قُلتُ فِي مَقَالٍ سَابِق، إنَّني فِي هَذا الرَّمضَان، قَرَّرتُ أَن أُعيد مُرَاجعة مَا تَعلَّمته باللُّغَة الإنجليزيّة.. فصِرتُ أَتنَاول كُلّ يَوم؛ قصّة مِن القصَص، التي تُصدرهَا جَامعة "كامبردج"، وهي قصَص مُخصَّصة لدَارسي اللُّغَة الإنجليزيَّة، مِن غَير النَّاطقين بِهَا..! كَانَت القصّة بعنوَان: The best of times، للمُؤلِّف "آلان ميلي"، وهي قصّة بَسيطَة، تَحكي سِيرة شَاب، ذَهَبَ وَالِده وتَزوَّج مِن فَتاةٍ أُخرَى، وتَركه هو ووَالِدَته، وإلَى هُنَا تَبدو القصّة عَادية، لَا جَديد فِيهَا، ولَكن الجَديد أَنَّ هَذَا الوَلَد فِي أَحَد المَقَاطِع؛ تَكلَّم عَن وَالِدته قَائِلاً: (إنَّ أُمِّي بَعد أَن تَركهَا وَالِدي، أَصبَحَت تُحبّ النَّقْد، ولَديهَا طَاقَة سَلبيَّة كَبيرَة، لِذَلك أَصبَحت عيُونهَا مَفتُوحَة طُوَال اليَوم، للبَحث عَن أَي مَسَارَاتٍ أَو أَخطَاء أَو طُرق، لتَصبُّ فِيهَا كميّة الاحتقَان، والنَّقد والسَّلبيَّة، التي تُعَانِي مِنهَا)..! يُضيف الوَلِد: إنَّ أُمِّي تَنتَقدني إذَا أَكَلت، وتَنتَقدني إذَا جَلَستُ فِي البَيت، وتَنتَقدني إذَا خَرَجت، وحِينَ تَنتَهي منِّي، تَبدَأ بانتِقَادِ الكَلب الذي يَعيشُ مَعنَا، فتَنتَقد حَركَاته، والفَوضَى التي يَزرعها فِي كُلِّ أَنحَاء المَنزل. باختصَار: لَم تَكُن الأُم مُحقّة فِي كُلِّ نَقدهَا، بَل كَانَت تَبحَث عَن وَسَائِل وأَسبَاب؛ لتَفريغ غَضبهَا عَلَى الكَلْب، بسَبَب صَاحِب الكَلب الذي -رُبَّمَا- خَذلهَا فِي مُنتَصفِ الطَّريق..! ولَكن بَعد أَشهُر، التَحَقَت وَالِدته بوَظيفَة، فخَفّ الانتقَاد، وأَصبَح وَقتهَا مُزدحماً بالأَعمَال، وانشَغلَت بنَفسهَا وبأَعمَالهَا، حَتَّى أَنَّها لَم تَعُد تَجد وَقتاً كَافياً للاهتِمَام بالمَنزِل..! حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟! بَقي القَول: لَا تَعنِيني كَثيراً هَذه القصّة، ولَكن مَا يَعنيني هُنَا هو: كَمْ مِن النَّاس بَينَنَا لَديهم طَاقَة سَلبيَّة، وكميَّات كَبيرَة مِن النَّقد، والخِصَام مَع الذَّات، بحَيثُ يَنشرون بَينَنَا سَلبيّتهم ونَقدهم، بقَصد التَّخفيف عَن ذَوَاتِهم المُتورِّمَة؛ بكُلِّ تَشَاؤُم وسَودَاويَّة..؟!!
مشاركة :