاطر والتسعير الاستراتيجي بشركة كارجيل لإنتاج البروتينات «بمرور الوقت، قد تصبح البروتينات المخلقة معملياً مكملاً لأنواع اللحم التقليدية». أما شركة ممفيس للحوم، فقد امتنعت عن التعليق. وختاما، فإن نجاح تسويق هذا النوع من اللحوم تجارياً سيعتمد على درجة قبول المستهلك له من ناحية الطعم. ويقول جيسون بيليني مقدم سلسلة أفلام «الإبحار عكس التيار» الوثائقية وهي من إنتاج وول ستريت جورنال إن شريحة اللحم التي تناولها في حفل شركة ألف العام الماضي كانت تحتوي بعض الدهون بلا شك، وذات رائحة طيبة للغاية، ولكنها لا يمكن أن تساوي 50 دولاراً على الإطلاق.

مشاركة :