يوم أول من أمس، الأحد، تم بث الحلقة قبل الأخيرة من الموسم الخامس لمسلسل «السائرون الموتى» The Walking Dead تمهيدا لساعة ونصف يوم الأحد المقبل يتم بعدها إغلاق ستار هذا المسلسل لهذا الموسم قبل عودته في موسم سادس. وبعد 5 سنوات من انطلاقة «السائرون الموتى» ما زال من بين أكثر مسلسلات الفضائيات الأميركية إقبالا. حسب مؤسسة نيلسون المتخصصة في استطلاعات الرأي فإن المسلسل جاء في المركز الأول في الأسبوع المنتهي في الخامس عشر من هذا الشهر، جامعا من حوله 12 مليون و472 ألف مشاهد أغلبهم من الذين تابعوه من شهر أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2010 عندما شهد بثه لأول مرة على قناة AMC الأميركية. حتى عام 2003 كانت محطة AMC ترمز، كما اسمها إلى «كلاسيكيات الفيلم الأميركي» American Movie Classics بذلك كانت واحدة من فضائيات بث الأفلام القديمة. في ذلك العام قرر أصحابها زيادة حضورها بين الفضائيات وهذا الهدف له طريق واحد: إعادة صياغتها كمحطة شاملة للأفلام مع رفع نسبة المسلسلات التلفزيونية التي تقوم بصنعها بنفسها (كما حال HBO مثلاً) و«السائرون الموتى» كان أهم منجم ذهب حققته إلى اليوم. عاشت الحلقات على إثارة الخوف. ما «السائرون الموتى» سوى أشخاص ماتوا ولم يموتوا. أبدان بشرية في مستقبل غير بعيد انتشر بينها فيروس، لا يبحث المسلسل الكثير في كينونته، حوّلهم إلى آكلي لحوم بشر. من الحلقة الأولى وهم يلتهمون كل لحم حي والناجون من هذا الموت الشنيع باتوا قلة كما لو كانوا جزرا صغيرة في محيط من المياه المسمومة. الصراع انطلق من تلك الحلقة الأولى فاتحا عين المشاهدين التلفزيونيين على أن ما كان حكرا على أفلام السينما من حكايات، يمكن تقديمها على الشاشات المنزلية أيضا. قصص الأبدان شبه الميتة لا تشبع والتي قد تنقض في أي لحظة على ضحية في سيارة أو على مقربة من نهر أو في مبنى مهجور، وجدت عبر هذا المسلسل ملاذا بين مشاهدين جدد، وبالملايين. لكن مشاهدة هذا النوع من الحكايات على الشاشة الكبيرة في صالات السينما، ومشاهدتها في راحة البيت ليس لها أثر واحد. في الصالة، وأمام أفلام مثل تلك التي قام جورج أ.روميرو بتحقيقها من عام 1968، يدخل المشاهد ليجد نفسه واحدا من مجموعة أفراد تشاركه الفضول والرغبة في قشعريرة الخوف. ما إن ينتهي الفيلم حتى تنتهي كذلك معظم علاقته معه. يخرج إلى الحياة من جديد. يمشي في الشارع، يدخل مطعماً، مكتبة أو يعود إلى البيت. كلما ابتعد عن الصالة خف التأثير المدهم وتبدل إلى إما نوع من الإعجاب أو نوع من الكره. غالبا لن تخرج من البيت بعد مشاهدتك لحلقة من «السائرون الموتى» بل ستبقى مدة أطول تحت براثنه. وقد تبقى للأسبوع المقبل تحت براثنه إلى أن يأتي موعد الحلقة المقبلة. ليس أن ذلك سيخلق من المشاهد المنزلي حالة خطرة لكنها حالة غير مستقرة. وأهم ما في الموضوع بأسره أن الإقبال على المشاهدة التلفزيونية يعكس مخاوف يبددها الخروج من الصالة ذاتها. المعنى هنا هو أنه إذا ما شاهدت حلقة، أو حلقات من «السائرون الموتى» فإن البقاء في البيت بعد ذلك يأتي محفوفا بحذر دفين من الخروج (خصوصا وأن العروض ليلية). يشعر المشاهدون، بشكل عام، بأنهم في مأمن لأن ما تم عرضه حذر من الخروج من المأوى الذي وجد أبطال الفيلم أنفسهم فيه. من الموسم الأول إلى نهاية الموسم الثاني، تم بناء صرح من الحلقات التي تتحدث عن كيف واجه الناجون الاختيارات الصعبة والمحن الخطرة التي داهمتهم. تركوا المدن وأموا الغابات لكن الوحوش البشرية وجدتهم، ومرة بعد أخرى ذاد هؤلاء عن أنفسهم بضراوة. قتلوا ما تسنى لهم قتله، وسقط بعضهم في قبضة المتوحشين فقتلهم أفراد أسرهم أو أصدقائهم حتى لا ينقلبوا عليهم. من الموسم الثالث، وصل الفريق الآدمي إلى مبنى كبير كان سجنًا منيعًا ذات مرّة واتخذوه موطنًا. قاموا بزيادة تحصيناته وزودوه بأسلاك شائكة واستغلوا نقاط المراقبة وطافوا في أركانه وعيونهم على تلك السهول الخضراء التي سيأتي الخطر منها. وهو جاء منها لكنه لم يستطع الاقتحام. الموسم الرابع شهد تحولا مهما. هناك أشخاص آخرون (رجال ونساء) يريدون دخول هذا المكان الآمن يقودهم من أطلق عليه اسم «الحاكم». لكن الحاكم لا يريد مشاركة أهل ذلك الموقع مكانهم بل يريد طردهم إلى حيث سيتحولون، مجددا، إلى طرائد. في الموسم الحالي شاهدنا كيف تبلور ذلك الصراع عن منتصر ومهزوم لكنه لم ينته. بعض مقتل الحاكم (الذي استخدم السيف لاجتثاث الرؤوس وقتل بلا تردد ابنته الصغيرة بعدما هاجمها «سائر ميت») ها هم أتباعه يدخلون المكان بسلام، ولو إلى حين. الحلقة المقبلة وما سيليها في الموسم المقبل الذي يبدأ من خريف هذا العام، ستجيب على أسئلة من نوع إذا ما كان هناك سلام بالفعل أم لا. لكن الصراع ليس بين أصحاب الموقع، واسمه ألكساندريا أو (الإسكندرية) والطارئين فقط، بل بين أصحاب الموقع، إذ تبدت رغبة قائدهم ريك في الاستحواذ على كل شيء. بذلك كان المسلسل دخل في صياغة طرح حول ما قد تقود إليه الظروف من هيمنة واستبداد تعيد إلى الأذهان حالات مماثلة من قبل تفشي الفيروس القاتل. كل ذلك والصراع الأكبر المتمثل بوجود السائرين الموتى يبقى ماثلاً ومستخدما في كل حلقة من حلقات هذا المسلسل المقتبس، أساسًا، عن شخصيات وحكايات ظهرت في مجلات «كوميكس». المنتج فرانك دارابونت، الذي كان أعجب فريقًا كبيرًا من النقاد عندما أقدم سنة 1994 على تحقيق «إصلاحية شوشانك» وأتبعه بفيلم جيد آخر بعد 4 أعوام هو «الميل الأخضر» the Green Mile أشرف على تحويل الروايات المرسومة إلى حكايات متلفزة ولا يزال أحد منتجيها وكتابها إلى اليوم. أما الممثلون فرغم أنهم محترفون إلا أنهم جميعا من غير المعروفين إلا لأولئك الذين يجهدون في معرفة كل وجه. مثلا الممثل المخضرم سكوت ولسون ظهر من مطلع الموسم الثالث إلى نهاية الموسم الرابع عندما قتله الحاكم. ممثل أدوار الشر مايكل روكر ظهر في الموسم الأول، وعاد ضيفا في الموسم الثاني ولورا هولدن انطلقت مع المسلسل من حلقاته الأولى إلى نهاية الموسم الثالث. أما الباقون فهم وجوه غير معروفة، أو لم تكن كذلك إلى أن منحها المسلسل ذلك الحيز من الشهرة.
مشاركة :