يصدح بائع الأيس كريم أو "الدندرمة" بين جنبات وأزقة فعاليات "مسك جدة التاريخية" بأهزوجة الفرح التي كانت سائدة بين أبناء المنطقة، وهو ينادي بأعلى صوته "آيسكريم يا ولد تعال شايفك"، مستحضراً أمام الزوار، خصوصاً من كبار السن، طعم الآيس الكريم الذي انتشر قبل حوالى ثمانية عقود. جلس الشاب في إحدى الزوايا، وجلست معه أفكار وذكريات من تحولق حوله وهو يصنع بآلة "الدندرمة" (آيسكريم زمان)، التي كان يتجول فيها البائع بين ردهات حواري جدة العريقة: الشام، والمظلوم، واليمن، والبحر، بآيسكريمه المعهود في ذلك الزمن وبيعه بقرش واحد. إحدى السيدات من كبيرات دخلت فيما يشبه المدارسة التاريخية مع بائع الآيسكريم، تلك المثلجات وتعرف بـ"الدندرمة"، وهي مفردة تركية دخلت إلى الحجاز قبل 80 عاماً من خلال الحجاج والمعتمرين، بحسب ما ذكره بائع الدندرمة أحمد بخور، وعرفتها الشام بالبوظة، هي من أشهر المثلجات التي عرفتها مدينة القدس وغيرها من المدن الفلسطينية. وكانت النكهات القديمة لا تتعدى السحلب وماء الورد، لتتطور فيما بعد وتشمل الليمون والتوت والشمّام أو ما يسمى باللهجة الحجازية بـ"الخربز"، وعند تجمّد الخليط يوضع في حافظات فيباع وسط كاسات معدنية صغيرة تعرف باسم "التوتوة"، وتعتمد عمليات الترويج قديماً على الأهازيج الشعبية المحلية، وهي في مجملها على نوع من السجع الارتجالي لكل نكهة من نكهاتها، فنكهة الليمون على سبيل المثال خصصت للحنون. وبداية دخول صناعة الآيسكريم، انطلقت من آلة تحوي إناءً معدنياً أسطواني الشكل موضوعاً داخل مجسم خشبي يحوي ذراعاً يدوية تسمى "هندل"، لتحريك الأسطوانة يدوياً لإدارة الأسطوانة الداخلية. ولفت بخور إلى أن خليط الحليب والسكّر كان يوضع داخل الأسطوانة، في حين تملأ الفراغات بينها وبين المجسم الخشبي بالثلج، مع إضافة الملح لمنع ذوبانه والحفاظ على برودة الآلة، ومن ثم تحريك الذراع حتى يتجمد الخليط في الإناء الأسطواني.
مشاركة :