نشأ في واحد من أعرق الأحياء المكية وأقدمها، وعاش فيها ألوانا من المعاناة والكفاح الذي صقل شخصيته وأكسبه من الخبرة الكثير مما ساعده على بناء نفسه وتكوينها ليضرب نموذجًا للشاب العصامي الذي بنا نفسه بنفسه. ويروي عبدالقادر الأحمدي، في حوار مع صحيفة “مكة” الإلكترونية، محطات هامة في حياته مليئة بالتحديات والمواقف الصعبة والطريفة، فضلا عن تجربته الرياضية وعشقه الأبدي لنادي الوحدة، مستعرضًا أبرز المشكلات التي يعاني منها النادي في المرحلة الحالية خلال المقابلة التالية: 1- في البدء نتعرف على ابن مكة المكرمة؟ اسمي عبدالقادر عبدالرحمن أبوعوف الأحمدي تشرفت ولا زلت أتشرف بأني من أهل هذا البلد المبارك. 2- في أي حارة كانت نشأتكم ؟ كانت ولادتي ونشأتي وشبابي في حارة جرول وتحديدا بشعبة المغاربة المطلة على المسجد المكي الشريف، ثم انتقلت عام 1406 هجري إلى حي العزيزية ولازلت أسكن فيه . 3- أين تلقيتم تعليمكم؟ تلقيت تعليمي في جميع المراحل وبفضل الله تعالى في مكة المكرمة .. فقد درست المرحلة الابتدائية في مدرسة الخالدية، والمرحلة المتوسطة في مدرسة عرفات، والمرحلة الثانوية في مدرسة مكة . أما البكالوريوس فمن جامعة الملك عبدالعزيز بجدة قسم التاريخ. 4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة ؟ كل ما في الحارات المكية القديمة رائع وغال من حيث الترابط، وتفقد الجار لجاره، والمحبة والتقدير، أشياء جميلة جدا لا تعوض ولن تعوض. 5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها ؟ في الحقيقة كنت آمل أن أكون معلما ولكن وعلى الرغم من كوني جامعيا إلا أنني فضلت العمل الإداري !؛ لعدم تحمل التعامل مع الطلاب، فكان الله في عون المعلمين والمعلمات. 6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة.. ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟ أداء الصلاة جماعة في المسجد بطبيعة الحال، وعدم الاختلاط برفقاء السوء، ومراعاة حقوق الجار، وغيرها من المبادئ والقيم. كما أن والدي لا يسمح لي بالذهاب إلى جدة حتى أصبحت شابا يافعا. 7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟ احترام الكبار يأتي في المقدمة فتجد مثلا الأب لا يسأل ابنه إذا كان في خدمة جاره، إضافة إلى اللوم في حال مخالفة الأعراف الاجتماعية. 8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس.. ما هي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟ حقيقة لدي بيت شعر للمتنبي لازلت أحتفظ به جيدا حتى الآن يقول : ما كل ما يتمنى المرء يدركه..تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. 9- الحياة الوظيفية.. أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها وآخرها؟ أول وظيفة لي كانت في دار الحديث المكي، ثم انتقلت إلى البريد السعودي، ثم لقسم المحاسبة بشرطة العاصمة المقدسة، وأخيرا بتموين الأمن العام بمكة المكرمة ومنه تقاعدت. 10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها؟ في ليلة دخول شهر رمضان المبارك كان النوم يطير من العيون؛ من شدة الفرح لدخول الشهر الفضيل، وكنا نسمع طلقات المدفع تدوي أصواتها في الحارة، والأنوار في الشوارع تزداد إضاءة عبر الأتاريك، وتجدنا نجلب ماء الزمزم بالدوارق من جوار الحرم، وهناك ناس يتبرعون بدوابهم ؛ لحمل الزمزم وصبه في براميل حديد في منتصف الحارة. أما عن شهر الحج فأهل مكة المكرمة وخاصة الذين لم يحجوا تجد أنهم يستفيدون من الموسم من بيع المأكولات، والمشروبات، والخيام، وفي إسكان الحجاج، ونقلهم للمشاعر المقدسة. وقد بعت الغاز، والماء ،والعصير، والبسكوتات، إضافة إلى بيع الخيام في مشعر منى . 11- تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة، كيف كان سابقا دور العمدة في الحارة ؟ اختيار العمدة سابقا كان ينبع من رغبة العمدة أولا، فهو ابن للحارة، ويعرف كل صغيرة وكبيرة فيها ويسعى جاهدا؛ لحل مشاكلها ليلا ونهارا بدون تحديد دوام رسمي له. أما في هذا الوقت اختلفت الأوضاع تماما؛ نظرا لطبيعة هذا العصر الحديث وليس بالإمكان أفضل مما كان.والعمد الموجودين الآن فيهم الخير والبركة إن شاء الله تعالى. 12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة ؟ في الحقيقة هناك قامات كانت موجودة وعلى سبيل المثال لا الحصر الأستاذ ماجد فيروزي، والعم عمر باعشن، والعمدة حامد بن محصن اللحياني، والشيخ عيضه عوض الله الأحمدي، والعمدة ناشئ المطرفي، وغيرهم كثير يرحمهم الله جميعا . 13- هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولا تنسونه ؟ نعم، كنت أرغب بشدة الالتحاق بثانوية الملك عبدالعزيز العزيزية، بعد الانتهاء من دراسة المرحلة المتوسطة؛ للظفر ببعثة خارج الوطن سواء لمصر، أو لبنان، ولكن للأسف اصطدمت رغبتي نهائيا عند قناعات مفتش إدارة التربية والتعليم بمكة المكرمة، آنذاك الأستاذ سعيد بوقزي _يرحمه الله _ وللآن وفي هذا العمر أتساءل لماذا تم منعي ..!؟ والحمد لله. 14- المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها؟ ذكرتني بالمدرسة، وبالأستاذ القدير عبدالعزيز غندورة، والأستاذ صالح الأنصاري والذي حصل على شهادة الدكتوراة لاحقا، وغيرهما _يرحمهم الله جميعا _ فقد كانوا بمثابة آباء لنا في تلك الأيام، وكانت تلك المرحلة تتميز بالشدة والصرامة. وأذكر حتى الفراش كان يتميز بالشدة والقسوة .. واسمه العم أحمد اليماني حين كان يساعد المعلمين في عقاب الطلاب ويقول حين الضرب (زيدهم يا أستاذ زيدهم ! ) وبالمناسبة كان يصحح لنا قراءة آيات القرآن الكريم إذا أخطأنا، وأيضا أتذكر أن المناشط كانت قوية جدا وكان يوم الخميس من الأيام المميزة للأنشطة الطلابية. 15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ماهي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك ؟ لا زلت أتذكر جيدا صحيفة قريش والتي لم تستمر كثيرا، و صحيفة الندوة سابقا، إضافة إلى بداية دخول التلفزيون بالأبيض والأسود، وحقيقة كنت أحب القراءة والكتابة وأذكر أني تقدمت بمقال وأنا في سن مبكرة لرئيس التحرير آنذاك الأستاذ أحمد السباعي _يرحمه الله تعالى _ولكن ردني بحجة صغر سني !. 16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة ؟ وكيف كانت ؟ وقت الأفراح تهب الحارة كلها على قلب رجل واحد، وتجد الجميع يقدمون الخدمات المناسبة كل حسب مقدرته واستطاعته في تلك المناسبة. 17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها ؟ نفس الوضع في الأحزان هو نفسه في الأفراح الفرق في الحدث فقط، ولا زلت أتذكر تكاتف أهل الحارة من الأقارب والأرحام، والجيران في عزاء والدي بعد وفاته في حادث مروري أثناء توجهنا مع جمع من الأقارب للمدينة المنورة؛ لحضور حفل زواج، ولكن حصل لنا حادث في الجموم وكنت في حالة يرثى لها_ آنذاك _ والحمد لله . 18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتها.. هل تتذكرونها ؟ وما الأبرز من تفاصيلها ؟ بطبيعة الحال وفاة الملك فيصل بن عبدالعزيز _يرحمه الله تعالى _ إضافة إلى حريق مني الشهير والذي كنا نرى نيرانه من مسافات بعيدة، وإن لم تخني الذاكرة فقد استمر إلى ما يقارب الثلاثة أيام . 19- ما هي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة شعبة المغاربة؟ طبعا كانت توجد لدينا الألعاب الشعبية البسيطة من المراجيح، ولعبة الشرعت، إضافة إلى لعب المزمار، ولعب الزير، ولعبة كرة القدم حيث كنت رئيسا لنادي الحارة واسمه الكوكب وكنا نمارسها في الحلقة بجرول بجوار مسجد الأمير متعب. ويلعب معنا بعض لاعبي الوحدة إذ لم يكن لديهم تمارين ومنهم اللاعب التوم جبارة، والكابتن القدير حسن السيد، وكذلك حينما يأتون لزيارتنا في مكة المكرمة أبناء الفودة أخي علي فودة وأخي محمد فودة . 20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروون بعضا من قصص الفقر المؤلمة ؟ كان معظم المجتمع في الماضي في ظروف اجتماعية ومادية متشابهة، فلم تكن المستويات متباعدة كثيرا، ولذلك كنا نقوم بالتغلب على هذه الظروف بالبيع بعد العودة من المدرسة. وقد قمت ببيع البليلة بعد أن تطبخها لي أمي، وأيضا كنت أبيع الشرشو بشارع عين زبيدة بجوار دكان عمي محيسن يرحمه الله وبعد الانتهاء من البيع أعطي النقود لأمي _يرحمها الله _ وكانت تفرح بها كثيرا وأذكر أنها أخذت جزءا منها وسافرت لزيارة المدينة المنورة، ثم إلى قرية المسيجيد؛ لزيارة الأقارب هناك وقدمت الملابس كهدايا وقالت بفخر .. : “هذه من فلوس ولدي عبدالقادر ” والحمد لله رب العالمين . 21 – ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟ أدعو للأموات منهم بالرحمة والمغفرة، كما أدعو للأحياء منهم بطول العمر، وحسن العمل. 22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم؟ الأحياء الجديدة يغلب عليهم الهدوء، والكل مشغول بنفسه عكس أصحاب الحارات القديمة، وآمل أن يعود التواصل بين الجيران. 23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟ أقضي أوقات فراغي بين الاطلاع ومشاهدة التلفزيون، والاستماع لبعض المحاضرات والحمد لله على كل حال. 24- لو عادت بكم الأيام ماذا تتمنون ؟ الاجتماعات الدائمة في مقر نادي الوحدة وخاصة في فترة الرئيس الوحداوي القدير عبدالله عريف يرحمه الله تعالى. 25- بصراحة.. ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر ؟ التباعد الاجتماعي بين الناس والله المستعان . 26- ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم ؟ كنا في رحلة سفر لمصر في أواخر التسعينات أنا ومجموعة من الأصدقاء، وذهبنا لمنطقة الأهرامات، وركبت الخيل من أجل أخذ جولة هناك وحين وصل بي إلى مكان منخفض جدا وقف ولم يتحرك تماما فعجزت أن أحركه حتى جاءني صاحبه وأنزلني قسرا من فوقه وعدنا مشيا على الأقدام للأسف إلى مكاننا الأول ما يقارب الكيلومتر فحرمت من التمتع؛ لمشاهدة الآثار الفرعونية الموجودة . كما أتذكر موقفا طريفا حصل لي أنا وأخي وصديقي الأستاذ وصل الرحيلي حيث كنت أملك سيارة فلوكس فاجن موديل 78م تقريبا وأردنا أن نركب شمعة أمامية جديدة للسيارة وبدأنا نحل المسامير حتى عندما انتهينا من حل آخر مسمار أردنا أن نخرجها بعد أن جهزنا الجديدة إذ يأتي قريب لي مسرعا ويكسرها عفوا فعدنا مرة أخرى؛ لتركيب الشمعة القديمة، وانتظرت والله يعلم بالأوضاع حتى ينزل الراتب الشهري؛ لشراء شمعة جديدة. 27- لمن تقولون لن ننساكم ؟ لوالدى ولوالدتي، وأخي وصديقي الأستاذ طلق المصيري يرحمهم الله جميعا، وكذلك لا أنسى أخي وصديقي محمد بن نامي وأخي وصديقي وصل الرحيلي حفظهما المولى عز وجل من كل سوء ومكروه . ولن أنسى أيضا الرحيم العم عواد سليمان فودة _يرحمه الله تعالى _والد الكباتن علي ومحمد وعبدالله وعبدالعزيز حين حضر مرة من المدينة المنورة؛ لمشاهدة مباراة لفريق الوحدة ضد الاتحاد وسألاه علي ومحمد _آنذاك _من تشجع اليوم ؟ فقال : ما يحتاج مكة المكرمة والمدينة المنورة بلد واحد، ونحن تاريخ واحد، ونشجع الوحدة من أجل مكة . 28- ولمن تقولون ما كان العشم منكم ؟ لكل من لا يهتم بالجوار، والرفقة، والسؤال عن الغائب . 29 – في الوحدة.. ماهي مشكلة النادي الأزلية ؟ قلة الدعم المادي، والتحزبات للأسف الشديد، الوحدة اسمها وحدة وليست فرقة ولكن ..!! كان الرؤساء في البدايات يسيرون خلف اسم النادي فقط، ولاحقا أصبحوا يسيرون خلف أسماءهم للأسف. وهذه معلومة لمن يرغب بها.. لقد كنا ونحن في سن الشباب وفي الثمانينات الهجرية ندفع مبلغا وقدره 10 ريالات مع نهاية كل شهر لأمين الصندوق بنادي الوحدة وكان سوداني الجنسية يعمل أثناء الدوام الرسمي في البنك العربي، وفي المساء بالنادي أثناء فترة رئاسة الأستاذ عبدالله عريف _يرحمه الله تعالى _ وهذا كان انطلاقا من حبنا لنادينا المكي العريق. 30- ماذا كان دوركم أنتم كمحبين قدامى آنذاك ؟ كنا مجموعة أنا والمحبين للكيان الوحداوي أتذكر بعضا منهم عبداللطيف الصبحي المشهور بالكويتي وسعيد الخزاعي وأخيه وخالد الروقي لاحقا إضافة للمحب عباس أبو النجا، وللمحب عبداللطيف العويضي يرحم الله الأموات، ويحفظ الأحياء منهم كنا نساهم بكل ما نستطيع إما بالجهود المادية، أوالمعنوية، أوبتسهيلات للاعبين؛ من أجل الانضمام للنادي وكل فينا يدفع حسب مقدرته، والذهاب مبكرا لجدة في حال وجود مباريات لنا وكنت أيضا برفقة أخي وصديقي الأستاذ طلق المصيري _ يرحمه الله تعالى _. هذا وكنت أستقبل بعضا من اللاعبين القادمين من المنطقة الشرقية، والليث، وينبع؛ لتسجيلهم في النادي بعد الحكم على مستواهم الفني. وأتذكر بالمناسبة أنني وقفت مرة خلف شبك المدرجات للتعكير على مزاج لاعب نادي الأهلي محمد الوصلة وكان لاعبا يمثل ثقلا كبيرا جدا في الفريق الأهلاوي، واللاعب الوحداوي محمود أبوزيد يلعب ضده وكنت أقول باستمرار (حطها بين رجوله يامحمود، نبغى كبري يامحمود، تراه ما يعرف يلعب يا محمود وهكذا…حتى اهتزت ثقة اللاعب الوصلة بنفسه وأصبح من أسهل ما يمكن مرور محمود أبو زيد من أمامه_ يرحمهما الله تعالى_ ). ولا أنسى أيضا توجه المحب غازي القرشي _ يرحمه الله تعالى _ ؛ لدعم فريق كرة اليد وحبه لهذا الفريق، وبالمناسبة أبارك للفريق الفوز بالبطولة وعلى المستويات المتميزة للأبطال. 31- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا.. وتقل لمن سامحناكم؟ أطلب الصفح والسماح لكل من أعرفه أو لا أعرفه أخطأت في حقه بقصد أو بدون قصد، كما أطلب من الجميع الصفح والسماح. 32- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة البار الأستاذ عبدالقادر الأحمدي؟ الشكر والتقدير لصحيفة مكة الالكترونية والتي أتمنى لها كل التوفيق والسداد في خدمة مكة المكرمة، والشكر موصول للابن الأستاذ عبدالله الزهراني رئيس التحرير الطموح ولك أنت أيها الابن.
مشاركة :