قمة عربية بلا أوهام

  • 3/23/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

السؤال المنطقي الذي سيطرحه الناس السبت المقبل: هل تستطيع القمة العربية التي ستقام في مدينة شرم الشيخ المصرية أن تعالج أمراض وجراح النظام العربي؟ الإجابة المتوقعة المنطقية ستكون بالنفي، فحال العرب الآن أسوأ من أي وقت مضى، وحين كانت العلاقات العربية -العربية طيبة وطبيعية كانت القمم العربية تخرج بقرارات وتوصيات لا تجد سبيلاً للتنفيذ، خصوصاً في شأن قضايا تتحكم قوى أخرى فيها، فما بالك الآن والعرب منقسمون، بل وبعض دولهم مقسم! سيخفف من صعوبة الجلسة الافتتاحية مثلاً أن القمة ستُسلم من الكويت إلى مصر، والدولتان بينهما علاقات ممتازة، فماذا لو كان الأمر مختلفاً؟ المؤكد أن الاهتمام كان سينصب على مشهد تسليم القمة من قطر إلى مصر مثلاً، فوفقاً للبروتوكول فإن رئيس القمة المنتهية يسلمها إلى رئيس الدولة التي تستضيف القمة الجديدة ليقود العرب لمدة سنة إلى حين موعد القمة التالية. حال العلاقات بين الدوحة والقاهرة ليس خافياً على أحد والتفاصيل كبيرة، و «الإخوان» بين الدولتين، ولا تبدو في الأفق نهاية للخلاف الذي تحول إلى صراع أثر بدوره على الأوضاع حتى في دول أخرى، وليبيا مجرد نموذج. دعك من التفكير في ذلك المشهد الافتراضي وترقب مستوى التمثيل القطري في القمة، والمواقف التي ستتبناها الدوحة في الاجتماعات، وطريقة تعامل مصر معها. في سنوات ماضية كانت القمم مناسبة لمصالحات بين الرؤساء والزعماء، لكن قمة شرم الشيخ لا مجال فيها لمصالحات، لأن الخلاف ليس شخصياً بين زعيمين، أو مصالحياً بين دولتين، وإنما للأسف أصبح وكأنه صراع وجود بين نظامين أو دولتين! إذا كانت الحال كذلك فما جدوى القمة؟ خصوصاً والنظام العربي لا يعاني فقط تناقضات جوهرية في أهداف عناصره وسياسات أعضائه وإنما وصل إلى حد أنه أصبح يعاني معضلات في ما يخص الأمور الشكلية والبروتوكولية. لا تنخدع كثيراً بجدول أعمال القمة الذي يتضمن ملفات بالفعل مهمة كالقضية الفلسطينية التي هي دائماً بند ثابت في القمم العربية، وكذلك بالطبع الأوضاع في العراق واليمن وليبيا، إضافة إلى الملفات الأخرى التي سيتصدى لها الزعماء العرب وسيسعون إلى وضع حلول لها كقضية الإرهاب. فليس سراً أن غالبية المشاكل لم يعد للنظام العربي قدرة على حلها، وأن حلولها ليست في أيدي العرب. هل يمكن أن تحل مشكلة العراق من دون ضوء أخضر من إيران؟ هل تجد المأساة السورية نهاية من دون موقف لأميركا خصوصاً والغرب عموماً إضافة إلى تركيا وإيران؟ هل تقوم الدولة الليبية الجديدة من دون موقف لأوروبا؟ المعضلة الأكبر أن دولاً عربية صارت متهمة بالتواطؤ مع سرطان الإرهاب بدعمه أو التبرير له، أو صناعة المناخ الذي يساعده، أو التغاضي عن ملاحقة القائمين عليه. التناقضات العربية صارت أكبر من أي وقت مضى، ولم تعد أي قمة قادرة على تجاوزها أو حلها أو حتى تهدئتها. في زمن سابق كانت الخلافات تتعلق غالباً بالمصالح، أو العلاقات مع القوى الكبرى، أو حتى النزاعات الحدودية، والآن صارت أيضاً أيديولوجية ليس بين المذاهب فقط كالسُنة والشيعة، كما الحال في العراق واليمن، ولكن أيضاً بين أصحاب المذهب الواحد. و «الإخوان» و «داعش» و «فجر ليبيا» و «أنصار بيت المقدس» نماذج طافية على السطح في دول تحكمها أنظمة وتسكنها شعوب من السُنّة. حتى التحالفات الإقليمية داخل النظام العربي أصبحت أيضاً مهددة بفعل المواقف المتناقضة والسياسات المتعارضة. على ذلك لا تتوقع أن تخرج القمة بحلول لقضايا تتجاوز قدراتها على حلها، وأقصى ما يمكن أن تحققه هو أن تُرسخ مواقف أطراف عربية مقتنعة بضرورة وجود النظام العربي ذاته مقابل أطراف أخرى لم تعد ترى في العرب أملاً، أو في النظام العربي فائدة، أو في الجامعة العربية رجاء. وإلى حين أن تتبدل الظروف الداخلية والأوضاع الإقليمية والمصالح الدولية سيبقى النظام العربي مهدداً طالماً بقيت دول بلا حكومات أو رؤساء أو جيوش... أو شعوب!

مشاركة :