إغلاق مضيق هرمز: دول الخليج لديها البدائل، ماذا عن إيران

  • 5/18/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

انتقلت إيران من تهديدها التقليدي بإغلاق مضيق هرمز، الشريان الرئيسي لنقل الطاقة في العالم؛ إلى تحريك أذرعها في المنطقة لإثارة الاضطراب في هذا المجال الحيوي، من خلال دفع الحوثيين لمهاجمة أربع سفن بالمياه الإقليمية للإمارات ومنشآت نفطية حيوية سعودية. تدفع هذه الخطوة من جهة نحو تسليط الضوء على الممرات البديلة والمنشآت التي تمضي السعودية والإمارات قدما في بنائها لمواجهة العبث الإيراني، وتؤكد من جهة أخرى كيف أن إيران تروج لخطاب تهدئة بيد وتدفع وكلاءها في المنطقة لإثارة البلبلة باليد الأخرى. رغم أن تهديدات إيران بإغلاق المضيق ليست بالأمر الجديد، إلا أن التطورات الأخيرة قد تشكل بداية لحرب إقليمية قد تضطر معها دول ترى أن مضيق هرمز جزء من أمنها القومي وممر استراتيجي لتدفق نفطها إلى دول العالم، للدخول فيها. واستهدف الحوثيون بطائرات من دون طيار محطتي ضخ لخط أنابيب نفط رئيسي ينقل خمسة ملايين برميل من الخام من المنطقة الشرقية الغنية إلى موانئ على البحر الأحمر، بعيدا عن مضيق هرمز في حال تسبّب نزاع بإغلاقه. وقبل يومين من الهجوم، تعرّضت أربع سفن بينها ثلاث ناقلات نفط إلى عمليات تخريبية قبالة سواحل الإمارات بالقرب من ميناء الفجيرة الواقع في شرق الدولة، خارج مضيق هرمز أيضا. وتأتي هذه التطورات في خضم التصعيد الأميركي ضدّ إيران، التي تهدّد في كل مرة بإغلاق المضيق الذي تمر عبره نحو 35 بالمئة من إمدادات النفط العالمية، في حال وقعت حرب مع الولايات المتحدة أو تطورت التوترات في الخليج العربي على نحو خطير. وقال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري الشهر الماضي “نحن لا نريد إغلاق مضيق هرمز إلا إذا اضطررنا لذلك بسبب ممارسات الأعداء”، مضيفا “إذا لم يمر نفطنا عبر هذا المضيق، أكيد لن يمر نفط الدول الأخر أيضا عبره”. وتأتي التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز ضمن معادلة فحواها إذا أصرّت الولايات المتحدة والدول الأوروبية على العقوبات، فإن الخيار الوحيد المتاح أمامها عدم السماح بمرور أي سفينة حاملة للنفط من أي بلد آخر. وتعتقد إيران أن التهديد بإغلاق المضيق أو اتخاذ خطوة عملية أولية بهذا الاتجاه سيؤدي إلى اضطراب في سوق النفط العالمية وارتفاع في أسعار الطاقة في تلك الدول، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإجراء مفاوضات فورية مع إيران تقدم خلالها بعض التنازلات استجابة لمطالب إيرانية تتعلق بتخفيف العقوبات المفروضة عليها. ولم تنفذ إيران يوما التهديد، ولا تبدو أي احتمالات واقعية لإقدام إيران على إغلاق المضيق، وهي أكثر العارفين بتداعيات تنفيذ ذلك على اقتصادها الضعيف، وأن خطوة كهذه ستكون سببا في مشاكل وردود فعل قد تهدد بقاء النظام. وخلص تحليل، أجراه الأدميرال المتقاعد دينيس بلير، مدير المخابرات القومية في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وكينبث ليبرثال، المستشار السابق لشؤون سياسات الصين في البيت الأبيض، إلى أن إيران ستواجه مشكلة في إيقاف الشحنات عبر المضيق. لكن الخطير هذه المرة أن أحد وكلاء إيران في المنطقة هو من تولى الهجوم وأشعل فتيل التوتر في هذه المنطقة الاستراتيجية. فالحوثيون، الذين سبق ووجهوا صواريخ إيرانية الصنع نحو السعودية، ليسوا سوى ذراع للحرس الثوري. ويقول ماثيو ليفيت، وهو مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إنه على مدى السنوات القليلة التالية، استمرّت إيران في إرسال عملاء من حزب الله اللبناني ومجموعة متنوعة من المقاتلين الشيعة المحلّيين من العراق والكويت والبحرين واليمن من أجل تنفيذ هجمات بالنيابة عن طهران في جميع أنحاء المنطقة. المنشآت الآمنةيربط مضيق هرمز الخليج ببحر العرب والمحيط الهندي، ويعتبر ممرا رئيسيا للنفط والتجارة بين الخليج ودول آسيوية. وإلى جانب إمدادات الخام، تمرّ عبر مضيق هرمز مواد تجارية غير نفطية بمليارات الدولارات، ما يجعل من المضيق أحد أهم الطرق الملاحية في العالم. ومن المحتمل أن يؤدي إغلاق المضيق إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط قد يدفع ببرميل النفط إلى عتبة 100 دولار، وإلى اضطرابات في الأسواق العالمية، إذ إن دول الخليج الست وإيران والعراق تنتج معا حوالي ربع كمية الإنتاج العالمي اليومي البالغة 100 مليون برميل. وتمر صادرات هذه الدول جميعها- 15 مليون برميل يوميا أو ما يعادل ثلث الإنتاج العالمي- باستثناء سلطنة عمان، عبر مضيق هرمز البالغ طوله نحو 50 كلم والواقع بين إيران وعمان. وكانت هذه النقطة البحرية مركز صراع خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات. وحاول كل جانب في ما يسمى “حرب الناقلات” إغراق صادرات الطرف الآخر. ولتجنب استهدافها، أُدرجت ناقلات النفط الكويتية تحت سجل الشاحنات الأميركية. ومع استمرار تدفق النفط الخام، ارتفعت معدلات التأمين البحري للسفن العاملة في المضيق بنسبة تصل إلى 400 بالمئة. وساهمت التكاليف المرتفعة في ارتفاع أسعار البنزين والديزل في جميع أنحاء العالم. وفي مواجهة التهديدات الراهنة، عملت دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات، على إيجاد طرق بديلة لتجنب المضيق. فقد بنت الرياض خط أنابيب بطول 1200 كلم لنقل خمسة ملايين برميل نفط من شرقها إلى غربها حيث يمكن تحميل الخام على متن بواخر في البحر الأحمر. وتسعى السعودية منذ سنوات لأن ترتفع طاقته إلى سبعة ملايين برميل. كما بنت الإمارات خط أنابيب بطول 406 كيلومترات من أبوظبي في الخليج إلى الفجيرة المطلّة على خليج عمان وبحر العرب على بعد نحو 70 ميلا بحريا من مضيق هرمز. ويمكن نقل 1.6 مليون برميل من النفط في خط الأنابيب هذا إلى خزانات عملاقة في ميناء الفجيرة تستوعب 70 مليون برميل. ووقّعت أبوظبي مؤخرا عقدا لبناء محطة تخزين أخرى في الفجيرة تستوعب 42 مليون برميل. وبنت دول خليجية أخرى مخازن أصغر حجما على أراضي دول مستهلكة مثل كوريا الجنوبية. وبحسب المحلل أنس الحجي، المقيم في هيوستن، “قدّمت السعودية نفسها على أنها ممول آمن للنفط يمكن الاعتماد عليه، لكن الهجمات قد تناقض هذه الصورة”. وغرّد على تويتر أن هذه الهجمات “مؤثرة” لأنّ خط الأنابيب المستهدف بني لتفادي مضيق هرمز، إلا أنه شدّد على أن المنشآت النفطية السعودية محمية بشكل محكم وأن المهاجمين استهدفوا المنشآت البعيدة والأقل حماية، وهي خطوة مدروسة من إيران التي تعي جيدا أنها حتى لو نجحت في إغلاق المضيق لفترة وجيزة، فإنها لن تستطيع الصمود في مواجهة أي هجوم مباشر من قبل القوات الأميركية المتربصة.وهو ما أشار إليه عضو مجلس الشورى الإيراني حشمت الله فلاحت بشه، في تصريحات تعود إلى يوليو 2018، حين هدد الرئيس حسن روحاني بإغلاق مضيق هرمز، ردا على التصعيد الأميركي. حينها قال فلاحت بشه إن إيران لا يمكنها أن تغلق مضيق هرمز، وإن تصريحات روحاني هي للاستهلاك الإعلامي لا أكثر. لكن، يقول فراس إلياس، الباحث في معهد واشنطن، إن الاستفزازات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز وإن لم تكن كافية لإغلاق المضيق بالكامل، فإن لها تداعيات أمنية عديدة على المصالح الخليجية والدولية، فيما تؤكد المحلّلة كارين يونغ من مجموعة أميركان انتربرايز اينستيتوت، أن “الأسواق ستبقى هشة بعد كل تهديد لأي مضيق، وهذا الأمر قد يتخطى أسعار النفط ويطال البضائع التي تمر عبر مضيق هرمز″. ويقول روكفورد ويتز، مدير برنامج الدراسات البحرية في جامعة تافتس، “أصبحت سفن الشحن الحديثة ضخمة وصعبة التعطيل. على عكس الثمانينات، وتجهز معظم ناقلات النفط بهياكل مزدوجة تصعّب إغراقها”. مع ذلك، يمكن أن تسبب التهديدات وزعزعة استقرار الشحن البحري في أضرار اقتصادية مثل رفع معدلات التأمين البحري، وخلق بلبلة في أسواق النفط الخام والأسهم.

مشاركة :