وصل وفد إسرائيلي رسمي رفيع إلى باريس، أمس، لمناقشة الاتفاق النووي المزمع توقيعه بين القوى العظمى وإيران، في محاولة للاستفادة من الموقف الفرنسي المتشدد، وإيجاد صيغة توافقية بين البلدين في مواجهة الموقف الأميركي، الذي يعتبره البلدان «مائعا». ويواصل الوفد الإسرائيلي إلى بريطانيا وألمانيا، محاولا تقريبهما من الموقف الفرنسي وفقا لمصادر أمنية في تل أبيب. ويأتي اللقاء بين إسرائيل وفرنسا قبل يومين من بدء الجولة الأخيرة والحاسمة من المفاوضات بين إيران والقوى العظمى، من أجل التوصل إلى تفاهمات حول اتفاق إطار لاستئناف المفاوضات في المسألة النووية. يترأس الوفد الإسرائيلي وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شطاينتس، ويشارك فيه مستشار الأمن القومي في ديوان رئيس الحكومة يوسي كوهن، ومسؤولون آخرون في وزارة الخارجية وأجهزة المخابرات. وقد التقى أعضاء الوفد الإسرائيلي مع أعضاء طاقم المفاوضات الفرنسي، للمحادثات النووية مع إيران، برئاسة المدير العام السياسي لوزارة الخارجية الفرنسية نيكولا دي ريفييه. وأكدت مصادر في وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية أن «هذه الزيارة تهدف إلى بذل جهود اللحظة الأخيرة للتأثير على التفاهمات الإيرانية الدولية، حتى تضمن لجم المشروع النووي الإيراني العسكري». وقد تم التركيز الإسرائيلي على باريس، باعتبار فرنسا «أكثر الدول الغربية تصلبا في موقفها من إيران، وأنه من خلال إقناع الفرنسيين يمكن إجراء تحسينات على الاتفاق». وسيحاول الوفد إقناع فرنسا بأن «تفجير المفاوضات مع إيران لن يكون مصيبة، في حال أصرت طهران على موقفها، ويمكن إفهامها بأن الغرب يصر على اتفاق جيد ومضمون بأي ثمن». وأشارت هذه المصادر إلى أنه في الجولة الأخيرة من المحادثات التي جرت بين إيران والقوى العظمى في لوزان السويسرية، ظهرت خلافات جدية بين فرنسا والولايات المتحدة، من شأنها أن تصعب تحقيق تقدم في المحادثات. فقد طلبت فرنسا من إيران تنفيذ مطالب الوكالة الدولية للطاقة النووية وكشف المعلومات كافة المتعلقة بالجانب العسكري المحتمل للخطة النووية الإيرانية، كشرط للتوصل إلى اتفاق. وتشتبه الوكالة الدولية للطاقة النووية بأن إيران نفذت قبل سنوات تجارب على تصنيع رأس حربي لصاروخ طويل المدى، يمكنه حمل قنبلة نووية وإجراء تجارب على آلية لتفجير الأسلحة النووية. ويعارض الفرنسيون، أيضا، الإسراع في رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران. وترى إسرائيل أن بالإمكان أيضا التأثير على موقفي بريطانيا وألمانيا في هذا الموضوع. وسئل أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي عما إذا كان الفرنسيون يربطون بين مواقف إسرائيل في الموضوع الفلسطيني وبين موقفها من النووي الإيراني. فأجاب، كما نشر موقع «واللا» الإخباري، أمس: «فرنسا معنا في الموضوع الإيراني ومع الفلسطينيين في الموضوع الفلسطيني. وهذا وضع مُركّب. ولكن الجميع يعرف أن الإدارة الأميركية تؤثر على الموقف الفرنسي في معارضة الاستيطان وتجميد المفاوضات». من جهة ثانية، كتب الجنرال (احتياط) يديديا يعاري، من كبار القادة الاستراتيجيين في الجيش سابقا، مطالبا بتغيير التكتيك الإسرائيلي في الموضوع. وقال: «لا يشك بأهمية اجتثاث القدرات النووية العسكرية الإيرانية وهي في مهدها، لأن هذه القدرات ستدخل المنطقة كلها إلى عاصفة خطيرة وستفتح عهدا جديدا من التهديدات. ومع ذلك، هناك ما يثير القلق في الإجماع المروع حول النووي الإيراني، خصوصا ما يتعلق بمستقبل وجود الشعب اليهودي، فإيران النووية تهدد أولا إيران نفسها. يمكن للسلاح النووي أن يشكل كنزا كبيرا في كل الحالات، الأول في الردع من هجوم متعدد الأطراف، والثاني كوسيلة أخيرة لمنع الانهيار. لكن توجد هنا درجات. السادات والأسد الأب لم يرتدعا عن شن حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر «تشرين الأول» سنة 1973) رغم الافتراض بأن إسرائيل تملك سلاحا نوويا. لقد كانت أهدافهما محدودة - سيناء وهضبة الجولان - وافترضا أن إسرائيل لن تستخدم ما لم تعترف أبدا بأنها تملكه. كل المواجهات العسكرية التي وقعت يومها - على الأقل - حدثت في ظل الفرضية ذاتها. ولم يتم في أي منها التفكير بأن إسرائيل ستستخدم ما يعتقد العدو أنها تمتلكه. لكن المختلف في المسألة الإيرانية هو الافتراض بأن طابع النظام وتصريحاته تجعل من القدرات النووية الإيرانية مشكلة رئيسية وفورية بالنسبة لإسرائيل. هذا صحيح، ولكن هنا، أيضا، توجد درجات. كسلاح هجومي، لا يعتبر النووي سلاحا يمكن استخدامه من دون أن يجر إلى رد فوري بالعملة ذاتها. حتى التلميح بالتهديد يمكنه أن يجر إلى ضربة مانعة ستنزل كارثة بالجهة المهددة. هذا هو الحبل الرفيع، المستنزف الذي سارت عليه كل القوى العظمى خلال الحرب الباردة. اجتياز هذا الخط من جهة إيران سيعرضها فورا لضربة نووية مانعة، أو تهديدها برد كهذا. وخلافا لنموذج الحرب الباردة، يمكن لرد كهذا أن يصل من جهات عدة في آن واحد، حتى من روسيا. وإيران تأخذ هذه المسألة في الاعتبار، وهي ليست غبية».
مشاركة :