لا تتوانى الروائية الشابة لينا هويان الحسن عن إيلاء قضية المرأة العربية بعامة، والسورية بخاصة، أقصى عنايتها لاستعادة هويتها الإنسانية. وإذا كانت معنية بهذا الموضوع بداهة، بصفتها الأنثوية كغالب الكاتبات والشاعرات، إلا أنها تتباين عنهن في معظم رواياتها، بطريقة المقاربة القصصية التي تتميز بسبر أغوار القضية النسوية، لا من باب المظلمة والقهر والتعسف، ولا من باب البوح الرومنطيقي، أو التذمر أو الاكتئاب، وإن كانت مثل هذه المشاعر ليست غريبة عن بطلاتها، بل هي في جوهر معاناتهن. لكنها تسلك في هذه القضية مسلك المتقصية والباحثة عن جذور القمع التاريخي المترسب في قاع المجتمعات العربية التقليدية، وذلك عبر التنقيب والحفر في متون المرويات الشعبية، والمؤلفات المنشورة، والصور المتبقية عن مراحل زمنية تتحدث عنها في قصصها، والإحاطة بكل المرجعيات التي تتطرق إلى هذه الحقب، من دون أن تشكل هذه النزعة مدخلا لكتابة رواية تاريخية أو توثيقية. جل ما في الأمر تعرية الخلفيات التي ينجم عنها هذا الاختلال الاجتماعي، الذي يحدث عادة لمصلحة الرجل، والميزة الثانية التي تتمتع بها روايات الكاتبة، أن الإشكالية النسائية لديها لا تنفصل عن الإشكالية العربية العامة، المتمثلة في الصراع الطبقي، أو المناطقي أو الديني، أو التفاوت الثقافي والتعليمي والحضاري بين الشرائح الإجتماعية المختلفة. في روايتها الجديدة «ألماس ونساء» (دار الآداب)، لم تخرج لينا هويان الحسن عن السياق المذكور، إذ رسمت مصائر عدد من النسوة السوريات اللاتي توطن في المهجر الأمريكي اللاتيني والباريسي، عشية الحرب الكونية الأولى لأسباب متباينة، إما هربا من المجاعة أو البؤس أو الخيانة أو الطموح أو اليأس أو الحرمان. ولكن مجمل ما حدث لهن من نهايات فاجعة أو مبهجة، إنما كان حصيلة التفاعل الديناميكي مع هذا العالم الجديد، بكل ما انطوى عليه من مغريات أو عوائق. بين ألماظ (بطلة الرواية) وألماس علاقة تتخطى الجناس اللفظي، إلى علاقة وجدانية جعلت من العقد الماسي الذي كانت تحتفظ به البطلة أعواما مديدة، هدية من جدتها بابور الهندوسية، يتحول مع مرور الزمن، إلى تميمة من التمائم السحرية التعويذية. فلما خسرته في النهاية على طاولة الميسر، خسرت معه حياتها، بعدما رمت نفسها في لجة مياه عميقة. وقد سئمت من مسار حياة طويلة من القنوط والرتابة والصبر، رغم ما كان يحدق بها من مظاهر الثراء والرفاهية. تحاول القاصة من خلال تتبع مسار ألماظ، ومعاناتها مع زوجها الكونت العجوز كرم شاهين الخوري اللبناني الأصل الذي يزدريها، ولا يراعي مشاعرها الأنثوية والزوجية، استجلاء حياة المهاجرين العرب، لا سيما السوريين واللبنانيين منهم، وتظهير واقعهم في بلاد الغربة. وهي تضيء على أنماط حياتهم، وعاداتهم، وأذواقهم، وطرائق تجاراتهم، وطموحاتهم، وعلاقتهم بعضهم ببعض. جاليات حملت كل منها إلى موطنها الجديد أعرافها وصبواتها وأعطابها وذاكرتها، قبل أن تمحوها أو تمحو بعضها أصابع الزمن. وتنحو الروائية إلى الإماطة عن الشروخ في قلب الأواصر الاجتماعية والسياسية، حيث تنشب المنازعات في وجهات النظر، حول ما يدور من أحداث في دمشق، أثناء الحرب العالمية، بين معارضين ومؤيدين للحركة العربية، ومطالب الاستقلاليين. هل نقرأ عبر هذه السجالات إسقاطات على ما يجري اليوم بين أطياف المعارضة السورية في الخارج؟.
مشاركة :