استمعت إلى مقطع قديم للشيخ علي الطنطاوي - يرحمه الله- فسجلت الملاحظات التالية: - الهدوء في الطرح. - اللغة البسيطة الواضحة. - لغة الجسد الطبيعية غير المصطنعة. - عدم استخدام لغة هجومية في التوجيه. - الأسلوب غير المباشر في الوعظ. - المظهر البسيط غير المتكلف. - عدم استخدام رفع الصوت. - عدم التعالي على المتلقي. تلك بعض الملاحظات وهي مهارات وموهبة من الله لهذا الشيخ الفاضل الذي كان يأسر المتلقي بطريقته الجذابة واسلوبه المؤثر في التوجيه والوعظ منطلقا من ثقافة واسعة بناها عبر تاريخ طويل من القراءة والتجارب العلمية والعملية في مواقع عربية مختلفة. لقد وجدت طريقة الشيخ الطنطاوي في المحاضرات والتوجيه أفضل مقدمة مناسبة للحديث عن مهارات الاتصال التي هي ركن أساسي في حياة كل انسان، ويحتاجها الجميع بدرجات متفاوتة، وخاصة الذين يتعاملون مع الناس بشكل مباشر ويعملون في مجال التعليم والتوجيه والارشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المربي، والمعلم، والداعية، واستاذ الجامعة، والمدرب، والقائد، والمدير، لا يستطيعون تحقيق التأثير المطلوب بدون توفر مهارات الاتصال التي تساعد في ايصال الرسالة الى المتلقي بالمعنى المقصود وإحداث التأثير المطلوب.. والأب في تعامله مع أبنائه قد يكون على تواصل دائم مع أبنائه، يتابعهم ويتحدث معهم لكنه لا ينجح في التأثير في سلوكهم. قد يكون السبب أن اسلوبه في الاتصال يعتمد دائما على إعطاء الأوامر، والتهديد، والتقريع، والصراخ، والتركيز على الأخطاء فقط. يحصل ذلك على مستوى بيت واحد، فاذا افترضنا أن اسلوب ذلك الأب مع أبنائه هو نفس الاسلوب الذي نتبعه في المساجد والمدارس والجامعات، فهل نتوقع نتائج ايجابية؟ فالمعضلة التي تطرح دائما للنقاش هي الفجوة بين القيم والممارسات، والحل الجاهز دائما هو المزيد من برامج التثقيف والتوعية. هذا لا اعتراض عليه. السؤال الذي نطرحه يتعلق بطرق وأساليب برامج التثقيف والتوعية ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها.. فلا أعتقد أننا أخضعنا تلك الطرق والأساليب للتقييم بدرجة تكفل تطويرها. ولو فعلنا فقد نكتشف أن من معوقات الاتصال الفعال في حواراتنا استخدام الاسلوب الهجومي في النقد والميل نحو اللوم وليس البحث المشترك عن الحلول، واستخدام اسلوب الأوامر والتهديد، والاستقبال أو الانصات الانتقائي حين نستمع لما نريد وما يتفق مع آرائنا فقط!. ولو راجعنا أساليبنا في التربية والتوجيه والارشاد، وفي بيئة العمل لوجدنا بعض تلك المعوقات. وهي موجودة أيضا في المدارس والجامعات، وأبرز المعوقات في ميدان التعليم أن يكون الاتصال ذا طريق واحد حين يكون المعلم هو المرسل والطالب هو المتلقي الذي لا يشارك ولا يسأل وبالتالي فهو يضيف رصيدا من المعلومات الى ذاكرته فقط، ثم يحفظها من أجل اجتياز الاختبار، لكنه لم يكتسب مهارة الاتصال والحوار ومهارة المشاركة في انتاج المعرفة. وهذا موضوع من الموضوعات الجوهرية في برنامج تطوير التعليم ويحتاج الى عودة أكثر تفصيلا.
مشاركة :