هل ينجح الجيش الليبي فيما فشل فيه السياسيون؟

  • 5/20/2019
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

منذ انهيار نظام معمر القذافي بعد التآمر عليه وإسقاطه بالقوة دخلت ليبيا مرحلة خطيرة من الفوضى وعدم الاستقرار وفقدت ليبيا نتيجة لذلك وضعها السابق المتسم بالاستقرار والرفاهية لشعبها. وبالرغم من أن نظام القذافي كان يوصف بكونه استبداديا فإنه نجح في تحقيق الاستقرار والتنمية للمجتمع الليبي على مدار 30 سنة متواصلة. اليوم تحولت ليبيا منذ عام 2011 إلى مرتع للمليشيات العسكرية والسياسية التي استفادت من أموال الدولة الليبية التي تم نهبها ومن الأسلحة التي تناثرت في كل مكان وأصبحت بين أيدي الجميع تقريبا. وزاد الطين بلة مثل ما يقال التدخلات الأجنبية على الخط الليبي التي باتت معروفة لدى الجميع وهي تدخلات ترتبط بالمصالح الاقتصادية والعقود النفطية. وقد تأكدت خلال المرحلة الفاصلة بين عامي 2011 و2019 حقيقة أن تيارات الإسلام السياسي هي التي تقف وراء أغلب المشكلات التي تعاني منها ليبيا إضافة إلى المجموعات الإجرامية التي وجدت المسرح الليبي ملائما للنهب والسرقة واستخدام السلاح للخطف وطلب الفدية إضافة أيضا إلى الجماعات القبلية والأثنية التي وجدت في تضعضع هياكل الدولة وسقوطها وضعف الدولة المركزية فرصة للدفاع عن مصالحها الضيقة باستخدام السلاح وتحويلها أقاليمها أو مناطقها إلى ما يشبه الدويلات ولم يبق لليبيا إلا بقايا الجيش الوطني الليبي الذي يقوده القائد العسكري خليفة حفتر. لقد أعطى السياسيون فرصة كافية للانتهاء من المرحلة الانتقالية لبناء نظام سياسي ما بعد القذافي قائم على أساس ديمقراطي ومدني إلا أنهم اخفقوا في تحقيق هذه المهمة إخفاقا كاملا أو شبه كامل على الأقل. فقد شهدت ليبيا جولتين انتخابيتين منذ العام 2011 وتشكل عدد من الحكومات وانتخاب برلمان شرعي لا يزال موجودا حاليا في طبرق وهو الذي يقدم حاليا الدعم والشرعية للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر إلا أن قوى «الإسلام السياسي» في عام 2014 انقلبت على المعادلة السياسية التي كانت قائمة والتي كان بالإمكان أن تنقل ليبيا إلى مرحلة من النمو السياسي والاقتصادي وذلك لأن «الإسلام السياسي» وخاصة جماعة الأخوان المسلمين تحديدا الذي يمتلك عددا من المليشيات العسكرية التي تمتلك المال والدعم الخارجي والتي أصبحت قوة ليس في مصلحتها الاستقرار واستعادة وحدة التراب الليبي ووجود دولة القانون فهذه المليشيات باتت بمثابة دولة داخل دولة ولم يعد في مصلحتها الاستقرار لأنه يفقدها السلطة والتسلط والموارد المالية الضخمة التي بحوزتها حاليا وذلك عند استعادة الدولة لسلطتها على السلاح والمال والنفط. إن هذا الوضع المضطرب والخطير والذي يهدد وحدة الدولة الليبية وأقاليمها وخاصة إن مساحة ليبيا تبلغ مليونا وسبعمائة وستين ألف كيلومتر مربع وبها ثروة نفطية وغازية ضخمة مع عدد سكان محدود لا يزيد عن ستة ملايين ونصف المليون نسمة, هو أمر يحتاج إلى دولة مركزية قوية وإلى جيش وطني قوي قادر على الدفاع عن وحدة الأراضي الليبية حدودها وأقاليمها المختلفة. كما أن ليبيا واقعة ضمن موقع استراتيجي مغر للدول العظمى وخاصة الدول الأوروبية فضلا عن أن ثرواتها النفطية الهائلة وقربها من أوروبا تجعلها محل صراع وتجاذب بين الايطاليين والفرنسيين والأتراك والبريطانيين وهذا ما يفسر اختلاف المواقف الغربية اختلافا واضحا وبينا أمام ما يجري من صراع وقتال حول طرابلس بين الجيش الوطني الليبي والمليشيات التي تدافع عن حكومة السراج. إن أمل ليبيا الوحيد الآن وفي ظل الفوضى السائدة وانهيار الدولة المركزية وانتشار المليشيات الإسلاموية والإرهابية وتكالب الدول الغربية على هذا البلد العربي الكبير هو في الدور الفاعل للجيش الوطني الليبي إذا نجح في توحيد ليبيا واستعادة هيبة الدولة ووحدة الأراضي الليبية فسوف يمكن وقتها إنشاء الدولة المركزية وإقامة انتخابات ديمقراطية حقيقية ولذلك فإن المعركة الحالية هي معركة ليبيا معركة البناء والاستمرار أو الموت والانهيار والتفكك والصراع الدولي حول ليبيا الذي لا يعبأ ولا يهتم كثيرا بمصلحة ليبيا وشعبها بقدر ما يهتم بالحصول على المنافع النفطية والاقتصادية. وهذا ربما ما يدركه القسم الأكبر من المجتمع الليبي الذي بدا واقفا مع جيشه الوطني سواء في طرابلس أو في المناطق الأخرى. وفي ظل هذه الأوضاع الحالية الملبدة بروح القتال والتطاحن فإن الجيش الوطني الليبي هو الوحيد الذي يحمل مشروعا وطنيا توحيديا يقوم على 3 أركان: الأول: هو حماية الحدود الخارجية للدولة الليبية ووحدة أراضيها وأقاليمها تحت سلطة مركزية. الثاني: إقامة دولة القانون واستعادة هيبة الدولة والقضاء على المليشيات الإرهابية بكافة أشكالها وأنواعها وامتداداتها الخارجية. الثالث: تسليم السلطة إلى المدنيين بعد تنفيذ انتخابات ديمقراطية بإشراف دولي تشارك فيه جميع القوى الليبية والأحزاب السياسية بجميع اتجاهاتها بحيث تكون هذه الانتخابات مقدمة لوضع دستور دائم للدولة الليبية وضمان التداول السلمي للسلطة ووضع حد نهائي للاقتتال ليكون بذلك تمهيدا لاستعادة الشعب لاستقراره ووحدته وتمتعه بثرواته. وللأسف فإن الضعف العربي وتفكك الجبهة العربية الموحدة وضعف جامعة الدول العربية لم تساعد ليبيا على استعادة وحدتها وقوتها لتكون سندا للأمة العربية ولولا وقوف عدد من الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة مع ليبيا ووحدتها وتمكن جيشها الوطني لكان الأمر أسوأ مما كان عليه وخاصة أن الجيش الوطني الليبي قد أظهر خلال السنوات القليلة الماضية أنه قوة ضاربة يمتلك رؤية وطنية بعيدة عن أي تصنيف طائفي أو قبلي أو مناطقي مما جعله مؤهلا لهذا الدور الوطني في ظل فشل وعجز السياسيين في حل المعضلة الليبية.

مشاركة :