في بيئة يواصل فيها المستثمرون التنقيب عن العوائد بينما يوازنون في الوقت نفسه مخاطر محافظهم نظرًا إلى حالة عدم اليقين، يواصل مستثمرو الشرق الأوسط البحث عن الأصول في لندن نظرًا لما تمثله لهم من ملاذ آمن، وهو أمر تجلى بوضوح في تقرير الثروات 2019 الذي أصدرته شركة «نايت فرانك» والذي أشار إلى ضخ المستثمرين من أصحاب الثروات الفائقة من منطقة الشرق الأوسط 3.3 مليارات دولار أمريكي عام 2018 في عقارات لندن على الرغم من المخاوف بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، مستفيدين من بيئة العملات المواتية في ظل قوة أسعار الصرف المرتبطة بالدولار مقابل ضعف الجنيه الاسترليني. ومع استمرار التخمينات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على نحو شاق أو عدم خروجها منه على الإطلاق، توجد أسباب جيدة تدعو الى الاعتقاد باحتفاظ لندن بمكانتها كمدينة عالمية رائدة ومركز مالي ووجهة للاستثمار العقاري، ذلك أن مقوماتها القوية تعني بقاءها المركز التقني الأول في أوروبا بالنسبة لشركات الـ«يونيكورن»، كما أنها استقطبت استثمارات أجنبية مباشرة عام 2018 أكثر من أي مدينة أخرى بحسب البيانات الأخيرة التي جمعتها شركة «لندن أند بارتنرز». كما أظهر بحث أخير لشركة «جي بي بول هوند» للاستشارات التقنية والاستثمارية دور المنظومة التقنية في لندن في مساعدة 17 شركة في تحقيق قيمة تتجاوز المليار دولار أمريكي منذ عام 2010، بما يتجاوز ضعف الرقم الذي حققته غيرها من المدن التقنية مثل برلين (بواقع 7 شركات) وباريس (4 شركات). لن يثني الخروج من الاتحاد الاوروبي المستثمرين عن الاستثمار فيما يتعلق بتجاربنا، فقد بدأنا عام 2012 أحد أكبر مشاريع إعادة التطوير في العالم في «باترسي باور ستيشن»، أحد المعالم الأشهر في لندن والتي ظلت هامدة على مدى ثلاثة عقود. سيخلق هذا المشروع الذي تبلغ قيمته 9 مليارات جنيه استرليني مركزًا جديدًا في مدينة لندن على ضفاف نهر التايمز على مسافة قصيرة من تشيلسي وعلى بعد ميل واحد من «المثلث الذهبي» التقليدي بين مايفير وبيلغرافيا ونايتسبريدج. وباعتباره أكبر مشاريع التجديد الأوروبية، شهدنا اهتماما كبيرا من مستثمري الشرق الأوسط ونجحنا في بيع عقارات سكنية تتجاوز قيمتها 125 مليون جنيه استرليني العام الماضي، ذهبت نسبة كبيرة منها إلى المستثمرين الخليجيين إلى جانب المشترين البريطانيين على الرغم من الشكوك المستمرة التي تحيط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فقد بيع ما يقارب 90% من الشقق التي عرضت للبيع، بما في ذلك جميع الشقق البالغ عددها 865 شقة تقريبًا في المرحلة الأولى، في حين لم يتبق سوى اثنتين من شقق البنتهاوس. كما شهدت المرحلة الثالثة التي تعد أحد محاور تركيزنا الرئيسية بيع 70% من الشقق المتاحة، مع انجذاب المستثمرين إلى فكرة امتلاك منزل فريد من نوعه من تصميم «فرانك جيري» أو تحفة من التاريخ الإنجليزي في مبنى «فوستر + بارتنرز» الايقوني. كما ينجذب المستثمرون من هذه المنطقة إلى مجموعة مثيرة من المطاعم والمقاهي والبارات والمتاجر التي تفتح أبوابها هنا وتستضيف بعضًا من أفضل الطهاة الذين يديرون مطاعم جديدة على طول النهر في لندن. كما ستحتوي «باور ستيشن» على أكثر من 100 متجر فضلًا عن قاعة للطعام، وصالة سينما، ومساحات للمناسبات تجعلها إحدى أكثر الوجهات الجديدة إثارة في مجال البيع بالتجزئة في لندن. ويحب المستثمرون أيضًا فكرة وجود حديقة «باترسي بارك» التي تمتد على مساحة 200 فدان على عتبة أبوابهم وقربهم من المتاجر العالمية ومتاجر المصممين في نايتسبريدج وبلغرافيا وتشيلسي. يجذبهم أيضًا الجانب المجتمعي القوي الناشئ في «باترسي باور ستيشن» التي يعيش فيها السكان وعائلاتهم بأمن وأمان وسكينة يستمتعون على أعتاب منازلهم بالمساحات المفتوحة أمامهم قبالة النهر في ميزة لم نعهدها في مثل هذا الموقع الرئيسي وسط لندن. كما سيستضيف مشروع إعادة تطوير «باور ستيشن» مركز شركة «أبل» في لندن عام 2021 والذي يؤكد مكانة لندن كمركز تجاري في عيون الشركات العالمية. في الواقع، مع وجود 25.000 شخص وعملهم في هذا المكان في الوقت الذي ينتهي فيه المشروع، فإنه سيرفد الاقتصاد البريطاني بنحو 20 مليار جنيه استرليني ويخلق 20.000 وظيفة جديدة فضلًا عن توفيره محطة جديدة في المنطقة الأولى لمترو أنفاق لندن، في وقت مازلنا نسهم فيه بأكثر من 200 مليون جنيه استرليني في تمويل ملحق الخط الشمالي ونمتلك رصيفنا الخاص بحافلات النهر، الأمر الذي يجعل هذا الموقع الذي كان يتعذر الوصول إليه من قبل جزءًا مترابطًا بشكل جيد مع سائر أنحاء العاصمة. الطلب القوي على الأصول العقارية من منطقة الشرق الأوسط آخذ بالنمو يعد الشرق الأوسط سوقًا مهماً نظرًا الى تقرير الثروات الأخير الذي أصدرته شركة «نايت فرانك»، إذ توقع زيادة أصحاب الثروات الفائقة (الذين يمتلكون أكثر من 30 مليون دولار أمريكي) في المنطقة بنحو 20% مع حلول عام 2023. بالنظر إلى مجتمع المغتربين الكبير في المنطقة، يسعى الكثير من هؤلاء الأفراد إلى الانتقال إلى الخارج في وقت بينت فيه الأبحاث سعي 24 بالمئة منهم إلى الهجرة واعتبارهم المملكة المتحدة أكثر الوجهات تفضيلًا، علمًا أن 74% من أصحاب الثروات الفائقة في الشرق الأوسط يمتلكون منزلًا آخر في الخارج بحسب شركة «نايت فرانك» متجاوزين في ذلك أي منطقة أخرى في العالم. علاوة على ذلك، يتطلع 55% منهم إلى القيام باستثمارات أجنبية مع بقاء العقارات البريطانية خيارهم الأول. بالإضافة إلى ذلك، يشكل المجتمع الهندي غير المقيم نسبة كبيرة من المستثمرين القادمين من الشرق الأوسط مع استمراره بالنمو وتنويع محفظته جغرافيًا، علمًا أن هذه الفئة تفضل على وجه الخصوص الاستثمارات العقارية في المملكة المتحدة التي توفر لها إمكانية وصول أبنائهم إلى فرص التعليم فضلًا عن المشاريع التجارية الجديدة وعوائد الاستثمار المستقرة. يذكر أن نسبة كبيرة من العائلات في الشرق الأوسط ترسل أبناءها إلى الخارج لاستكمال تعليمهم العالي وتجذب لندن اهتمامًا كبيرًا في هذا السياق. ومع استمرار مستثمري الشرق الأوسط بالبحث عن فرص أفضل في الخارج وبقاء العقارات إحدى فئات أصولهم المفضلة، فإنهم سيدركون أن مقومات لندن الأساسية لن تتغير بغضّ النظر عما سيحدث بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، ستظل هذه المدينة الخيار الأفضل للمستثمرين من هذه المنطقة، سواء في بحثهم عن منزل ثان، أو في سعيهم إلى الاستثمار أو البحث عن أصول تخدم أبناءهم وهم يسعون وراء الفرص المهنية والتعليمية.
مشاركة :