حالفه الحظ أن يقف بجوار الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، لتلاوة القرآن الكريم الذى أثنى على صوته العذب، حيث كان على رأس بعثة وزارة الأوقاف القرآنية لإحياء ليالى رمضان والاحتفالات الدينية، بالمركز الإسلامى فى لندن.بعد غياب 35 عاما لجمهورية مصر العربية عن جائزة المركز الأول للمسابقة الدولية فى القرآن الكريم بدولة ماليزيا فى 1995، حصل عليها الشيخ الشحات شاهين، ابن قرية الصفا مركز الزقازيق، مفتش المقارئ بالإدارة العامة لشئون القرآن الكريم بالأوقاف والمحكم بالمسابقات المحلية والعالمية، وعضو مجلس الإدارة العامة لنقابة القراء بجمهورية مصر العربية، ونقيب القراء بمحافظة الشرقية.قبل عقدين من الزمان بدأت المراجعات الفكرية لعدد ليس بقليل من أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة للرجوع عن طريق العنف والسلاح وأعلن عدد من قياداتهم نبذهم للعنف الذى انتهجوه طوال سنوات طويلة سابقة واستبشر الكثير وقتها خيرًا آملين طى صفحة مريرة من تاريخ الوطن إلا أنه بعد ٢٠١١ ثبت أن كثير من تلك المراجعات لم تكن حقيقية وإنما كانت مهادنة مقصودة للإفلات من قبضة الأمن وقتها وتخفيف الضغوط على أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة المختلفة.استرجعت تلك الأحداث وتفاصيلها حينما طالعت اعتذار أحد الدعاة الخليجيين عن دعمه جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى، هذا الاعتذار وإن أمكن قبوله باعتبار أن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة عباده الخطائين، وأن البشر يجب أن يعتبروا ويتفكروا فى معنى الآية التى كثيرًا ما يرددونها «ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم» النحل ٦٠، لكننا ونحن نقبل توبة هذا الداعية عن دعمه الإرهاب والإرهابيين والترويج لأفكارهم يجب أن نتوقف طويلًا أمام مغزى هذا الاعتذار الآن وما يشير إليه وما يكشف عنه، كما يجب أن نتوقف مليا أمام ما لم يعتذر عنه الداعية وأشباهه من مشايخ التطرف الذين أداروا أكبر حقبة من التخلف والتجهيل فى عالمنا العربى والإسلامى خلال أكثر من نصف قرن.اعتذار الداعية الخليجى فى ذاته بداية ومؤشر لانتهاء الكيانات المعروفة بجماعات الإسلام السياسى، تلك التكوينات البدائية شديدة التخلف التى تم تأسيسها ودعمها وتمويلها من خلال أجهزة استخبارات دولية بقصد نشر التخلف فى المجتمعات العربية الإسلامية وقطع تيار التحديث والمدنية الذى انطلق بالتوازى مع الحركات التحررية فى منتصف القرن الماضى، ونجح هذا التيار المتخلف فى التغلغل داخل المجتمعات العربية بعد نكسة ٦٧، حينما استطاعوا أن يدمروا المفهوم التنويرى الذى تراكم فى النصف الأول من القرن العشرين وتجريف العقول ووجدان المواطنين العرب ليحاربوا حربا مستحيلة باستعادة أمجاد الحضارة الإسلامية الأولى بأدوات بدائية لم تعد صالحة للحظة الراهنة ودون إدراك الهوة الكبيرة بينهم وبين المجتمعات المتقدمة. هل يدرك الداعية المعتذر وأشباهه أن المشروع التدميري بنشر التخلف والجهل والبدائية والعنف فى البلاد العربية الإسلامية، انكشف الآن ومن ورائه من أجهزة غربية وذيول إقليمية يمثلون الاستعمار الجديد الذى يسعى للسيطرة على الثروات العربية لأمد طويل بالقوة تارة أو بالمعرفة والتقنيات الحديثة والتكنولوجيا تارة أخرى.علينا الضرب بأيد من حديد على كل الجماعات التى تحاول الوصاية على المجتمع بالتدين الزائف والتطرف والغلو المنكر، حتى لو كان من بينها أحزاب مشهرة وجمعيات أهلية تخضع لوزارة التضامن، والتأكيد على أن كل من يتحدى سلطة دولة القانون ويرفض الانصياع لها أو الالتزام بأصولها، فهو عدو للمجتمع وينبغى مساءلته.التقت «البوابة» الشيخ الشحات شاهين، فقال: إن والدى كان من أهل القرآن، وأستمع له جيدا فى قراءته له، فوهبنى لحفظ القرآن، وتنبأ بى من بين أشقائى السبعة فى حفظه، حتى أتممته كاملا على يده منذ الصغر، حيث كانت رحلته الوحيدة هى القرآن الكريم، الذى طاف من خلال سطوره العالم، مضيفا أن رحلته مع القرآن بدأت عندما أرسله والده لتعلم الأحكام والتجويد على يد الشيخ حسينى حفناوي، وكان متلقيًا جيداً وتعلم القراءات السبع وهو فى الرابعة عشرة من عمره، فى ذلك الوقت أدركت قيمة العمامة التى شرفت فى ارتدائها لأول مرة، وهذا ما أهله ليكون على علاقة طيبة بكبار القراء أمثال الشيخ السيد سعيد سلامة، والشيخ محمد شبيب، وغيرهما.وأضاف، أن قريته والقرى المجاورة لها، كانت سببا ليصل صيته إلى العالمية ويعرفه الغرب، حيث ذهب إلى القاهرة ليتم تعيينه مقيم شعائر بالأوقاف، وكان الحظ حليفه وعين بمسجد سيدى السباعى فى بولاق، ثم انتقل بعدها إلى مسجد السلطان أبوالعلا، مؤكدا أنه تم اختياره من بين ١٠٠ قارئ للمشاركة فى إحدى المسابقات الدولية لقراءة القرآن بدولة ماليزيا فى ١٩٩٥، أملا بأن يصل صوته إلى العالم أجمع، وكان من بين حكام اللجنة التى قيمته للمشاركة فى هذه المسابقة، الشيخ رزق خليل حبة، ونظرا لصعوبة الاختبارات، إلا وأجمعت عليه اللجنة، وعلى الفور سافر للمشاركة وحقق نجاحا باهرا، وحصل على المركز الأول، بعد غياب ٣٥ عاما لم يحصل أى مصرى على هذا المركز، لم تفارقه تلك اللحظات وكأنها منذ دقائق معدودة، وقام الدكتور محمود زقزوق، وزير الأوقاف بتكريمه، ومن هنا ذاع صيته كقارئ مصرى، وطُاف مصر لقراءة القرآن، إلى أن تم اختياره نقيبا لقراء الشرقية، وعضو مجلس الإدارة العامة لنقابة القراء بجمهورية مصر العربية.شارك فى بعثة وزارة الأوقاف القرآنية لإحياء ليالى رمضان، أكد الشحات أن الحظ كان حليفه لينال هذه المشاركة نظرا لإصراره على النجاح، وكانت هذه البعثة تطوف أنحاء دول العالم المختلفة، لإحياء ليالى رمضان والاحتفالات الدينية، فى المركز الإسلامى فى لندن، ألمانيا، السويد، ليبيا، السعودية، الشيشان، أوكرانيا، إسطنبول، فنزويلا، وغيرها من الدول العربية والأوروبية، وكان يرى نظرة الحب له فى عيون الناظرين وما زال يتمتع بكل الحب ونفس القدر من قبل المريدين.أعلن العشرات الطلاب من الشيشان إسلامهم على يده يرى شاهين، أنه كان سببا فى حفظ هولاء الطلاب جزء عم كاملا، وهم لا ينطقون العربية، يرى الشحات أن نقابة القراء لها طابعا خاص وليس من السهل أن ينضم لها أى شخص دون أحقية قائلا: إن الهواة كثيرون ولا أقبل بذلك، فهناك شروط وقواعد للمتقدمين بالالتحاق بنقابة القراء، على أن يكون المتقدم حافظا للقرآن الكريم، وحاصل على شهادة عالية فى القراءات، أو محفظ قرآن فى الأوقاف وصاحب صوت مميز وجيد يليق بقيمة القرآن.وعن اختلاف الأجور مسبقا عن الوقت الراهن أضاف شاهين، أن العائلات الكبرى تهتم بالقراء المعروفين، حيث تقاضى ٢٥ قرشا فى عزاء جدة زوجته، ثم تقاضى بعدها خمسين قرشا فى وفاة أحد الأشخاص فى القرى المجاورة لقريته، مؤكدا أن أعلى أجر حصل عليه هو ٣٠٠ جنيه، فى عزاء الحاج محمدين زهران، أحد كبار تجار السبتية بالقاهرة فى ١٩٨١.
مشاركة :