تصنع الثروات في وقت الأزمات، حينما تخسر الأغلبية أموالا كثيرة، بين ينجح الأذكياء في تحويل الدولار الواحد إلى 100 دولار.. الآن، وبفضل ترامب والصين أصبح هذا ممكنا. لقد دخلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مرحلة تكسير العظام، وانهار الأمل الأخير في أي موائمات، بينما بدأ المحللون في تقييم الضرر الذي سيلحقه كل طرف بالآخر. بإمكان الصين أن تستخدم "السلاح النووي الاقتصادي"، ببيعها سندات الخزانة الأمريكية التي تملكها بمقدار يزيد عن 1.1 تريليون دولار دفعة واحدة، لكن احتمال اللجوء لهذا السلاح ضعيف، لأن ذلك سوف يدفع بالاقتصاد الأمريكي والعالمي إلى هوة من الفوضى العارمة، ولن تسلم الصين هي الأخرى من الضرر. كما أن بإمكان الصين أيضا أن تردّ على الولايات المتحدة الأمريكية بتخفيض سعر اليوان الصيني، وهو ما سيخفض من سعر البضائع الصينية، ويرفع من تنافسيتها، وهو رد واقعي محتمل، ويبدو أن هذه النقطة تحديدا هي ما أفشلت الاتفاق الصيني الأمريكي. لكن المشكلة إنما تكمن في تناقض هذين الإجرائين مع بعضهما البعض، فتخفيض سعر العملة الصينية يحتاج إلى وجود طلب مرتفع على الدولار، أي شراء نفس سندات الخزانة الأمريكية، التي تسبب شراءها في رفع رصيد الصين من تلك السندات إلى ما فوق التريليون دولار. كذلك فإن زيادة الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية هو أمر محفوف بالمخاطر لأسباب سياسية. وبالأخذ في الاعتبار تصعيد العقوبات الأمريكية ضد روسيا، يمكننا توقع لجوء الطرف الأمريكي إلى سيناريوهات قاسية في مواجهته مع الصين، خاصة أنها تهدد السيادة الأمريكية على العالم أكثر بكثير من روسيا. بمعنى أنه من غير المستبعد، مع الوقت، أن تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحفظ على أو مصادرة استثمارات الحكومة الصينية في الدين الأمريكي. لقد باعت الصين في مارس من العام الحالي وحده ما قيمته 10 مليار دولار من السندات، لكن ذلك قطرة في بحر. من ناحية أخرى فقد نجحت روسيا في العام الماضي، وفي ظل العقوبات المفروضة عليها، من التخلّص تقريبا من كافة استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية، بتحويلها حوالى 85 مليار دولار إلى أصول أخرى، أوروبية بالأساس. لكن الصين تعجز عن ذلك، لأن حجم استثماراتها ضخم للدرجة التي يستحيل معها تحويل تلك الاستثمارات من عملة لأخرى، دون أن يتسبب ذلك في صدمة اقتصادية. أضف لذلك أنه لا توجد في العالم أدوات مالية حرة، من عملات أخرى، لاستقبال استثمارات بهذا الحجم المهول. لقد وقعت الصين في المصيدة، وهي الآن في وضع حرج. على الجانب الآخر رفع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الرسوم الجمركية على السلع الصينية في مايو الجاري، ليضع بذلك بكين أمام ضرورة تخفيض سعر اليوان فورا. أي أنه لابد وأن تبحث الصين عن طريقة تصل بها إلى هدفين، يناقض كلاهما الآخر، فمن ناحية يتعيّن عليها خفض استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية، وفي الوقت نفسه زيادة استثماراتها في أصول أجنبية أخرى (بدلا من الدولار)، وشراءها باليوان، وهو ما سيؤدي إلى خفض سعر اليوان، ويتعين الشروع في ذلك بسرعة. ولا يوجد طريق لذلك سوى بشراء الذهب. لقد ارتفع شراء الذهب في الربع الأول من العام الحالي من قبل الحكومات الأجنبية والبنوك المركزية بنسبة 70% عن نظيره في نفس الوقت من العام الماضي، وهو أعلى مؤشر خلال 6 سنوات. ويلجأ الصينيون، على نحو خاص، إلى الحفاظ على احتياطاتهم بهذه الطريقة، في هذه الأشهر أكثر من أي وقت مضى، بينما تنخفض نسبة الأصول المستثمرة في سندات الخزانة الأمريكية بالتدريج في السنوات الأخيرة، وهو توجه بدأ قبل فرض الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب. كذلك تسعى روسيا إلى رفع مخزونها من الذهب، فارتفع بمقدار 4 أضعاف في 10 سنوات إلى مستوى 2113 طن في 1 يناير 2019، لتسبق روسيا بذلك الصين وتصبح الخامسة على مستوى العالم من حيث حجم احتياطيها من الذهب. وهذا هو التوجه الذي يسود كافة بلدان العالم في الوقت الراهن، فالجميع يهرب من الدولار نحو الذهب، لكن الضرورة تحتّم على الصين الآن أن يضاعف احتياطيه من الذهب عدة مرات فورا. كما أن هناك عامل آخر منذ تغيير الغطاء الذهبي كقاعدة لتحديد قيمة العملة الورقية في الولايات المتحدة عام 1971، ولم يعد ينظر إلى الذهب بوصفه نقودا. بل أن الاحتفاظ باحتياطي ذهبي لم يعد مربحا، فلا توجد هناك فوائد مثل التي نحصلها من البنوك. لكن في عام 2008، وبعد أن طبعت الحكومات الغربية تريليونات الدولارات واليوروهات والين بلا غطاء، ارتفعت ديون الدول الغربية الكبرى إلى مستويات غير مسبوقة، جعلت من سدادها أمرا مستحيلا. وأصبح الاستخدام المتنامي للعقوبات الاقتصادية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والغرب القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يتعلق بضمانات الاستثمار في الأدوات المالية الدولارية. وعلى الرغم من كافة برامج التحفيز وضخ الدولارات واليوروهات والين، فإن البنوك المركزية في الغرب تخفض بالتدريج من أسعار الفائدة إلى الصفر وما دونه، في محاولات يائسة لتحفيز الاستهلاك والانتاج. في الوقت نفسه فإن أسعار الفائدة السلبية للبنوك المركزية تخفض من أسعار الفائدة على الودائع في البنوك التجارية، وتقلل من ربحيتها وترفع من مخاطرها، ليصبح الذهب في هذه الظروف الطريق الأمثل للحفاظ على المدخرات، وللمرة الأولى منذ عام 1971 يصبح الذهب نقودا، ووسيلة للادخار والاستثمار من جديد. إن السماح بارتفاع أسعار الذهب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والغرب اليوم يمكن أن يصبح ضربة قاضية للدولار والنظام الاقتصادي الغربي، لذلك سوف يقاومه الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وسيحافظ الذهب، ولو لفترة محدودة من الوقت، على مستويات أسعار رخيصة، على الرغم من ارتفاع الطلب عليه بسرعة. لكن حينما ينهار هرم الديون الدولارية للأسواق المالية، سوف تصبح السيطرة على أسعار الذهب مستحيلة، وستقفز أسعار الذهب عاليا، وتتضاعف ربما حتى بعشرات الأضعاف، في الوقت الذي سوف تتحول فيه عملات الدولار واليورو إلى أوراق لا قيمة لها. علينا فقط أن ندرك ذلك في الوقت المناسب، ونتمكن من استغلال تلك اللحظة. ومن يضع استثماراته اليوم في الذهب، يمكنه أن يصبح في ظرف 5-10 سنوات أغنى ممن يستثمر نفس المبلغ في العقارات أو الأعمال، أما من يحتفظ بمدخراته بالدولار واليورو، فمن الممكن أن يخسر كل شيء. المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة
مشاركة :