أخفقت الحكومة المصرية في أول اختبار في المشروع القومي لتطوير التعليم، بعدما سقط النظام الخاص بالامتحانات الإلكترونية ولم يستطع الطلاب الوصول إلى الأسئلة الرقمية، ولجأت وزارة التعليم إلى طباعة امتحان ورقي لإنقاذ الموقف، وسط تذمّر وغضب الأهالي خارج لجان الامتحانات. ووقفت سعاد محمد ضمن العشرات من الأمهات اللاتي ينتظرن بناتهن أمام مدرسة الشعراوي بالقاهرة بعد انتهاء الامتحان، ولا يحتاج الأمر إلى سؤالها عن شعورها بعد فشل الامتحان الإلكتروني، إذ تكفي ملامح وجهها الغاضب. تقول سعاد “جميعنا رفض تطوير التعليم بهذه الطريقة العشوائية، لكن الحكومة عاندت وكأن أولادنا فئران تجارب.. لم تفهم الحكومة أن الأسر يمكن أن تهادن في أي شيء إلا المساس بأبنائها”. وتضيف الأم، وهي حاصلة على بكالوريوس في التربية، “الحكومة تعاملت مع مشروع تطوير التعليم كمحور تنموي، وهي تسابق الزمن ليضاف إلى قائمة إنجازاتها فاصطدمت بالأهالي لأنها اقتربت من الخط الأحمر عند الأسرة، أي المساس بمستقبل الابن أو البنت، وهذه مغامرة محفوفة بالمخاطر، فأنا كأم لن أقف مكتوفة الأيدي وأرى ابنتي منهارة نفسيا لأنها طوال الوقت تشعر بالفشل والضياع″. لم تكن النبرة الغاضبة لسعاد استثنائية، فقد أصبحت حالة عامة، دون تفرقة بين مؤيد ومعارض، واتفق الفريقان على إخفاق الحكومة في الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها السابقة بشأن وجود استراتيجية متكاملة للتطوير، وبدا ذلك من تحوّل صفحات التواصل الاجتماعي إلى “ثورة إلكترونية أسرية” ضد الحكومة. وتخشى بعض دوائر الحكم أن ينعكس الغضب الشعبي من الفشل الحكومي في تطوير التعليم على المشروعات الطموحة التي يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسي في مجالات أخرى، والخوف الأكبر أن يخفت دعم الشارع للنظام كلما قرر إطلاق مشروعات لها علاقة مباشرة بالمواطن وحياته ومستقبله بدافع أنه لا توجد أرضية خصبة للثقة. لدى الكثير من الأهالي شعور بأن الحكومة غير جادة في تطوير التعليم وتروّج لذلك كنوع من الدعاية السياسية، بدليل أنها تنفق المئات من المليارات على مشروعات تنموية وترفض توفير الأموال التي يحتاجها مشروع التعليم. ويستند هؤلاء على كلام طارق شوقي وزير التعليم قبل أيام، بأن “السيستم” سقط في الامتحانات التجريبية لأن الوزارة لم تجد أموالا تدفعها لاشتراك الإنترنت. وأظهر الإخفاق في تجربة الامتحانات أن “سيستم” الحكومة عامة يعاني الخلل والتخبط وغياب الحنكة والشفافية في التعامل مع القضايا الجماهيرية، والفشل في تجاوز الأزمات بأقل الخسائر، وهو مؤشر ينذر بزيادة الغضب في الشارع، لأن الناس بدأت تتجاوز حدود النقمة على تصرفات الحكومة إلى السخط على الأداء العام لباقي المؤسسات الشريكة في صناعة القرار. وتتعاظم الأزمة بالإصرار على العناد مع الشارع في الخطأ، إذ كان من الممكن اختبار الطلاب ورقيا وتأجيل التجربة الإلكترونية إلى العام المقبل، وهو خيار يدعمه الأهالي والطلاب لحين اكتمال المنظومة، لكن الحكومة تمسكت بجاهزية الاستعدادات، وأعلنت أن “الرئيس السيسي يتابع خطة التطوير لحظة بلحظة، ومطلع على كل تفاصيلها، وهناك بدائل مبتكرة لأي أزمة”. وتكمن الأبعاد السياسية في وضع الحكومة الرئيس السيسي في حرج، لأنها روجت للناس أنه على دراية بكل خطوة، ثم انتهى الأمر بالإخفاق، وهي سابقة أولى من نوعها أن يكون اسم السيسي في مشروع قومي أو تنموي وتشعر الفئة المستهدفة منه أنه فشل، لاسيما وأنه يعلن دوما أنه لا يقبل الخطأ والتهاون والتراخي في أي جزئية بسيطة مرتبطة بمشروع بادر بإطلاقه.وتعوّل الحكومة على خريجي نظام التعليم المتطور في بناء دولة ذات قوام راسخ، فكريا وثقافيا وتنمويا، باعتبار أن المشروعات القومية لا قيمة لها دون إنسان متعلم بشكل عصري، بحيث يكون لدى مصر جيل جديد يتزامن مع انتهاء الدولة من استراتيجية التنمية المستدامة عام 2030، وبالتالي سوف يعاني النظام كثيرا من تراجع الظهير الشعبي الذي يدعم هذا التوجه. ويرى متابعون أنه حتى إذا استجابت الحكومة وقررت تغيير أو تجميد المشروع فإن الانعكاسات السلبية ربما تكون أشد، لأنها ستكون متهمة بإهدار المال العام وإنفاق قرابة 500 مليون دولار (قرض للتطوير من البنك الدولي)، فضلا عن خسارة دعم شعبي قوي، سواء من أنصار السيسي أو الآلاف من الأسر التي باتت تشعر بضياع مستقبل أبنائها. وقال عبدالحميد زايد خبير علم الاجتماع السياسي إن مشكلة الحكومة أنها لا تتعامل بحسابات دقيقة مع الملفات التي تمس حياة ومستقبل الأهالي، وتعتبر أنه لا بديل عن تطبيق سياسة الأمر الواقع بذريعة الإنجاز، والأزمة توحي للناس بأن خطواتها مدعومة لدفعهم إما إلى الصمت والقبول، وإما الخوف من النقد والهجوم. واعتبر زايد في تصريح لـ”العرب” أن خطورة الإخفاق في ملف يمس صميم حياة الناس مثل التعليم أو الصحة، يزيد اتساع دائرة غياب الثقة بين الشارع والحكومة، وهي معضلة كان الرئيس السيسي نجح في تجاوزها بإنجاز مشروعات تنموية، لكن شعور الأهالي بتلاعب الحكومة بهم أو أنها خدعتهم، سوف تكون له تداعيات سلبية تشكك في أداء النظام برمته، ما لم يتدخل رأس السلطة بالحل قبل تفاقم الغضب في الشارع.
مشاركة :