جواب سؤال كيف نصبح عاديين يبدو سهلا، ألسنا عاديين بـ”الفطرة”، وإن لا، ألا تكفي فقط المراقبة والتمرن والتقليد؟ العملية السابقة التي تبدو سهلة، نكتشف صعوباتها ومخاطرها الجديّة في الأعمال الفنيّة والأدبيّة، كونها تسائل جوهر هذا العادي، إن وجد هذا الجوهر، كما في حكاية فرانكشتاين الشهيرة، فالجسد المكون من مجموعة أجساد، بعث فيه “العلم” الحياة، ليُحكم عليه لاحقا، وبمجرد إدراكه لذاته بأنه وحش، لا بالمعنى الشكلي فقط، بل السياسيّ أيضا، أي يمكن قتله وتحويله إلى كائن للاستعراض، كل محاولاته ليكون “رجلا عاديا” لا تأخذ على محمل الجد، بل وتوصل إلى قناعة ذاتيّة بأنه وحش، وكأن هناك سوء فهم لغوي ورمزي بينه وبين تكوين العالم، إذ لا يكفي فقط تبنّي العاديّ، بل لا بدّ من التطابق معه حرفيا، ولا يمكن اقتباسه أو تقليده أو تبنيه من قبل أي مختلف. وهنا تأتي خطورة فرانكشتاين كونه يهدد هذا العادي نفسه، ويكشف استحالة الصفات والخصائص التي يجب أن تتوافر في كيان واع ما ليعترف به كـ”عاديّ” شكليا وثقافيا، هذا التمييز ضد المختلف يكشف تشدد العادي، ففرانكشتاين لاحقته الجموع لقتله وحرقه، فنموذج “العادي” والكتلة البشريّة التي تتبناه وتنتجه قد لا تبدو واضحة أو مرئيّة، لكنها شديدة العنف، وكأنها تدافع عن تقليد متوارث ومقدس ولا يجوز المساس به أو تبنيه إن لم يتطابق الفرد مع مكوناته الثقافيّة. ذات التساؤلات حول العاديّ نراها في أفلام الخيال العلميّ كـ”ذكاء اصطناعي” لستيفين سبيلبرج، التي نتجاوز فيها التكوين الجسدي العضوي، نحو الوعي ذاته، ليُطرح السؤال التقليدي هل يمكن لذكاء اصطناعيّ أن يكون رجلا أو امرأة عاديين؟ وما هي الخصائص التي تكوّن فردا عاديا ولا يمكن محاكاتها من قبل رجل آلي مثلا؟ هل الأمر حكر على التكوين العضوي المتماسك القادم من الرحم؟ هذا التساؤل الذي تطرحه كل أشكال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، والذي تُختبر إجابته عادة ضمن مواقف بشرية، تتجلى فيها خصال الحب، والتضحية، والولاء لدى الآلي لتحديد مدى “بشريته”، لكن، نكتشف أنه حتى لو قامت الروبوتات والنسخ السايبيرية بكل “أفعال البشر”، فستبقى أقلّ مرتبة أو “لاعاديّة”، وكأن هناك صفة علويّة تنبع مع أسطورة الكربون الذي يشكل الحياة، والذي يكسب الإنسان العاديّ تميزه عن باقي الأشكال الواعية. ربما المشكلة في أسطورة الكربون ذاتها وشكل الجسد البشري والوعي الذي ينتجه، ذاك الوعي الذي مهما بلغ من التعقيد، نراه مقيّدا بالشكل البشريّ، الذي يرى نفسه عاديا، ومُهددا من قبل الأشكال الأخرى ذات الوعي المختلف، التي قد تنفي هذا البشريّ بكل تعقيداته، لا بصورة ديستوبيّة، بل تزيحه عن مركزية العالم، لتتحول كل أحلامه وسعادته إلى مجرد هوامش مبتذلة أمام المشكلات الجديدة التي يطرحها ذاك المتفوق أو المختلف عنه بالوعي.
مشاركة :