ما خلق الله أرض الكنانة إلا لتنجب أجيالا من بعدها أجيال، يعلمون أهل الأرض الحضارة لتستمر الحياة، ويبقى الإبداع متجددا، فلم يبهرنا فريق «كايرو ستيبس»، فقط بجمال الموسيقى ولا الإمكانيات الصوتية الهائلة التى يقدمها، أو الأداء الاحترافى للفرقة والجهد الكبير المبذول، بل أيضا كم الحب والمشاعر النبيلة والطاقة التى يمكن تلقيها واعتناقها فى عدة دقائق، مع الشيخ إيهاب يونس مرة ومع على الهلباوى مرة أخري، تنصهر مشاعر المسيحيين والمسلمين فى حب الله الذى يوحد الجميع فى لحظة تتخطى حدود الزمن وتتخطى ولا يطالها النسيان.منذ ١٧ عامًا، قام عازف العود المصرى ابن بنى مزار التابعة لمحافظة المنيا، باسم درويش، بتأسيس فرقة «كايرو ستيبس»، بالتعاون مع عازف البيانو والملحّن الألمانى الشهير ماتياس فراي، وجان بشرى عازف التشيللو، رامى عطاالله بيانو، محمد رأفت إيقاع، وولفجانج فيتيمان سوبرانو ساكسفون، عماد عزمى عازف الكمان، هانى الصواف ضارب طبلة ودف، ومنذ ذلك الحين، انطلقت الفرقة بجولات حول العالم لتقدم مزيجها الفريد من الألحان الشرقية والمصرية التقليدية مع ارتجاليات من موسيقى الجاز الحديثة والموسيقى الكلاسيكية والمعاصرة.تتمحور رؤية درويش حول ترك انطباع إيجابى عن الثقافة والتراث العربى والإسلامى من خلال العروض التى يؤديها، مع السعى لإعادة تقديم هذا التراث بأسلوب معاصر وجذّاب، وقد نجح فى ذلك عندما جمع بين غناء الشيخ المصرى إيهاب يونس لقصيدة صوفية باللغة العربية مع واحدة من أجمل المقاطع الكلاسيكية المألوفة للجمهور الغربى، وهى «جنوسين رقم ١»، للفرنسى إيريك سآتي، موضحا عازف العود أن العمل قائم على تقديم الإنشاد المصرى الروحي، بغض النظر عن الخلفية العقائدية وهو بروح مصرية خالصة، التى من خلاله نستطيع تقديم الإنشاد المسيحى للمسلمين والإنشاد الإسلامى للمسيحيين، وعن النصوص فأنا أنتقيها من نصوص التراث التى تظهر جمال أصولنا.فكان لنشأته دور كبير فى تشكيل وجدانه الروحي، فهو يرى أن التعامل مع الثقافات المختلفة الأخرى بعد نقل إقامته إلى ألمانيا، ولكنه محتفظ بشكل الموسيقى فى روحه منذ طفولته، فالنشأة شكلت طابعا ريفيا وروحانيا بداخله ما زال محتفظا بها رغم التعامل مع الجاز الحديث والموسيقى الكلاسيكية والأصوات المعاصرة.تضم فرقة «كايرو ستيبس» لفيفًا من العازفين المصريين والألمان معًا، وهذا الأمر يعد صعبا عند معرفته، لكن كان هذا المزيج وراء حصولهم عام ٢٠١٨ بجائزة موسيقى الجاز الألمانية الذهبية المرموقة عن ألبومها فلاينج كاربيت أو السجادة الطائرة، يروى «درويش» عن ذلك بأنه يقوم فريق «كايرو ستيبس» بدمج أساليب موسيقية متنوعة من مختلف أنحاء العالم، وكذلك دمج التقاليد المصرية الشرقية مع ارتجاليات موسيقى الجاز الحديثة والموسيقى الكلاسيكية مع أصوات إلكترونية، تتأثر الموسيقى التى يقدمها الفريق بالموسيقى الروحية والتقاليد الصوفية، وذلك بالتناوب مع إيقاعات ذات انسجام قوى، حتى نحصل فى النهاية على موسيقى مختلفة ومنفردة تحوى عددا كبيرا من الثقافات المختلفة.وتابع، إضافة إلى مختارات من المؤلفات الكلاسيكية والعربية التى أعدت بأسلوب موسيقى الجاز، فأخذت من الموسيقى الغربية وأضفتها إلى العربية، فتتأثر الموسيقى بالموسيقى العرقية الروحية والتقاليد العربية والبدائل بين نوبات الصوت التأملى والإيقاعات القوية، والنتيجة هى أسلوب موسيقى فريد ومزيج مثير من الثقافات العديدة.مجال الفن الروحى كان بعيدا تماما عن الاهتمام من قبل الفنانين، ولكن عازف العود المغامر بكل ما هو روحانى قام بإضافة مقامات موسيقية لم يكن متعارفا عليها من قبل، وكان مغلقا على الإنشاد بأن يقدم بشكل محدد ولا أحد خرج فيه عن المألوف، قائلا: «لكنى بفضل الله قمت بهذه الطفرة ودخلت الموسيقى مع الإنشاد والحمد لله الشعب المصرى أحب ذلك ورحب به، فكانت تجربتى مع الشيخ إيهاب والهلباوى أصبحنا أصحاب مدرسة متميزة، وفى متناول المستمع المصرى، وما زال المنشدون لهم منطقتهم الخاصة ولكن الآن أصبحوا فى الأوبرا والأفلام والتليفزيون».متقال قناوى متقال أو «الريس متقال»، فنان شعبى مصرى معروف، فكان لعازف العود حظ وفير عندما تعلم وتأسس على يديه، وهو فى عامه السابع عشر، حسبما ذكر قائلا: «الريس متقال والريس شمندى ومحمد مراد كانوا مدرسة الفن الصعيدى، ولكن ليس لهما علاقة بالإنشاد، ويرجع أصل متقال إلى الغجر الذين أتوا إلى مصر من الهند عبر تركيا، وهم جذورهم غير مصرية، ويطلق عليهم «النور» بمصر، وسجلت معه ألبومين والعديد من الحفلات كانت فترة قصيرة جدا، ولكنى تعلمت منها الكثير الذى أضاف لى فى مشوارى الفني.الشيخ إبراهيم والشيخ ياسين التهامى والعجوز كلهم تركوا أثرا كبيرا فى فكر مؤسس فريق «كايرو ستيبس» الموسيقى والفني، ولا ينسى الشيخ محمد الهلباوى الذى تعلم من خلاله الكثير، وعن المقرب له تحدث بشجن ومحبة عن علاقته بالشيخ إيهاب يونس.الإنشاد الكنسى له دور مهم، وهذا يضفى على الإنشاد الإسلامى الروح المصرية، فهذا النوع الفنى قدمه الشيخ النقشبندى مع بليغ حمدي، ومع عمار الشريعى قدم بشكل آخر، فكان مع الهلباوى ويونس لهما شكل جيد مما لاقى استحسان الجميع والقبول، وذلك أعطى شكلا جيدا للفن الروحى والوسطى ومصر قبلت النوع الوسطى للفن وقدمته بالفعل للعالم كله.
مشاركة :